
قد يفقد بعض البشر بعض مبادئ الأخلاق فيقع في الموبقات والفواحش دون أن يصده عن ذلك وازع أو رادع أخلاقي , وقد يغري حب المال والسلطة بعض البشر فيرتكب من أجلها وفي سبيلها الجرائم والفظائع , وقد تُغسل أدمغة بعض الناس باسم الدين أو الوطن فيقتل ويبطش ويظلم وهو يعتقد أن يحسن عملا ....
أما أن يقدم إنسان على قتل طفل بريء بأي وسيلة أو طريقة كانت , فلا أجد لهذه الجريمة في قاموس الإنسانية مبررا أو سببا أو تأويلا , اللهم إلا أن الذي فعل ذلك قد خرج من إنسانيته وطبيعته البشرية إلى جنس ونوع آخر , ويبدو أن هذا الجنس يتزايد يوما بعد يوم في القرن الواحد والعشرين .
لقد كشف تقرير للأمم المتحدة حول الوضع المأساوي الذي يعيشه الأطفال في سوريا ، بسبب الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد على شعبه منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ، عما أسماها "معاناة تعجز الكلمات عن وصفها" , كما أكدت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المكلفة بهذا الملف "ليلى زروقي" أمام المجلس أن "الأطفال لا يزالون يقتلون في سوريا بشكل واسع" .
وقد شملت معاناة أطفال سورية جميع ألوان الألم المادي والنفسي والمعنوي :
1- أما عن الألم المادي الجسدي فحدث ولا حرج , فقد ذكر التقرير أن القوات الحكومية الموالية لنظام بشار الأسد ، والمليشيات الشيعية المتحالفة معها ، قامت خلال تلك السنوات الثلاث بـ"عمليات قتل لا تُعد ولا تحصى، وتشويه، وتعذيب" , بدءا بفضيحة تعذيب وقتل حمزة الخطيب منذ عامين , وليس انتهاء بمجزرة الكيماوي في الغوطة بريف دمشق في أغسطس من العام الماضي , والتي راح ضحيتها أكثر من 1600 معظمهم من الأطفال .
كما تضمن التقرير، "مجموعة من الأوضاع المرعبة"، التي يعاني منها الأطفال في سورية , ومنها "سوء المعاملة ، بما في ذلك العنف الجنسي ، إلى انتهاك حقوقهم العامة"، مثل إغلاق المدارس، والحرمان من الحصول على المساعدات الإنسانية , ليموت الأطفال جوعا أمام أعين العالم في كل من مخيم اليرموك وغيرها .
وقد سرد التقرير تفاصيل اعتقال القوات الحكومية أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة، لارتباطهم المزعوم بالجماعات المسلحة، خلال حملات اعتقال واسعة النطاق، مشيراً إلى أن "الأطفال تعرضوا لسوء المعاملة والتعذيب، لانتزاع الاعترافات منهم، أو إذلالهم، أو من أجل الضغط على أحد الأقارب للاستسلام أو الاعتراف."
وشمل التعذيب "الضرب بالأسلاك المعدنية، والسياط والعصي الخشبية والمعدنية، والصدمات الكهربائية، بما في ذلك على الأعضاء التناسلية، وسحب أظافر اليدين والقدمين، والعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب، وعمليات إعدام وهمية، وحروق بالسجائر، والحرمان من النوم، والحبس الانفرادي، ومشاهدة تعذيب الأقارب"، وفقاً لما جاء في التقرير.
وأورد التقرير شهادة صبي يبلغ من العمر 16 عاماً، قال إنه شهد صديقه البالغ من العمر 14 عاماً، يتعرض لاعتداءات جنسية ومن ثم قتل، وأضاف الصبى أن الأطفال والبالغين تعرضوا للضرب بالقضبان المعدنية، ونزع أظافرهم، وقطع أصابعهم، أو للضرب بمطرقة على الظهر، وأحياناً حتى الموت.
كما أشار التقرير إلى إفادات أوردتها تقارير أخرى، تشير إلى أنه تم تعليق الأطفال من الجدران أو الأسقف من معاصمهم أو أطرافهم الأخرى، وأجبروا على وضع رؤوسهم وأعناقهم وسيقانهم خلال الإطارات حين تعرضهم للضرب، كما تم تقييدهم بلوحة خشبية وضربهم" .
فهل بقي هناك لون آخر من ألوان التعذيب العالمية لم ينفذها طاغية الشام ومليشياته بأطفال سورية؟!
2- وإذا تحدثنا عن الألم النفسي فهو تحصيل حاصل جراء توالي أصوات الانفجارات الرهيبة التي يسمعها الأطفال يوميا , و مشاهد الدمار الهائلة التي تثير الفزع والخوف المزمن في نفوسهم , ناهيك عن مشاهدتهم مقتل وإصابة أفراد أسرهم وأقرانهم , الأمر الذي يزيد من مخاوف تعرضهم لمستوى مرتفع من الشعور بالبؤس - كما أورد التقرير- أو تعرضهم للانفصال عن أسرهم أو تشردهم , وهو ما يعاني منه كثير من الأطفال اللاجئين في لبنان والأردن وتركيا .
3- الحرمان من التعليم : حيث أكد الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" خلال نقاش في مجلس الأمن أن هناك أكثر من مليونين ومائتي ألف طفل سوري لا يتلقون التعليم، وأن هناك مدرسة من أصل خمس مدارس أصيبت بأضرار بسبب المعارك , أو يقيم فيها أشخاص أجبروا على ترك منازلهم
وبعيدا عن نفاق الأمم المتحدة من خلال عبارات التنديد والاستهجان والقلق الذي يبديه الأمين العام كل فترة , ونداءاته - التي تذهب أدراج الرياح – بوجوب وضع حد للانتهاكات المستمرة بحق الطفولة هناك ، وحثه جميع أطراف النزاع على أن تتخذ - دون تأخير - جميع التدابير اللازمة لحماية واحترام حقوق جميع الأطفال في سورية .
وبعيدا عن إصدار مجلس الأمن - أمس الجمعة - بالإجماع قرارا يذكِّر بأهمية حماية الأطفال بشكل أفضل خلال النزاعات, وملاحقة المسؤولين عن ارتكاب تجاوزات بحق الأطفال أمام محاكم دولية , حيث لا تساوي تلك القرارات الحبر الذي كتبت به , نظرا لكونها تتعلق بحقوق مسلمي أهل السنة , ممن لا تملك دوله أي قوة تنفيذية لتلك القرارات .
فإن السؤال الذي يبقى يتردد على ألسنة هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يسامون يوميا سوء العذاب في سورية وغيرها من بلاد المسلمين : ماذا قدم آباؤنا وأجدادنا خلال السنوات السابقة لهذه الأيام الكالحة ؟؟ وأين هي استعداداتهم العسكرية والاقتصادية والوحدوية لهذه الأزمة الراهنة العصيبة التي تحيط بالمسلمين من كل جانب ؟؟ أم أنهم كانوا عن كل هذا غافلون ؟؟