السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إخواني في موقع "المسلم" جزاكم الله خيرًا. أطرح عليكم مشكلة بسيطة، وأريد منكم أن تشيروا عليَّ بصراحة، ولا أريد المجاملة، لكي تُحل هذه الإشكالية.
الموضوع هو خالي، أخو أمي، بيني وبينه مشاكل، وهذه المشاكل هو الذي يفتعلها، يعني هو الذي يبدأ، وخاصة عندما يكون بين إخوانه وعيالهم، يحاول أن يصطاد مني أي خطأ، فيبدأ بالشتم، ليس السب وإنما كلمات جارحة، وأنا عصبي، وفي بعض الأحيان أرد عليه بقوة، وأعاتبه بما يفعل، لكنه يكرر الخطأ مرات عديدة.
ما زلت أتعامل معه، لكن آخر خطأ منه كان في مكان حساس، وبين الناس، حيث اتهمني بأنني صليت صلاة الفجر وأنا نجس، فحلفت له أنني لم أكن نجسًا، فقال لي: لا أصدقك، قلت له: أنظر إلى ملابسي الداخلية. فقال: أنت مجنون!
فكيف الحل مع مثل هؤلاء الأشخاص، الذين هم للأسف أقرب الناس إليك، ولديهم أفكار أعتقد أنهم يريدون بها التقليل أو الانتقاص من الآخرين، ورفع شأنهم هم أمام الآخرين، هذا ما أراه.. أرجو إرشادي إلى حل هذه الإشكالية، فأنا أريده أن يكف عني، فيكفيني ما لدي من مشاكل. والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وشكرًا لكم، ومعذرة على الإطالة.
الجواب
الأخ الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، وجزاكم الله خيرًا، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
أعجبني في رسالتك أنك وصَّفْتَ مشكلتك بأنها "بسيطة"، وشكر اللهُ لك جرأتك، حيث طلبت منا أن نشير عليك "بصراحة"، وبينت أنك لا تريد "المجاملة"، وأنك تسعى "لكي تُحل هذه الإشكالية". وأقول لك: طالما أنك على يقين من أنه "هو الذي يفتعلها"، "خاصة عندما يكون بين إخوانه وعيالهم"، وأنه "يحاول أن يصطاد" منك "أي خطأ"، فلا يجب عليك أن تنساق معه، وأنصحك ألا تنجر إلى معركة خاسرة في كتا الحالتين؛ فإذا انتصر عليك وأهانك فستشعر بالغبن والهزيمة النفسية والمعنوية، وإن استفزك أمام الناس فانتصرت عليه، ورددت له الإهانة، فأنت خاسر أيضًا، لأنه في النهاية "أكبر منك سنًا"، وأقرب منك رحمًا "خالك".
كما أنصحك بأن تكظم غيظك، وأن تسيطر على مشاعرك، حتى وإن تطاول عليك بالسباب، أو ألقاك بكلمات جارحة، طالما أنك تعلم أنك "عصبي"، وأنك سترد "عليه بقوة"، فعن أبي هريرةَ (رضي الله عنه)، أنّ رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). «وَالصُّرَعَةُ» : بضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وأَصْلُهُ عِنْدَ العَرَبِ مَنْ يَصْرَعُ النَّاسَ كَثيراً.
أما عن اتهامه لك، بين الناس، بأنك صليت صلاة الفجر وأنت على نجاسة، وتكذيبه لك رغم أنك "حلفت له" أنك لم تكن نجسًا، وما حدث بعدها من إهانتك لفظيًا، فقد كان الأحرى بك ألا ترد عليه، وألا تنزلق إلى محاولة تبرئة نفسك، كان يكفيك أن تصمت ولا ترد عليه، أو أن تقول له بالحسنى أي عبارة من هذه العبارات: "جزاك اللهُ خيرًا"، "بارك اللهُ فيك"، "غفر اللهُ لك"، "سامحك اللهُ"، ...إلخ.
أخانا الفاضل:
في تقديري؛ أن الحل مع مثل هؤلاء الأشخاص، الذين هم للأسف أقرب الناس إليك، ولديهم أفكار يريدون بها التقليل من شانك، أو الانتقاص من الآخرين،ويظنون أنهم بهذه التصرفات يرفعون شأنهم هم أمام الآخرين، يتلخص في الآتي:
1) استعذ بالله من شياطين الإنس والجن: قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام- 112]. وقال سبحانه (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت- 36]. وقال أيضًا: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل- 98].
2) الزم الذكر والاستغفار، مع الإكثار من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله): فعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟"، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: "قل لا حول ولا قوة إلا بالله". (رواه البخاري ومسلم). وقال (صلى الله عليه وسلم): "من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله كانت له دواء من تسعة وتسعين داءً أيسرها الهم". (رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد).
هذا ما أراه.. أرجو إرشادي إلى حل هذه الإشكالية، فأنا أريده أن يكف عني، فيكفيني ما لدي من مشاكل. والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وشكرًا لكم، ومعذرة على الإطالة.
3) حافظ على الحد الأدنى للبر بأقاربك والصلة بأرحامك: فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". (رواه البخاري). وعن أنس (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه". (رواه البخاري). وعن علي (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: "من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه". (رواه البزار والحاكم).
4) أحسن إلى خالك وإن أساء إليك، فهذا هو المعنى الحقيقي لصلة الرحم: فعن عبدالله بن عمرو (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها". (رواه البخاري). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك". (رواه مسلم). والمَلّ: الرماد الحار، قال النووي: يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه.
5) قلل تعاملك مع خالك مع تجنب الهجر والخصام: معلوم أن الهجر لا يجوز أكثر من ثلاث، كما جاء فى الصحيحين، عن النبى (صلى الله عليه وسلَّم)، أنه قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذى يبدأ بالسلام". وفى الصحيحين عنه أنه قال: "تفتح أبواب الجنة كل أثنين وخميس فيغفر لكل عبد لايشرك بالله شيئا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا". وقال النبى (صلى الله عليه وسلم) فى الحديث الصحيح: "لاتقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله أخوانا المسلم أخو المسلم". وقال صلى الله عليه وسلَّم فى الحديث الذى فى السنن: "ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إصلاح ذات البين؛ فان فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلح لك خالك، وأن يهد قلبه، وأن يوفقك إلى صلته، وأن يجنبك سبابه وتطاوله، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.