12 رجب 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله أنا شاب عمري 27 عاماً، حدث لي موقف أليم منذ 9 أعوام عندما كنت طالباً في الثانوية في الصف الثالث ثانوي كان عمري وقتها 18 عاماً، كنت في أزمة عاطفية وعاشق، وأثرت هذه الأزمة العاطفية في مستواي الدراسي وكانت نتيجتي في السيمستر الأول ضعيفة جداً، مما جعل والدي يغلب عليه العاطفة الأبوية؛ فاضطر للذهاب إلى صديق مدير المدرسة حيث كان يعمل مع والدي في العمل ويخبره عنى وأني ضعيف في تحصيل الدرجات ويقوم بعمل توصية كأن ينجحني المدير وأنا ضعيف، مع العلم أن والدي لم يخبرني إلا بعد ما أخبر صديقه الذي ذهب إلى مدير المدرسة وأخبره بالتوصية التي جاءت من والدي فغضب المدير منى وأحس بأني خبيث وأنى قللت من شأن أمانته فذهب المدير وفي أحد الأنشطة الرياضية وكنت مصتفا مع زملائي فبدأ يتربص بي المدير يبحث عن حجة لكي يضربني بها فلم يجد أنني خرجت عن الطابور واستدرت أنظر إلى وجهه فإذا بصفعة كفه اليمنى القوية تلطمني على أذني وجزء من وجهي وخلف أذني بقوة صادمة أحسست باحتراق رأسي وقلبي وأعصابي ثم بعد ذلك قام بدف رأسي إلى الأمام لكي أنحني وكان ذلك في الطابور الصباحي للامتحانات النهائية السيمستر الثاني ودخلت الامتحان وأنا مقهور، وبعد الرجوع إلى المنزل لم أخبر والدي بما حدث وخفت أن يكون موقفنا ضعيفاً لأن والدي عمل شيئاً غير لائق لا يناسبه هو كولي أمر محترم، وأنا نفسي لم أتجرأ على الرد لأنه كان يكبرني بـ23 عاما وكان قوى البنية وعظيم الجثة كما خفت بأن المؤسسة التعليمية لن تقف معي.. المهم مرت الأيام والشهور والسنون وأنا لازلت في عقدة الصفع على الوجه وانكسار الكبرياء والاكتئاب والتفكير كما أني أخبرت والدي بعدما اشتد الأمر عليّ بعد 4 سنوات وارتحت بعض الشيء ولكن العقدة لا زالت موجودة وأفكر في الانتقام بعد تسع سنوات، وهذا الشيء غير منطقي؛ فما العمل؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نشكر لك أخانا الكريم ثقتك بإخوانك مستشاري موقع المسلم، ونسأله سبحانه أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
أخي الفاضل:
أحسنت صنعا أن كتبت ما يعتمل في نفسك وأخرجت ما يضيق به صدرك فما أشد أن يكتم الإنسان ألمه فلا يبثه لمن يمن يحبهم ويثق فيهم ويستريح لهم، فكل الم تضيق به النفس وتتحمله لفترة من الزمن لا تلبث إلا وتنوء به وتحتاج لمن يتحمله معها، وعندما يخرجه المرء من صدره يستريح من عبء حمله وشد وطأة لفحه
والإنسان – كل إنسان – معرض لأن تسير به الحياة في مواقف كثيرة منها ما هو سار ومنها ما هو مؤلم ومحزن، ومن جانبها المحزن منه البسيط الذي لا يذكره الإنسان وينساه بمرور فترة تطول قليلا أو تقصر، ومنها ما لا يسهل على الإنسان نسيانه.
والحزن والألم من أكثر مشاعر الإنسان صدقا وخاصة إن كان حزنا قديما مرت عليه سنوات طويلة مثل حالتك التي ذكرتها أخي الكريم، إذ لا يمكن أن يستمر الحزن والألم طوال هذه المدة الطويلة إلا إذا كان حزنا حقيقيا وألما جارحا قاسيا إذ يعاني القلب فيه من الآلام والحسرات وتذرف عينه العبرات.
وغالبا بل ربما من المؤكد أن صاحب هذا الموقف قد نسيه، بل ربما لم يثبت في ذاكرته ليوم واحد، ولهذا فاني مع تقديري الشديد وتفهمي لألمك إلا أني ادعوك أن تهون على نفسك أخي الكريم، ولابد من النظر لهذا الموقف من خلال عدة وقفات منها:
- للمعلم مكانته في النفوس، فهو يماثل الأب في عملية التوجيه والتربية، ولهذا فكما أن له التقدير الشديد لكل تصرف ايجابي منه ويظل الإنسان يتذكره طيلة عمره يكون أيضا التصرف التربوي السلبي منه شديدا وخاصة إن كان يمثل هذه الشدة كبيرا جدا في نفس الإنسان ويتذكره لفترة طويلة، فلا يمكن إطلاقا أن يكون هناك تعامل مع شاب في الثامنة عشرة بوسيلة الضرب والإهانة على مرأى ومسمع من الجميع، فالإهانة لا يمكن أن تكون وسيلة تربوية ناجعة، وخاصة أن كان مع مثل هذا العمر، ولهذا فعلى المربين والمعلمين إدراك أن الضرب والإهانة ليسا من وسائل التربية وخاصة في هذا السن، بل اغلب الظن أنهما وسائل انتقام لا إصلاح.
- ربما لم تقابل أخي الكريم هذا المعلم مرة ثانية ولو التقيته واجتهدت أن تذكره بهذا الموقف لن يتذكره إلا بصعوبة، فلم يكن أمر إهانتك لشخصك ولكن اغلب الظن أن هذا المربي الكريم كان يتخذها كوسيلة تربوية لها أولوية عنده، واثق أنك لو التقيته – الآن - لوجدت شخصا آخر غير الذي في مخيلتك، فلن يكون يحمل في قلبه تجاهك وتجاه كل من تخرج من تحت يده إلا كل خير، وتذكر أخي أنه حتى وإن أخطأ في الوسيلة إلا أن الهدف الأساسي الذي يعمل له الغالبية العظمى من المعلمين والمربين هي مصلحة تلاميذهم جميعا، فلم يقصد ما وصل إليك من إهانة ولا شك انه ظن أن الأمر انتهى عندك من يومها ولو يعلم ما في صدرك حتى اليوم لسعى إليك لاسترضائك والتحلل مما تحمله له، فكن من أهل العفو عن الناس الذين مدحهم الله سبحانه في مواطن عدة في القران الكريم وامتدحهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كثيرا في أحاديثه الشريفة
- ينبغي عليك أن تحاول تناسي ذلك الموقف حتى تنساه فكلما خطر على بالك فانشغل عنه بتذكير نفسك بمعاني توقير الكبير والعفو عن المخطئ والتماس الأعذار لأخيك ومعلمك وتذكر انك يقينا استفدت منه شيئا أو أشياء كثيرة فقيمه على هذا الأساس، فان كان قد اخطأ في حقك في موقف فلاشك أن له مواقف قد أحسن فيها معك، وتذكر أن الله قد قرن العفو عن المخطئ من الناس بطلب العفو منه سبحانه، ورغبنا في العفو عن الناس للوصول إلى عفو الله سبحانه " وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ولا شك إننا كلنا في حاجة إلى عفو الله سبحانه عنا، فلنعف عمن ظلمنا، ففي صحيح الترغيب والترهيب علي رضي الله عنه قال وجدنا في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعف عمن ظلمك وصل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك " [1].
- يجب أن أشيد بموقفك تجاه الكبيرين والدك ومعلمك، فتحملت بنفسك هذا العبء والثقل فلم تشأ أن تحرج أو تضعف موقف أبيك ولم تشأ أن تجرح معلمك وترد عليه فلا شك أنك كنت في الثامنة عشرة ويمكنك الإساءة ولكنك أحسنت صنعا وهذا من حسن خلقك – ثبتك الله عليه – وهذا من إكرامك لمن هم أكبر سنا منك ومقاما، وأبشر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم المروي في سنن الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه " [2]
وأخيرا أخي الكريم لا تجعل من هذه الحادثة سببا في اكتئابك وحزنك العميق هذا، فأنت في مقتبل شبابك وعنفوان قوتك، ودعها فإنها من الماضي الذي لا ينتج ترداده فائدة فاصرفها عن خاطرك وتقدم في حياتك، اسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.
_____________________
[1] صحيح الترغيب والترهيب - ناصر الدين الألباني (2/323).
[2] سنن الترمذي كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في إجلال الكبير برقم 2022.