14 رمضان 1436

السؤال

طلبت الطلاق من زوجي قبل 12 سنة، بعد خلافات كانت مستمرة، ﻷنه كان كسولا وغير مسئول، ويتصرف تصرفات غبية (يبيع عفش البيت، يبيع سيارته، وكل ما يملك) عندما يصل لدرجة "الطفرنة"، ويعلق كل أخطائه عليَّ قائلاً: " إيجار الشقة عالي، وطلباتك لا تنتهي، وو..".
خالعته وربيت عيالي، بنتي الآن عمرها 16 سنة، وولدي عمره 15 سنة، في الفترة الأخيرة طلب مني الرجوع، وطلبه مني تكرر عدة مرات، وهو لم يتزوج، وأنا لم أتزوج، لم ألمس أي تغيير في شخصيته ولا طباعه، لكن يذكر أنَّ راتبه أصبح 4000 آلاف ريال، وكان نصفه سابقًا، مشكلتي ليست في الراتب بقدر ما هي في شخصيته، فهو ضعيف الشخصية غير مهتم بمظهره، أشعر أنه يعاني من مرض نفسي، أو مصاب بالعين، يتأتئ بالكلام، لا يوجد لديه أي علاقات أو أصدقاء، وشخصيتي عكسه تمامًا.
لكن هناك شعور ينتابني في الفترة الأخيرة، ويرغبني بالرجوع على الرغم من تلك العيوب البارزة، منها: تقدمي في السن، ورغبتي في الاستقرار النفسي والعاطفي، وعدم ضماني للظروف القادمة، فاﻵن والدي ووالدتي على قيد الحياة، ولكن ماذا بعد عمر طويل؟. هل سأعاني مرارة الوحدة والحاجة؟. كيف أقنع الأهل برجوعي لطليقي وخصوصًا والدي، ﻷن طليقي طلب منه ذلك، ورفض رفضًا باتًا.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: أشكركِ على ثقتكِ بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أختي الكريم: فهمت من خلال عرضكِ لمشكلتكِ، أنَّك خالعت زوجكِ من زمن بعيد، وأخذت أولادك معك، وقمت على تربيتهم ورعايتهم حتى اشتدَّ عودهم، وكان زوجك يطلب منك عن طريق والدك الرجوع إلى حياة الزوجية، ورفض والدك طلبه رفضًا باتاً، وأنت كأن لك الرغبة في العودة إليه، حيث أنك وزوجك لم تتزوجا، من بعد المخالعة كل هذه الفترة الطويلة، وتخشين بعد وفاة الوالدين وزواج الولدين، وقد بلغت الخامسة والأربعين أن تشعرين بالوحدة، وترغبين برجوعك لزوجك لتشعري بالاستقرار النفسي والعاطفي، وتطلبي توجيهك في ذلك، مع كون والدك رفض طلب زوجك رجوعك إليه، ألخص لك أختي جواب استشارتك في النقاط الآتية:
أولاً: إن زوج المرأة منها لبمكان.
جاء في الروض الأنف:[3/ 172]: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا إلى المدينة من غزوة أحد، لقِيَتْه حمنة بنت جحش رضي الله عنها، فلما لقيت الناس نُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش رضي الله عنه؛ فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه؛ فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها زوجها مصعب بن عمير رضي الله عنه؛ فصاحت وولولت؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن زوج المرأة منها لَبِمكان) لما رأى منها من تثبت عند أخيها وخالها، وصياح على زوجها.
الزوج له مكانة لا يصل إليها والد ولا ولد، وله منزلة في قلب المرأة رفيعة وعظيمة، تدور في فلكه، وتسير إلى جنبه، وإذا اشتدت بها الأيام يكون السَّابق الذي تتكئ عليه، وصاحب الرأي السديد الذي تثق به، فهو خير مساند لها في المحن والأزمات، وخير بلسم يشفي جراحاتها.
ثانيًا: " كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه ".
الصُّحبة لا تدوم إلا بالإغضاء عنِ الهفوات، والتجاوز عن الزلاَّت، والمعاتبة بالحُسْنى، واستحضار الفضائلِ والحسنات، قبلَ المحاسبة على النقائِص والهنَات، ومَن رام في الناس الكمال، فقد طلب المُحال، ومَن أفرط في اللَّوم والعتاب، لم يستبْقِ أحدًا من الإخوان والصِّحاب، ويُوشك مَن وقَف عند كلِّ زلَّة، وعاتب على كلِّ هفوة أنْ يعيش بلا صاحِب ولا صديق.
لذلك أختي الكريمة على ما في مخالعك من الخصال التي لا ترغبينها، يوجد فيه خصال أخرى جميلة تغطي وتهذب التي تكرهينها، وأنت لا تنسين فيك الخصال التي تحبينها في زوجك، فلعلك بحكمتك وذكائك تطعمينها في زوجك، ومع إصرارك بحكمة على تغييره، تصلين بعون الله لما تطمحين، فأنصحك بالرجوع إليه، فأنت راغبة وهو راغب، والدليل بقاؤكما لسنين طويلة بدون زواج، متأملين بعودة المياه إلى مجاريها.
ثالثًا: أولادك مفتاح جدهم.
فاتحي أمك أولا بموضوع رجوعك لزوجك، ودعي أمك تكلم أباك بذلك، ثم اطلبي من أولادك يكلموا جدهم بأدب جم، بأنهم راغبون أن يكون لهم أب وأم ككل الأسر، ويلحون عليه بذلك مستغلين عاطفته وحنانه تجاههم، واستعيني أيضًا في إقناع والدك بأعمامك وأصدقاء والدك الذين يقدرهم ويعزهم، لو كذلك استعنت بأقرب إخوتك لك، وطلبت منه أن يكلم إمام مسجد حيكم، أو أحد طلبة العلم الذين لهم تأثير على والدك ليسمح لك بالرجوع لبيت الزوجية.
رابعًا: سلمي أمرك لله.
الله خير معين ونصير، استخيري الله أولا بموضوع رجوعك لزوجك، واطلبي من ربك أن يختار لك الخير، ويوجهك إليه، وتخيري أوقات إجابة الدعاء، وخاصة وقت السحر، وأسأل الله أن يكون في رجوعك لزوجك صلاح أمرك وحفظ أولادك وسعادة أسرتك.