8 جمادى الأول 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا شاب في الواحد والثلاثين من العمر، متزوج من 6 سنوات وعندي طفل وطفلة هما كل حياتي.. زوجتي على درجة عالية من الالتزام.. لست مثلها ولكني أجاهد نفسي للمحافظة على الصلاة وأعمال الخير..
بعد سنتين من الزواج بدأت الخلافات بيننا وغالبا تكون على أمور تافهة.. "الشك، قلة الاهتمام، عدم تذكري لتواريخ المناسبات....." وهذه المشاكل مستمرة إلى وقتنا هذا؛ فلا نكاد نصفو حتى تبدأ من جديد وقد يستمر الخصام لشهور.. ولكنها في فترة الخصام تقوم بواجباتها كاملة.. أنا يومي مليء بالمشاغل اليومية ونظراً للظروف الاقتصادية فقد قررت الهجرة لأحد البلاد الأوروبية.. مؤخراً بدأت أرى بعض الظواهر الغريبة على زوجتي مما جعلني أبدأ بالشك فيها ولكني لا أستطيع أن أواجهها؛ لأني لا أملك دليلاً مادياً.. ولكن من بعض هذه الأمور أنها أغلقت حسابها على الفيس بوك وفتحت حساباً جديداً قد اكتشفته بالصدفة.. وبدأَتْ أيضا تستيقظ في أوقات غريبة لتتحدث هاتفياً، وعندما أسالها تخبرني أنها والدتها أو أختها.. وعندما أتصفح خلفها الكمبيوتر أرى أنها تشاهد مقاطع غير محترمة على اليوتيوب!! بدأ تفكيري يشت وبدأت أفكر جدياً بالطلاق. وأن آخذ أبنائي معي في الهجرة.. أعرف أن ما أشعر به الآن هو عقاب من الله على ما فعلته قبل الزواج.. أرجوكم أفيدوني؛ فقد بدأت حياتي بالتوقف وبدأ يستحوذ الشيطان على تفكيري.. آسف للإطالة ولكني كنت في حاجه للحديث.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
أخي الفاضل الكريم
نشكر لك ثقتك في موقع المسلم ومستشاريه ونسال الله أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرينا الحق ويثبتنا عليه وأن يرزقك الله رزقا حسنا وان يرفع درجاتك في الدنيا والآخرة.
أخي الكريم
الزواج للمسلم استقرار وسكن وفيه راحة واطمئنان كما قال ربنا سبحانه "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، ومن أهم أسباب تلك الراحة اطمئنان كل زوج لزوجه وبهذا فإذا جاءت نزعة شك من أحدهما في الآخر ذهب استقرار البيت وأمانه واطمئنانه.
ولعلي في هذه الإجابة على سؤالك لابد وان ننطلق من حقيقتين متساويتين هما أولاهما أنك مصيب في شكوكك هذه والثانية أنك مخطئ فيها متجن على زوجتك وقد أحلت حياتك بظنونك إلى جحيم أفسدها عليك وأشعرك بعدم الراحة.
ولهذا يجب أن تعلم بداية أن الشيطان وسراياه ينتشرون كل يوم وليلة ليكون أعظم هدف لهم هو تفريق بين المرء وزوجه ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه يفتنون الناس، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا، وكذا فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت " قال الأعمش: أراه قال: "فيلتزمه".
ومادام الشك قد وصلك أخي الكريم في زوجك فعليك بقطع هذا الشك فورا وعودتك إلى احد اليقينين؛ إما بطرح هذه الأفكار من رأسك تماما أو التأكد منها حتى تقرر بعد ذلك موقفك منها ولا يمكن أن تعيش معها وأنت شاك فيها على هذا النحو وربما تكون بشكك هذا تظلمها وتتهمها بما ليس فيها.
وعلى كل الأحوال وكما يستبين من رسالتك أنك لا تعطي بيتك من وقتك الا القليل، فكما تقول أن يومك مليء بالمشاغل اليومية وأيضا أنك وكما تقول نظرا للظروف الاقتصادية قررت الهجرة لإحدى البلاد الأوروبية، فأين وقت بيتك من يومك أخي الكريم، وأين الرعاية والعناية بأهلك ورعيتك التي سيسألك الله عنها؟
أخي الفاضل:
إن رعاية الرجل لأسرته لا تكمن فقط في رعايتهم المادية، فكثير من الرجال يعتقدون بأنهم قد أدوا كل ما عليهم تجاه أسرهم حينما يعملون خارج بيتهم ليل نهار لتغطية نفقاتهم والارتقاء بمستواهم الاقتصادي، ولكن الأسر كما تحتاج للرعاية المادية تحتاج أيضا للرعاية المعنوية، فالزوجة تحتاج وجودك بجوارها وتحتاج لرعايتك لها واهتمامك بها وبشئونها وتذكر مناسباتها وغير ذلك من مظاهر الاهتمام.
وكما تحتاجه زوجتك منك يحتاجه أولادك أيضا، فربما في سن الآن لا يشعرون بذلك وأن أمهم هي من تؤدي هذا الدور بمفردها ولكن حتما بإذن الله سيأتي اليوم الذي يحتاجك فيه أبناؤك لا لكي تعطيهم من الأموال بل لتعطيهم المساندة النفسية والمعنوية التي تحتاج أنت وهم لبناء جسورها اليوم قبل الغد.
لا تتعلل أخي بكثرة المشاغل والأعمال التي تعمل بها فلن أكون أنا ولا أنت ولا غيرنا أكثر انشغالا من نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم الذي اقتطع من وقته ليستمع إلى زوجته السيدة عائشة وهي تروي له قصة إحدى عشرة امرأة جلسن معا والحديث مشهور باسم حديث م زرع ادعوك لقراءته والتأسي بنبيك الكريم فيه الذي استمع إليها بكل إنصات واهتمام ثم قال لها في نهايته كدليل على أنه انتبه لكل ما قالت "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" [1]
أخي الفاضل:
ربما لا تعلم أن الزوجة – أي زوجة – قد لا تحتاج من زوجها مشورة أو رأيا أو حلا لمشكلاتها بقد ما تحتاج منه أن يستمع إليها بإنصات واهتمام وأن يعطيها من وقته وأن يدخلها هي وما يخصها في بؤرة اهتماماته، فلا تدري أخي كم من الراحة التي ستجنيها في حياتك إن اقتربت من زوجتك وأعطيتها اهتمامك ورعايتك
وأحب أن أنبهك أخي الكريم إلى أن وسائل التقنية الحديثة لها أضرارها الكثيرة والمؤلمة على البيوت الخاوية التي لا تجد من راعيها الرعاية الحقيقية، فلا يصعب تصور وقوع هذا بان يستغل أحد هذا الفراغ الناشئ في حياة أي زوجة أو ابنة ليكون فراغهما هذا عونا للشيطان عليهما، وقديما سئل أعرابية عن سبب وقوعها في كبيرة الزنا فقيل لها: ما ببطنك يا هندُ؟ فقالت: قرب الوسادِ وطول السوادِ، فقُرب الوساد هو قرب المستغل لها ولظروفها عن طريق وسائل الاتصال الحديثة في حال ابتعاد الزوج، وطول السواد أي طول الوقت الذي يقضيانه معا منفردين، فعليك أن تنتبه لبيتك ولزوجتك.
ولن يكون هذا كله سببا في تبرير ما تفعله أي زوجة لأي خطأ حتى لو غاب عنها زوجها فيجب على المسلمة أن تنتبه لهذا وأن تحفظ نفسها مهما كان تقصير زوجها تجاهها فهي ستحاسب أمام ربها عن فعلها وتصرفاتها وليس الأمر خيانة للزوج بل خيانة لدينها وإثما تقع فيها سيجازيها الله عليه، فكم مسلمة باتت تتلظى من نيران نفسها، ولم تفكر أن ترتكب منكرا لأنها تخشى الله سبحانه، ومنهن المرآة التي غاب عنها زوجها في الغزو وسمعها عمر وهو يحرس الناس ليلا وهي تقول في بيتها:
تطاول هذا الليل واسود جانبه *** وطال على ألا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله تخشى عواقبه *** لحرك من هذا السرير جوانبه
فجعل للمجاهدين مواقيت في الغزو لا يتجاوزونها حتى لا يغيبوا عن زوجاتهم لإحصانهن.
أخي الفاضل:
ارع بيتك فأنت مسئول عن رعيته واقطع شكك باليقين وحاول \ان تفرغ بعض وقتك لبيتك ولأسرتك ولزوجتك فزوجتك كما قلت صاحبة دين أفضل منك ولكن الفراغ والإهمال ومرور الوقت ووجود السائل الملح ربما غير وبدل من أخلاقها وذلك مما رأيت من مقاطع تشاهدها أو تغيير حسابها أو حديثها في الهاتف، فان كانت شكوكك في محلها فأدركها قبل فوات الأوان.
وأخيراً أخي: لم يتضح في رسالتك أنك ذهبت بالفعل للهجرة أم لا؟ وأرجو سواء كنت ذهبت أم لم تذهب أن تصطحب زوجتك وأبناءك معك حيثما كنت، فلا تتركهم تحت أي مبرر أو مسمى.
وفقك الله وحفظك وأهلك من كل سوء.
_______________________
[1] صحيح البخاري 4815 وصحيح مسلم 4488 عن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما.