
لم تهدأ مصر منذ أحداث 3 يوليو الماضي جراء عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي , ولا يبدو أنها ستهدأ ما دامت السلطات الجديدة بمصر وعلى رأسها حكومة الببلاوي - المعينة غير المنتخبة – تخرج على مواطنيها كل فترة بقرارات هستيرية ومتخبطة , بدءا باحتجاز الرئيس المنتخب في مكان غير معلوم , وصولا إلى محاكمته بتهم تافهة أقل ما يقال فيها أنها مضحكة مبكية , كتهمة التخابر مع حماس وأمثالها , مما ينبغي أن يكون أمرا طبيعيا بين الأشقاء لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي , الذي لم يعد أحد في الإعلام المصري يتحدث عنه أو عن جرائمه , فالعدو الأهم والأخطر لهذا الإعلام - ومن يدعمه ويوجهه في مصر - بات التيار الإسلامي عموما والإخوان المسلمون بشكل خاص , وانتهاء بالقرارات الأخيرة لهذه الحكومة , والتي اعتبرها الكثير من المحللين أنها خطيرة وكارثية .
لقد تتابعت القرارات المتخبطة لحكومة الببلاوي عبر الأشهر القليلة الماضية , وكان آخرها وأخطرها قراران صدرا أمس وقبل أيام , أولهما قرار البنك المركزي المصري تجميد أموال حسابات 1055 جمعية أهلية في مصر بزعم الانتماء لجماعة الإخوان , وعلى رأسها الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة وجمعية أنصار السنة المحمدية ذات التوجه السلفي .
ويأتي هذا القرار تنفيذا لحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 23 سبتمبر الماضي , والذي قضى بحل جماعة الإخوان وحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها , ورغم عدم وجود أي علاقة لهذه الجمعيات بجماعة الإخوان المسلمين لا من قريب ولا من بعيد , إلا أن حكومة الببلاوي تذرعت بهذا السبب لتبرير قرار التجميد .
ولا شك أن القرار له تداعيات خطيرة جدا على فقراء الشعب المصري وما أكثرهم , والذي يبدو أنهم الضحية الأولى لهذه القرارات السياسية الانتقامية المتخبطة وغير المدروسة , خاصة إذا علمنا أن تلك الجمعيات الخيرية تساعد مئات الآلاف من الأسر الفقيرة في كل أنحاء مصر , كما أنها تقوم بمساعدة المرضى والأيتام وتوفر فرص عمل للشباب وتقوم بتيسير الزواج , وتكفل الجمعية الشرعية وحدها أكثر من نصف مليون طفل يتيم ، ونحو مليون أسرة فقدت عائلها .
وأما القرار الثاني فهو الذي صدر رسميا عن مجلس الوزراء المصري بالأمس , حيث اعتبر الإخوان المسلمين جماعة "إرهابية"، واتهم بيان المجلس جماعة الإخوان صراحة بالوقوف وراء حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية , دون أي تحقيقات أو دلائل على ذلك , مما يشير إلى أنه قرار مسيس بامتياز .
ويعكس هذا القرار درجة التخبط والاضطراب والهستريا التي وصلت إليها حكومة الببلاوي , بفعل تواصل المظاهرات في كافة المحافظات , والتي تدعو إلى عودة الشرعية والرئيس المنتخب , وترفض ما جرى في 3 يوليو , إضاقة إلى الحالة الإقتصادية المزرية التي وصلت إليها مصر في عهد الانقلاب , رغم الدعم المالي الكبير من بعض الدول الخليجية .
وقد انتقد الكثير من القانونيين والسياسيين القرار الأخير للحكومة معتبرين أنه :
قرار غير قانوني أولا , لأنه يأتي من سلطة تنفيذية لا يجوز لها أن تأخذ دور القضاء , فاتهام فرد أو مجموعة أو حزب بجريمة "الإرهاب" لا يصدر إلا من محكمة قضائية مخولة , وذلك بعد تحقيقات واستجواب واتهام ودفاع , وقد أكد عدد من قضاة مصر أن قرار الحكومة غير قانوني ومخالف للوائح القانونية المحلية والدولية , وعلى رأسهم المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق ونائب رئيس محكمة النقض الأسبق .
و قرار سياسي انتقامي ثانيا , فقد صدر اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن تفجير مديرية أمن الدقهلية , دون أي تحقيقات أو أدلة , ورغم تبني ما يسمى بجماعة " أنصار بيت المقدس" المسؤولية عن العملية , إلا أن ذلك لم يغير من الواقع شيئا , حيث بقيت وسائل الإعلام المصرية المؤيدة للانقلاب تتحدث عن مسؤولية الإخوان عن الحادث .
ورغم أن الحلول الأمنية والتصعيد الذي مارسته حكومات عربية ضد المظاهرات لم يجد نفعا في أكثر من بلد مجاور لمصر , ورغم أن محاولات حظر جماعة الإخوان واعتبارها إرهابية , وملاحقة أنصارها وأتباعها لم ينجح عبر أكثر من خمسين عاما مضت , إلا أن حكومة الببلاوي أبت إلا أن تقع في نفس الخطأ .
لقد تغافلت السلطات المصرية الجديدة عن مناشدات كثير من الشخصيات والأحزاب المصرية التي نصحت بعدم المواجهة مع الإخوان , ودعوا إلى الحوار والوصول إلى حل يرضي كافة الأطراف , حتى لا تصل مصر إلى طريق مسدود كما هو الحال الآن , ولكن ذهبت كل هذه المناشدات والنصائح أدراج الرياح عند قادة الإنقلاب .
إن الخطير في أمثال هذه القرارات أنها تقود مصر – لا قدر الله – إلى حافة حالة من الفوضى , قد تكون هناك أطراف كثيرة داخلية وخارجية تسعى إليه أمام توالي ظهور علامات فشل الانقلاب , والذي يقول بعض المحليين : أن أمثال هذا التخبط في اتخاذ القرارات هي دلالة واضحة على ذلك الفشل .
وقد استنكرت حركة 6 إبريل قرار الحكومة المصرية باعتبار جماعة الإخوان المسلمين كـ"منظمة إرهابية" – رغم كونها أيدت ما حدث في 3 يوليو - مؤكدة أن القرار يغلق آخر باب لإنقاذ مصر .
لقد بات من الواضح أن المواطن المصري العادي هو الخاسر الأكبر من هذه الحالة , فهو من غير فوضى كان يشتكي من كثير من الأزمات الاقتصادية والأمنية قبل و بعد ثورة 25 من يناير , فما بالك إذا أضيف على كاهله تداعيات ونتائج الفوضى التي لا يمكن أن يتحملها.