أوكرانيا.. حديث التغيير والصراعات والمستقبل
26 ربيع الثاني 1435
أمير سعيد

 صار حديثاً رتيباً القول بأن الغرب يتعامل بازدواجية مع القضايا المتماثلة في العالم، وحديث الكثيرين عن هبة الغرب تجاه ما حصل من فض لاعتصام ميدان الاستقلال بالعاصمة الأوكرانية كييف وتباطؤه حيال غيرها ليس مهماً بالقدر الذي يفيد سياسياً، إلا في سياق توضيح الواضحات وشرح المسلّمات التي ربما تغيب عن بعض البسطاء أو مدعيي السذاجة!

 

لذا؛ فإن كان ثمة ما يعنينا في النظر إلى القضية الأوكرانية فهو تأثيرها على رسم حدود التفاهم أو الصراع بين القوى العظمى، ومستقبل الديمقراطية، والأثر المتوقع على منطقتنا، وأوضاع المسلمين في أوكرانيا ومدى تأثرها بما يحصل..

 


رسم حدود العلاقة ما بين الغرب والشرق:

" أنا ذاهب لتأليف فيلم سينمائي حول ما رأيت "، هكذا بادر مبعوث الرئيس الروسي لمباحثات حل الأزمة في العاصمة الأوكرانية فلاديمير بوكين الصحفيين عند مغادرته لمقر الاجتماع مع المبعوثين الغربيين والرئيس الأوكراني والمعارضة! فقد خرج مغضباً رافضاً التوقيع على الاتفاق بين الرئيس والمعارضة، وعلى الفور كانت سلطات الجمارك الروسية تمنع الشاحنات الأوكرانية من نقل البضائع إلى روسيا؛ فقد أخذت روسيا على حين غرة في الاتفاق المتسرع، والأحداث المتلاحقة..

 

حتى كتابة هذه السطور تبدو الأمور تسير لصالح الغرب في أوكرانيا، فالبرلمان قد أقال رئيس الجمهورية، ووزيري الدفاع والداخلية، وعين اثنين بدلاً منهما، وأفرج عن زعيمة المعارضة السجينة بتهمة استغلال السلطة لمدة 7 سنوات قضت منهما اثنتين، وأعاد العمل بدستور 2004، وانتخب رئيساً للحكومة، وأقال النائب العام وعين بديلاً له، واستقال رئيس البرلمان ونائبه، وفر الرئيس لجهة غير معلومة قد تكون داخل البلاد أو خارجها، ودخل المواطنون والصحفيون إلى مقر إقامة الرئيس دون مقاومة، وانحازت القوات المسلحة والداخلية إلى "المعارضة" عملياً ورفضتا التدخل لصالح الرئيس، وفر كثيرون من قادة وأعضاء حزب الأقاليم الذي كان حاكماً إما لمعقل الروس في شرق البلاد وشمالها أو إلى خارج البلاد.. إنه "الفيلم" الذي تحدث عنه المبعوث الروسي تماماً؛ فما قد جرى تم بصورة سوريالية لا منطقية بالمرة؛ فالقرارات المتخذة في البرلمان تشعر المراقبين أنه لم يكن هناك حزب أغلبية يُسمى بحزب الأقاليم، كان يفترض أن يعرقل كل هذه القرارات، وما حصل من تداعيات لا يشعر الرائي أننا إزاء ثورة وإنما تغيير معد سلفاً وبطريقة لا تبدو عفوية أبداً؛ إذ إنه بمجرد صدور "أوامر" حقيقية من حلف الناتو للجيش الأوكراني بعدم التدخل استجاب على الفور، وبمجرد صدور "أوامر" أيضاً من جهة ما للحرس الجمهوري فإنه ترك الرئيس بلا حماية تذكر، وبمجرد أن أقيل وزير الداخلية أدرك على الفور أنه سيلاحق قضائياً رغم حفاظه على "الشرعية" من الناحية القانونية، وتصديه لـ"أعمال عنف" حقيقية من جانب المعارضة غير السلمية في ميدان الاستقلال!

 

التفسير الظاهر هو أن الشعب الأوكراني قد ثار على نظام أراد به العودة إلى ما قبل "الاستقلال" عن الاتحاد السوفييتي السابق، وأن قطاعات كبيرة من الشعب لم تكن راضية عن التحول التدريجي لبلادهم من دولة حكومية إلى رئاسية تخضع تلقائياً لإملاءات الجارة الكبرى، روسيا، وأن الأوكرانيين قد قاموا بثورتهم بغية الانضمام تدريجياً إلى الاتحاد الأوروبي، ولدى الغالبية توق إلى انتهاج النمط الغربي في الحكم والحياة أيضاً، وأن تلك الغالبية قد سئمت من جر الأقلية البلاد باتجاه الروس، وأنها لهذا قد ثارت واعتصمت وصمدت وغيرت..

 

غير أن جوهر ما نشاهده هو أن الروس قد تلقوا هزيمة استراتيجية واضحة لم تمر عبر بوابة الصناديق الانتخابية وإنما أحدثها "الاختراق الأوروبي" الواضح لدواليب الحكم في البلاد، وأن الهزيمة التي ألمت بالجانب الروسي كانت بالأساس في عدم قدرته على تحريك الأوضاع داخل الجيش والشرطة لصالح النظام الرئاسي، ويترتب على ذلك إعادة رسم حدود العلاقة بين الروس والغرب على أسس جديدة، تبدو في هذه المرحلة مؤسسة على رغبة الروس في تحقيق اختراق تكتيكي واستراتيجي لنفوذ الغرب في منطقة شرق أوروبا، أو ربما في أماكن أخرى. لكن بالأساس نحن إزاء معضلة حقيقية وقعت فيها موسكو قد تجرها إلى رد فعل على اقتراب جارتها المهمة، أوكرانيا، من أن تنضم إلى حلف الناتو لتصبح حدودها متماسة في معظمها مع دول حلف الناتو، وهو ما قد يترجم إلى رغبة روسية في تطوير برامجها التسليحية لاسيما بعد مضي الناتو قدماً في مشروعه الأمريكي بالأساس لنشر الدرع الصاروخية، أو رغبة في مد نفوذها العسكري في مناطق أخرى من العالم قد تكون "الشرق الأوسط" أو إفريقيا.

 

روسيا أظهرت غضبها على ما حصل في أوكرانيا، وقد يتحول هذا الغضب لاضطراب في مناطق شرق أوكرانيا، برغم كل التحذيرات الغربية من مغبة انقسام أوكرانيا، وقد تدخر هذا الغضب لمنطقة أخرى، لكنها من دون شك تلقت صفعة قوية يمكن اعتبارها إحدى الهزائم التي مني بها المشروع التوسعي الروسي منذ وصول الزعيم السوفييتي جورباتشوف للسلطة، وعسكرياً يمكن تأريخ مرحلة ـ إن تمت ـ للناتو يتوسع فيها مثلما حصل في الأعوام 1999 و2004 و2009 حيث وصلت حدود الحلف إلى تخوم روسيا..

 


اختبار الديمقراطية في أوكرانيا:

الواقع أنها ليست أوكرانيا فقط، وإنما العالم كله؛ فما يحصل في أكثر من بلد هو تكريس لفكرة تغيير النظم الديمقراطية بطريقة فوضوية لا تتحاكم في آليات التغيير إلى الصناديق وإنما إلى التثوير.. ودعونا نجرد المشهد رغم كل يقال عن الرئيس الأوكراني ونظامه وخضوعه للروس؛ فالنظام أتى بطريقة ديمقراطية سواء في البرلمان أو الرئاسة، والرئيس المعزول فيكتور يانوكوفتش جاء إلى الحكم بطريقة ديمقراطية وكان يفترض أن تنتهي مدة رئاسته بعد عام تقريباً، وقد وافق على الرغم من ذلك على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وصحيح أن طريقة عزله الغامضة عن طريق البرلمان تبدو دستورية حيث ينص دستور البلاد على أن ثلثي أعضاء البرلمان قادرين على عزل الرئيس، لكن جوهر العزل لم يكن في حقيقته ديمقراطياً، ولم يكن مبرراً قبل إجراء تحقيق شفاف حول ما جرى في ميدان الاستقلال ومدى مسؤولية الرئيس عن إزهاق أرواح دون مبرر أم لا..

 

عرضت الميديا صور قصر أو مقر إقامة يانوكوفتش والرفاهية الواضحة فيه، وفي خضم تخوين الرئيس غض الجميع الطرف عن السؤال المنطقي: وهل هذه الرفاه أحدثها الرجل في القصر أو كانت موجودة من قبل؟! وفور عزل الرئيس اكتسب صفة "الديكتاتورية" في كثير من وسائل الإعلام الأوروبية وغيرها بالتبعية، لكن أكان الرجل مجرماً حين نجح في انتخابات شفافة قبل ثلاثة أعوام برغم كون الانتخابات السابقة قد زورت في العام 2004 بالفعل لصالحه.

 

ليس هذا دفاعاً عن رجل تاريخه بالنسبة للأوكرانيين ليس جيداً، ولاشك أنه شخص فاسد، وقد تورط بشكل أو بآخر بتزوير انتخابات 2004 لصالحه، ولا أجد ثمة حاجة من الدفاع عن نظامه، وإنما لإثارة قضية بالغة الأهمية الآن عن جدوى صناديق الانتخابات، وعما إذا كان الغرب قد بدأ بالفعل يكفر بالديمقراطية إذا ما جاءت بمن لا يرتاح لهم، وتذرعه لإطاحة قادة منتخبين بدعوى أن آلافاً من "الثوار" يرفضونهم.

 

للتوضيح أكثر؛ فإن ميدان الاستقلال في العاصمة الأوكرانية تبلغ مساحته في أكبر حساباتها بامتدادها الطولي نحو 40 ألف متر مربع (425 * 92 متراً تقريباً بحسب ما قمت بحسابه في خدمة جوجل إيرث)، وهي مساحة لا يمكن أن تضم أكثر من مائة ألف في أقصى تقدير ممكن، وغالباً؛ فإنها لا تتسع في الأوضاع العادية إلا لنصف هذا الرقم؛ فهل تعدو مثل هذه الأعداد كافية مهما قامت من اعتصامات واحتجاجات لإلغاء أصوات ملايين قد صوتوا في انتخابات قيل إنها نزيهة؟! وهل احتلال الوزارات والمقرات الحكومية التي جاءت في مجملها بطرق ديمقراطية "شرعية" أمر يدعو إلى الترحاب من "أقانيم" الديمقراطية الغربية؟!

 

إن كثيراً منا يتفهم فكرة إطاحة ديكتاتوريات غير منتخبة أو قائمة على نظم حكم ليست شريفة وجاءت بانتخابات مزورة لاعتبار أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تركها الطغاة للتغيير أمام الشعوب فلجأت إليها مرغمة برغم ما يلتبس بها من فوضى و(ديماجوجية)، لكن أيمكن غض الطرف عن إطاحة رؤساء وحكومات لمجرد أن المعارضة التي هي بالضرورة تحظى بدعم الملايين أيضاً قد أوعزت إلى أنصارها بالنزول إلى الشوارع واحتلال الميادين؟!  إن كثير من الأحزاب المعارضة في العالم يمكنها أن تحتل الميادين وأن تحشد أنصارها للاعتصام وإلى اقتحام الوزارات وما إلى ذلك، وعند منعها تحصل دماء ويفقد النظام تدريجياً "شرعيته" التي جاءت بصناديق! (هنا لا أتحدث عن ديكتاتوريات بل أنظمة ديمقراطية)

 

الغرب بهذا السلوك يحطم الديمقراطية من حيث يدري أو لا يدري، وهو يشرعن لانتقال العدوى حتى إلى عقر داره، وحتى في الدول العريقة في ديمقراطيتها، ولعله هنا يفتح الباب عبر مؤيديه في الدول التي تمر بهذه التجارب للاحتجاج على سياسات حكومية ثم ينطلق منها لاحقاً لنزع الشرعية عن الحكومات ذاتها؛ إذ المعلن من الحراك في أوكرانيا لم يكن عزل الرئيس وإنما القبول ببعض شروط الاتحاد الأوروبي من أجل الانضمام لاحقاً للاتحاد، وترجيح العرض الأوروبي على العرض الروسي لمساعدة أوكرانيا على تجاوز أزمتها الاقتصادية، لكن الأمر انتهى إلى المطالبة بحظر حزب الأقاليم الحاكم (بجانب الحزب الشيوعي) فأي ديكتاتورية تلك التي تحملها ثورة لعزل حزب ناجح بالأكثرية في الانتخابات لمجرد أنه لا يروق للاتحاد الأوروبي ومريديه؟!

 

حزب الأقاليم الذي ينتمي إليه الرئيس المعزول هو حزب ينشط في شرق أوكرانيا ذات الكثافة الروسية وتأثيره محدود في العاصمة، وبالتالي لم يكن قادراً على إحداث توازن "ثوري" في العاصمة الأوكرانية، فخرج مهزوماً من معركة "ثورية" برغم نجاحه الانتخابي فتم حظره (رغم كل ما يمكن أن يؤخذ على الحزب من نزوعه باتجاه الديكتاتورية الروسية وخطورته على بقاء الديمقراطية في أوكرانيا). هذا المنحى يقود في النهاية إلى اقتصار الديمقراطية في العالم على ما يرضي الغرب، لاسيما واشنطن وبروكسل، ودونها فإن أي منتوج انتخابي هو قيد البحث في مدى تساوقه مع مصالح الغرب أو لقاء مصير حزب الأقاليم وغيره، ونظام يانوكوفتش..

 

هذا إذن الغرب يغادر تدريجياً منطقة القبول الديمقراطية المنظم إلى ديمقراطية الرؤوس غير المنضبطة المفضية إلى تغليب القوة على الصناديق، وبالتالي انهيار المنظومة الديمقراطية كلية، والعودة إلى نظم الاستبداد باسم الحرية والثورة! ولربما الغرب قد حقق الآن نصراً نوعياً على روسيا، لكن هل كسب قيمه؟! وهل يمكن أن تدور الدائرة عليه من حيث يخطط للآخرين؟!

 

الأثر المتوقع في منطقتنا العربية:

يرى بعض المحللين العرب أن ما حصل في أوكرانيا سيجعل روسيا أكثر شراسة حيال الملف السوري، وسيدفعها إلى انتهاج خط الحرب الوجودية في سوريا، ولهذا الرأي ما يعززه من رغبة الروس في كسب معركتهم تحديداً في سوريا وإيران، لاسيما بعد فقدانها لليبيا في أعقاب الضربات الجوية التي شنها طيران حلف الناتو على مواقع ميليشيات القذافي إبان الثورة الليبية، لكن ثمة ما قد يدحض هذا الافتراض من جانبين:

 

الأول: أن ما يعني الغرب أكثر في سوريا هو تحديداً تأمين "إسرائيل" إذ لا مطامع استراتيجية أو اقتصادية أخرى كبيرة في سوريا، وأن بقاء نظام بشار الأسد بات أكثر أمناً للكيان الصهيوني مما قد يخلفه لاسيما من الكتائب الإسلامية الناشطة في معظم أرجاء سوريا، وهذا ما يحققه بقاء النفوذ الروسي في سوريا وتحملها عبء تأييد الممارسات الوحشية التي يقوم بها نظام بشار نيابة عن الغرب، الذي ينظر من طرف عينيه لاستمرار الدعم الروسي لميليشيات بشار بإعجاب أو على الأقل لا يرى فيها ما يزعجه، خصوصاً أن أمن "إسرائيل" يمكن أن يحققه أكثر من طرف، لا يتجاوز أول دولة اعترفت بالكيان الصهيوني في العالم، وهي الاتحاد السوفييتي ووريثتها الآن، روسيا.

 

الثاني: أن ما يحرك روسيا في السياسة الدولية في أعقاب الهزيمة التي منيت بها مؤقتاً في أوكرانيا ليس دافع الانتقام، وإنما ما يعزز من نفوذها في أوروبا ذاتها، وعن ذلك يقول مانليو دينوتشي: "يتصور معظم الناس أن الحرب لا تهدد سوى المناطق "المضطربة" مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، دون أن يدركوا أن أوروبا "الآمنة" هي مرة أخرى، مع تحرك الاستراتيجية الأمريكية، الخط الأول للمواجهة العسكرية التي لا تقل خطورة عن المواجهة التي حصلت أثناء الحرب الباردة" [المواجهة العسكرية الجديدة بين الشرق والغرب ـ مركز جلوبل ريسيرش الكندي ـ ترجمة د.مالك سليمان ـ 29 أغسطس 2013].

 

إن الوخزة العنيفة التي تلقتها السياسة الجديدة لبوتين يمكن ردها في أكثر من مكان، لكن الأكثر فعالية هو بالتأكيد في شرق أوروبا، لاسيما أن الروس يعانون تراجعاً هناك، وليس من الواجب العمل على تحقيق مكاسب وراء البحار فيما تخوم روسيا تواجه تهديدات استراتيجية مستقبلية.

 

من جانب آخر، فإن حاجة أوكرانيا الماسة إلى نحو 35 مليار دولار خلال العامين المقبلين لإنقاذ اقتصادها المتهاوي بحسب ما أفاد وزير المالية في السلطة الانتقالية الأوكرانية يوري كولوبوف في أعقاب تعيينه، ومطالبته بتنظيم مؤتمر دولي للجهات المانحة، سيفضي إلى فتح ثغرة اقتصادية جديدة لدى الاتحاد الأوروبي بجانب مشكلات الدول الأوروبية المتعثرة بما يعني أن ثمة ما سيحد كثيراً من فرص إفادة نظم عربية ناشئة من "الإفادة" من تسهيلات أو قروض أوروبية ودولية.

 

المسلمون في أوكرانيا بعد التغيير:

برغم حماسة كثير من مسلمي أوكرانيا للتغيير الحاصل في بلادهم، إلا أن المخاوف قد بدأت تساور بعض قادة العمل الإسلامي حيال المستقبل المنظور، إلى الحد الذي جعل د.باسل مرعي رئيس اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" في أوكرانيا وهو اتحاد له حضور قوي بين مسلمي البلاد، يطالب منتسبي الاتحاد بألا يدلوا بأي تصريحات لوكالات الأنباء وأن يساهموا " بالعمل على تعزيز السلم المجتمعي ومتابعة برامجهم التي تعزز الوفاق و السلام ولغة الحوار بين أطياف المجتمع المختفلة، ومراعاة حساسية الوضع الراهن في وطننا أوكرانيا" مثلما قال في حواره مع موقع أوكرانيا برس، والذي حذر مما قد يكتنف وضع الأقلية المسلمة التترية في شبه جزيرة القرم الذين يشكل "المسلمون ما نسبته 20% من السكان يعيشون ظروفاً اجتماعية صعبة بعد عودتهم من المهجر دون الحصول على حقوقهم، وفي ظل الشعور لدى المسلمين بالظلم والقهر وتوجس الروس من المستقبل فإن الأمور مرشحة للتوتر في أي لحظة نظراً للظروف الاستثنائية التي تعصف بالبلاد"، بحسب ما قال.

 

نحو 600 ألف على الأقل يعيشون أوضاعاً قلقة الآن في شبه جزيرة القرم دعتهم إلى التدفق فوراً إلى اجتماع حاشد وسط مدينة سيمفروبل ضم نحو 15 ألفاً من مسلمي القرم للتأكيد من خلال قياداتهم الدينية والسياسية على أنهم جزء لا يتجزأ من الدولة الأوكرانية متصدين لمحاولات روسية للدعوة إلى انفصال الإقليم، وفي الذاكرة التاريخية لمسلمي القرم تزدحم مآسي تهجير قسري قبل سبعين عاماً أودى بحياة نحو 300 ألفاً منهم وشرد آخرين، وعدوان سافر أفضى إليه تدخل روسيا القيصرية لانفصال الإقليم عن الدولة العثمانية قبل أكثر من قرن ونصف القرن، ومن ثم ضم الإقليم الاستراتيجي إلى ممالكها التي اتخذت منه فيما بعد مقراً رئيساً لأسطولها البحري الكبير.

 

المسلمون في أوكرانيا سعداء لحد الآن بالتغيير الحاصل، ولقد أخبرني د.وائل العلامي مدير مركز "الرائد" الإعلامي في أوكرانيا أن المسلمين قد شاركوا بجدية في اعتصام ميدان الاستقلال بالعاصمة الأوكرانية، وأن مجمل المسلمين في أوكرانيا، بالقرم وسائر الأراضي الأوكرانية والذين يقدرهم مركزه بنحو مليوني مسلم يمثلون نحو 4.5% من إجمالي سكان أوكرانيا، وأن مصلحة المسلمين في أوكرانيا أوروبية تقيم نظاماً ديمقراطياً حقيقياً.

 

لكن مع هذا؛ فإن القلق يبدو آخذاً في الازدياد لاسيما مع تأكيد ارسين أفاكوف القائم بأعمال وزير الداخلية الأوكراني أن الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش فر إلى إقليم القرم الذي يشكل الأوكران ذوو الجذور الروسية نحو 40% من سكانه، وبالنظر إلى تنامي الدعوات الروسية بداخله إلى الانفصال.

 

        []                []                []

 

أوكرانيا إذن على مفترق طرق، وحدود روسيا لم تعد كما كانت دون النظر إلى التغيرات الجيوسياسية الجديدة التي لا يتم التقدير من خلالها على النحو الذي كان قبل قرون، وأحوال المسلمين هناك إما إلى ازدهار وتمثيل أكبر في ظل نظام ديمقراطي جديد، أو إلى مزيد من التراجع باتجاه الروس خصوصاً أن عاصمة القرم هي واحدة من مدن قليلة لم تكسر "صنم بوتين" بعد مثلما فعلت كبريات المدن الأوكرانية.. وبلادنا العربية ترقب التغيير في عالم لم يعد قادراً على تجاهل نسمات الحرية أو زفرات الاستبداد إن حملها الريح من هنا أو هناك.