25 ربيع الثاني 1437

السؤال

تزوجت وأنجبت طفلا، ثم انفصلت وبعد مدة تزوجت رجلا آخر، اتضح لي بأنه عقيم، ولم يقبل بابني أن يبقى معي، فهل لي أن أقبل بهذا الشرط أو الأفضل لي أن أنفصل عنه علما بأن موقف ابني يؤلمني كثيراً..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم، ومشكلتك التي وردت في رسالتك تعاني منها كثير من النساء اللاتي انفصلن وتزوجن مجددا، ولديهن أبناء من الزواج الأول..
وأنا مقدِّرة جدا لظروفك التي تمُرِّين بها، خاصة وأنك خرجت من تجربة زواج فاشلة، ولديك ابن تحبينه، وبالوقت نفسه تحملين بداخلك الكثير من الأحلام التي كنت تتمنين لو حقَّقتها داخل عش الزوجية، ولديك احتياجات عاطفية ونفسية ومشاعر الأمومة، إضافة إلى ما ينتابك من حيرة وقلق بشأن مصير ابنك..
ومن الحلول التي تساعدك ما يلي:
بداية أقول لأختي الكريمة: حاولي أن تقنعي زوجك ليتقَبَّل موقفَك تِّجاه ابنِك، وأنك أم عليك حقوق وواجبات رعايته وتربيته، كما أنك زوجة عليك حقوق وواجبات زوجية..
ثانيا: ناقشيه بأسلوب مُؤَثِّر، باستخدامِك للكلمة الطيبة، والمُحَبَّبة لقلبه وسمعه، وتعاملي معه بحكمة ولين، واختاري الوقت والمكان المناسب واطرحي عليه مشكلة ابنك، وألحِِّي عليه برغبتِك في العيش بقربِه، وأَقْنعيه بضرورة وجودِك معه، من غير أن تُجْبِريه على ما يكرهه، فلا مسؤولية تُلقى عليه اتجاه هذا الطفل من حيث التربية والعناية به، إلا لو قبل أن يفعل ذلك عن طيب خاطِر وكرما منه، ومن باب معاشرتك بالمعروف، ورغبةً منه في الإحسان إليك، ولهذا من الأفضل أن تجْعَليه يميل لاختيارِك بذكاء، ويشعر بحجم ألمِك ووجعِك لو فارقت ابنك حتى يَرِقَّ قلبُه لحالِك..
ثالثا: بيِّني لزوجِك أنَّ رعايتَك لابنك لن تؤَثِّر على علاقتك به ولا على واجباتك اتِّجاهه، فربما هو يخشى من انشغالِك عنه بابنِك ولهذا السبب يرفض وجوده معك..
رابعا: قرِّبي بين زوجك وابنك، ووَثِّقي العلاقة بينهما، وحبِّبي كلاهما للآخر، وازْرَعي بينهما المودَّة والرَّحمة، وذَكِّريه بالثواب العظيم في تربيته والاعتناء به، خاصة وأنه طفل في مرحلة يحتاج فيها إلى معلِّم ومربِّي يقوم مقام والده في تربيته وتوجيهِه، وأنك بحاجة لمساعدتِه في تحمُّل مسئوليته، وتنشئته تنشئة صالحة، اقتداء وتأسِّيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تزوج بنساء لهن أولاد، ومع ذلك تكفل بتربيتهم، فعَن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) رواه البخاري ومسلم.
ـ وفي حالة إذا ما صمَّم زوجك على موقفه الرافض لوجود ابنك، فحاولي تفهمم سببه , وفي حالة تصميمه اقبلي موقفه لأنه اشترط عليك ذلك قبل الزواج و برِّري رفضه هذا فلعله لا يمتلك مؤهِّلات مادِّية ونفسِيَّة لتقَبُّل طفل غريب عنه في بيته، أو ربما هو يخشى من تحمُّل مسؤولية تربيته وما قد يترتََّّب عن ذلك، أو لعله لا يثق بكفاءته ولا بمؤهِّلاته وقدراته في رعاية طفل وتربيته، أو ربما لا يشعر بأيَّة مشاعر أبوية، أو بأيِّ ميلانٍ عاطفيٍّ اتِّجاهه، أو هناك أسباب أخرى أنت تجهلينها، ولديه ظروف خاصة وضغوط تمنعه من تلبية رغبتك..
وفي مثل هذه الحالة أنصحك أختي الكريمة إلى ضرورة التفكير بمجموعة من الأمور ومنها:
أولا: ابحثي عن حلٍّ وسط توفِّقين من خلاله بين الحفاظ على استقرارِ حياتك الزوجية وحماية ابنك، لأنه هو أفضل لحياتك، ولسعادتك، ولاستقرارِك النفسي والعاطفي..
كأن تضعي ابنك لدى أحد أفراد أسرتك ممَّن تثقين بنزاهتهم وتديُُّّنهم وصلاحهم، أو أن تطلبي من طليقك أن يعيش ابنه معه، لأنه والده وسيكون أحنَّ عليه من الغريب، أو مثال ذلك ، بشرط أن تتَّفِقي مع زوجك على زيارته في أوقات محدَّدة، أو في أيام خاصة بالأسبوع، أو أن يسمح لابنِك بزيارتِك والمبيت عندك في الإجازات، أو في أيام بالأسبوع بحسب ما يناسِبُكِ ويناسِبُه..
ثانيا: تقرَّبي إلى زوجك وتودَّدي إليه، ولا تشْعِريه بالنقص بسبب عقمه، بل أَحْسِني معاملته ما استطعت لذلك سبيلا، فلعلَّك بذلك تنجحين في التأثير عليه، وتجَعْلِنه يرأف من حالك، ويقبل بحضانة ابنك، والقيام مقام والده في تلبية احتياجاته واحتياجاتك المادية والمعنوية، حتى تكون حياتك هادئة ومستقرة نفسيا وعاطفيا..
ثالثا: كوني الزوجة العاقلة الحكيمة التي تحسن قيادة حياتها الزوجية نحو برِّ الأمان، وحاولي أن تغييِّري من طباع زوجِك، مهما كانت عواطفه جافة أو قاسية، وامْتلكي مفاتيح شخصيته، وتأكَّدي بأنَّك بقدر ما تمنحيه من مشاعر المحبة، والرحمة، وبقدر ما تبْذُلي له من تضحيات، سيمنحك كذلك بالمثل، وسيلبِّي رغباتِك، وبالتالي سيتقبَّل بوجود ابنك معكما، لأن لدى كلٍّ منَّا عواطف خامِلَة تحتاج لمن يحرِّكُها، ويوجِِّّهُها نحو الخير، وزوجك كذلك شأنه..
رابعا: ركِّزي جهدك في خدمة زوجك ورعاية شؤون بيتك وعدم التقصير في حق من حقوقه، وتربية ابنك تربية صالحة حتى ولو كان بعيدا عنك، وأهِّلي نفسك لأداء رسالة الزوجة الصالحة الوفية والمطيعة لزوجها في غير معصية، والأم المُضَحِّية التي تبذل بعطاء دون انتظار لمقابل، واحْرصي على تواجُدِك بقرب ابنك قدر استطاعتك، ولا تفرِّطي فيه إذا لم تجدي مُعينًا، ولا ملاذًا، ولا ملجأً، ولا كفيلاً يكفله سواك، ومهما كانت تضحياتك لأجله فهو يستحق ذلك، لأنه أكثر احْتياجًا لوجودِك بحياته، وأكثر احتياجًا لمشاعرِ الأمومة التي لا يمكن لأحد أن يمنحِه إياها إلا قلبا كقلبك، أو عاطفة تعوِّضه عن عاطفتك، كوالده مثلا، أو من يحبه كحبِِّّك إياه، وهو ما زال طفلا في مرحلة خطيرة، يحتاج فيها لتوجيهاتِك وإرشاداتك، لحمايته مما قد يتعرَّض له من تياَّرات وُمَؤثِّرات سلبية على مستقبله، وحتى لا يقع فريسة سهلة للتشبُّع بالأخلاق والأفكار المنحرفة، ولا يتعرض لمشاكل نفسية ولا عاطفية تحطم حياته بالكامل..
وختاما أنصحُكِ أختي الكريمة:
أن تتوكلي على الله في كل أمورك، وفي أي اختيار تختارينه، فهو حَسْبُك، وهو وحده القادر على هدايتك وتوجيهك التوجيه الصحيح، وواظبي على أداء فرائضك وعباداتك وسائر الطاعات التي تقربك من الله ومرضاته، واستخيري الله في أمرك، وقبل اتخاذ أي قرار، وتأكدي بأنه سيختار لك ما فيه الخير، والأفضل لك في دينك، ومعاشِك، وعاقبة أمرِك آجِلِه وعاجِلِه، وما دمت تخشين الله فلن يخذلك ولن يضيع حقا من حقوقك بإذنه، وسيعوِّضك خيرا ويُرضيك..
أسأل الله العلي القدير أن يختار لك ما فيه الخير والصلاح، وأن يهدي زوجك ويسرَّ عينك وقلبك بقرب ابنك، وأن يوفقك لتجاوز هذه المحنة وكل ما يقابلك من مشكلات، ويسَّر الله جميع أمورك، واقرَّ الله عينك بابنك وجعله مهديًّا مَرْضِيًّا، ومن أهل الخير والبر والصلاح..