27 جمادى الثانية 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي أنني موظف منذ عشرين عاماً، ومنَّ الله علي بالهداية منذ اثني عشر عامًا، وطلبت العلم الشرعي، وأكملت دراستي الجامعية في العلوم الشرعية حتى الماجستير، وحيث أن وظيفتي إدارية لا تلبي طموحي، أصبحت أتضايق منها، ومما زاد الطين بله أنه تم نقلي بناء على تشكيل وزاري إلى إدارة أخرى أسوأ وضعًا وخلقًا من ناحية الزملاء، رغم الدخل المرتفع، وأنا محتار في التقاعد المبكر، أو البحث عن وظيفة تناسب طموحي، وهي في المجال الشرعي أرجو إرشادي، رعاكم الله.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك طالب علم مؤهل، وتعمل في عمل إداري، وترغب العمل في مجال تحبه وترغبه، وأنت مهيَّأ نفسياً وعلميًا له، خاصة وأنه قد تمَّ نقلك إلى عمل إداري بظروف عملٍ لا تناسبك، وتسأل مستشيرًا هل تقدم تقاعدا مبكرًا، أم تبحث عن وظيفة تناسب طموحك ورغبتك، أبشر أخي بما يسرك، فما عليك إلا أن تتبع الملاحظات الآتية:
أولاً: كن داعية إلى الله حيثما كنت.
بقاؤك في مكانك مع تأثيرك الإيجابي على من حولك أفضل وأنفع، ومجابهة الشر والسوء وبذل الوسع في الإصلاح، وأخذ الأيدي لطريق الهدى والرشاد خير عظيم، ونفع متعدٍ للغير كبير، ولربما تركك للثغر الذي أنت فيه يكون سببا في شاغر قد يسده من ليس له بأهل، فيفسد بدل الإصلاح، فاختيار الله لك بوجودك في مكان كهذا، يضع عليك حملا دعويا كبيرا في إصلاح من حولك، والداعية إلى الله وجوده ينفع أينما حل وأينما وجد.
وتذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعيش بين ظهراني المشركين في مكة، فعاملهم بالصدق والأمانة، حتى تحصل على وسام الصادق الأمين.
ولك في نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام أسوة، فعلى الرغم من أذى السجن وضيقه، كان داعية يضيء بدعوته ظلمة السجن حتى تحصل على وسام" إنا نراك من المحسنين ".
فكن داعية صامتا تؤثر في من حولك بسلوكك وأخلاقك وأدبك وحسن تعاملك.
ثانيًا: تذكر عظيم أجر الداعية.
فالله عز وجل يقول: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين). والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى, كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا, وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ, كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا). فما أعظم أجر الداعية! فاجعل أمام ناظريك هذا الأجر العظيم، واصبر على ما تجده من نصب وأذى ممن حولك في عملك الذي تعمل به.
ثالثًا: ثغر الدعوة يشمل جميع طبقات المجتمع.
جميع طبقات البشرية محتاجون إلى الدعوة إلى الله، فالكفار والمشركون يُدعون إلى الدخول في الإسلام. والمبتدعة يُدعون إلى الله ببيان أحكام الدين الصحيحة، ليعبدوا الله على بصيرة، وحسن اتباع. والعصاة ومن فسدت أخلاقهم يُدعون إلى الله بوعظهم بذكر عظمة الله ليعظموه، وترغيبهم في الجنة ليطيعوه، وترهيبهم من النار حتى لا يعصوه. وأهل العبادة محتاجون إلى الدعوة؛ ليزيد إيمانهم، ولتحسن أعمالهم، ولتتحرك نفوسهم لدعوة غيرهم، ليجمعوا بين الصلاح والإصلاح. والعلماء محتاجون إلى الدعوة؛ ليعملوا بعلمهم، وينشروا علمهم بين الناس. وعامة المسلمين يُدعون إلى الله؛ ليزيد إيمانهم، وتحسن أعمالهم، ويتوبوا من ذنوبهم. فليس أحد يستغني عن الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوعظ والتذكير، والنصح والإرشاد، لا المؤمن ولا الكافر، ولا المطيع ولا العاصي، ولا العالم ولا الجاهل. وكلٌّ يدعو بحسب حاله.. وكلٌّ يُدعى بحسب حاله. فأنت على ثغر لا تتركه، واعلم أن بقاءك فيه أنفع للدعوة وللمسلمين.
رابعاً: اجمع بين الحسنيين.
يمكنك أن تعمل في ميدان الدعوة الأفقية، وأنت باق في عملك تمارس الدعوة الرأسية، فبإمكانك أن تتقدم بطلب عمل إلى مديرية الأوقاف بمنطقتك، وتتمكن من الإمامة والخطابة والتدريس الديني في المسجد، بالإضافة للعمل في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، فمناشط وميادين الدعوة متعددة ومتنوعة، وثق ثقة تامة أنك لو أشغلت وقتك كله في الدعوة إلى الله، ستسعد سعادة ليس بعدها سعادة.
خامسًا: استخر الله عزَّ وجل.
إن وجدت نفسك ضائق الصدر، وبذلت كل ما عندك من مهارات في دعوة من حولك، ومالت نفسك لترك الثغر الذي أنت فيه، صل ركعتي الاستخارة، وادع الله أن يختار لك الخير، مع أني أشير عليك بالصبر والثبات في مكانك، فالدعوة الرأسية أنفع وأبقى وأثبت من الدعوة الأفقية، فجلوسك مع زميلك على انفراد وقرب يؤثر فيه تأثيرًا فعالاً، أما الدعوة الأفقية عن طريق المنابر الدعوية العامة فلا شك أن لها تأثيرا عاما، ولكن الدعوة الرأسية أقوى وأمضى.