5 شعبان 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة عمري ٢٢ عاماً، أدرس بكلية الطب، والحمد لله فقد رزقني الله بطاعته وشخصية منضبطة وهيئة حسنة وأسرة متوسطة الدخل، والدي مغترب وصار له عشر سنوات في الغربة دون أي زيارة لبلدنا ولكن هو المتكفل بنا ودائم الاتصال فهو يتصل تقريباً بشكل يومي.. مشكلتي هي أنني منذ أن كنت بعمر الثانية عشرة يتقدم لي العديد من الشباب بنية الزواج منهم من اختارني بنفسه وأصر على الموضوع ومنهم عن طريق الأهل.. المهم أنه لم يحصل نصيب وكنت في البداية أرفض بسبب صغر سني ولأنني كنت أحب الدراسة جداً، مرت الأيام وكل عام كنت أرفض حوالي ثلاثة أو أربعة وطبعاً لم أقتنع بأحد خاصة وأن أبي في الغربة وهو أيضاً رافض فكرة ارتباطي بأي شخص دون أن يتعرف به. دخلت كلية الطب التي طالما حلمت بها وهنا شعرت بأن فكرة الارتباط أصبحت متاحة بالنسبة لي. وأنا في العام الثالث تقدم أحد طلاب دفعتي لطلب الزواج مني عن طريق صديقتي وكان شهر رمضان.. طبعا تفاجأت بالموضوع فأنا لا أتحدث أبداً مع الطلاب، حدثتني صديقتي وطلبت أن أفكر تماما بالموضوع وأن أصلي استخاره، فصليت استخارة أكثر من مرة ولكن كنت أشعر بضيق في صدري فرفضت الموضوع، حينها ظننت أن القصة انتهت، واصلنا دراستنا وبدأت أسمع قصصاً عن هذا الشاب بأنه كان يضايق زميلتي بالدفعة بالرسائل ولكن هذا الشاب أنكر تماما بأن له صلة بالموضوع ولكن الفتاة مصرة على أنه هو صاحب الرسائل النصية، ولم تنقض فترة طويلة على إخماد هذه القصة إلا وقصة جديدة تظهر بأن زميلة أخرى لي تحب هذا الشاب وطبعاً كنت ألاحظ بعض التصرفات التي تؤكد هذه الإشاعة وكنت أقول في نفسي الحمد لله أنه لم يحدث بيننا نصيب. وبعد مرور عام على تقدمه لخطبتي، وإذا بالمعيدة تناديني وتقول لي أنتِ فلانة قلت لها نعم؛ فأخذتني على جنب وقالت لي في زميل لك يريد خطبتك ورجاني أن أتوسط له وقال إنه يحبك ويريد الزواج بك على سنة الله ورسوله، وعندما عرفت أنه هو نفس الشاب غضبت بشدة وحدثتها عن كل القصص التي سمعتها عنه وقلت لها بأن تخبره أنني أريد الزواج بشخص مستقيم الدين والخلق.. طبعا أخبرته المعيدة بكل شيء فإذا برسالة نصية تصلني على حسابي بالفيس بوك منه يقول فيها: أنا ابن ناس ومتربي وأتيت من الباب ويا ليت ما تحكمي على الناس من الظاهر ومن الإشاعات ومع ذلك الله يوفقك ويبعد عنك الشر وحامليه. حينها شعرت بالذنب كوني تلفظت عليه بأشياء جارحة عند معيدتنا وفكرت بأن أعتذر عن الكلام وأقول له إنه ما في نصيب، طبعا ترددت فصليت استخاره وأرسلت له بأنني أعتذر عن تطاولي بالكلام وأن المؤمن ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء وأن يرزقه الله بالزوجة الصالحة فأنا قد صليت استخاره بموضوعه وما في نصيب. أرسلت الرسالة وختمتها بطلب أن لا يرسل لي مرة أخرى ولكن وصلت لي رسالة طويلة جداً منه شرح لي فيها كل القصص التي خرجت عليه وطبعا مصِرّ أنه ليس مخطئاً. مرت نصف سنة على هذه القصة والآن تقدم لي مرة ثالثة عن طريق صديقتي التي حدثها أول مرة وطلب أن يأتي هو وأهله ولكن يريد أن يعرف إنْ كنت مقتنعة فيه لأن أهله ليسوا مقيمين في نفس مدينتي وهم محتاجين يسافروا.. طبعا أنا الآن محتارة جداً فأنا لا أثق فيه وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أسمح له أن يجلب أهله لأن والدي رافض فكرة ارتباطي حالياً بأي شخص وأخي الكبير ليس بالشخص الذي أستطيع أن أحدثه بهذا الموضوع خاصة وأن الشاب يدرس معي بنفس الدفعة ناهيك عن كون أخي شخص لا أثق بقراراته.. الآن ما الحل؟ كيف أتصرف، مع العلم أنه أخبر صديقتي أنه يدعو الله بعد كل صلاة أن يجعل بيننا نصيباً وإن لم يكتب لنا نصيب في الدنيا سيدعو أن أكون من نصيبه في الجنة!! ومن ناحية أمي هي رافضة الموضوع مبدئياً نظراً لمدينته التي ينتمي لها وطباعهم.. أرجو أن تساعدوني.

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومرحبا بك في موقع المسلم.
ملخص سؤالك وفقك الله:
- تقدم لك كثير من الخطاب ورفضتهم لصغر سنك ولاغتراب والدك ورفضه تزويجك من لم يتحر عنه بنفسه.
- تدرسين الطب في كلية مختلطة.
- أحد زملائك تقدم لخطبتك ورفضته بعد الاستخارة ثم شاع أنه يعاكس إحدى الزميلات لكنه أنكر ثم صدرت تصرفات من زميلة أخرى تبين أنها تحبه ثم تقدم لك ثانية عن طريق معيدة فرفضته لسوء سلوكه فتواصل معك ليبرئ نفسه ثم تقدم ثالثة ويريد أن يحضر أهله.
- أخبرت أنه يدعو الله أن تكونين من نصيبه في الدنيا وإن لم يكن ففي الآخرة.
- لا تثقين فيه، وأبوك يرفض ارتباطك حاليا بأي شخص، ولا تثقين في رأي أخيك.
- أمك رفضته لأسباب اجتماعية.
- ما العمل؟
أولاً: الخاطب مرفوض من قبل أمك، وداخل في الرفض العام لأبيك، وأنت لا تريدنه لأنك لا تثقين فيه لما دار حوله من أحاديث وما رأيته بنفسك. إذن عليك طي ملفه ولا تلتفتي لما ينقل إليك عنه من دعائه أو تأثره أو غير ذلك واقطعي كل سبيل للتواصل المباشر أو غير المباشر معه.
ثانياً: رفض تزويجك على مدى 10 سنوات لأن أبيك مسافر ويريد أن يتحر عن من يتقدم لخطبتك بنفسه أمر ينبغي أن يعاد النظر فيه. إلى متى سيستمر هذا الحال؟ لا تتوقعي أن يستمر تردد الخطاب على داركم بذات الوتيرة لاسيما أن مجتمعكم لا يزال على الفطرة، وتزوج فيه البنات قبل بلوغ العشرين. وفرص الفتاة في الحصول على شخص مناسب تقطع معه بقية مشوار الحياة يزداد كلما كانت صغيرة لعدة أسباب منها:
- أن أعداد الخطاب تقل كلما تقدمت بالبنت السن.
- أن شروط من أكملت تعليمها تزداد. لا أعني الشروط المهمة التي ينبغي أن تحرص عليها كل عاقلة فهذه مطلوبة والتفريط فيها قد يجر الويلات. لكن أقصد الشروط التكميلية التي قد لا تتأثر بها الحياة. فالطبيبة مثلا قد تشترط أن يكون الخاطب طبيبا مثلها ليتفهم طبيعة عملها وتتعاون معه على الاستمرار في الدراسة فتستبعد بهذا الشرط عددا من الخطاب ربما كان فيهم من هو أفضل وأنسب لها من من قد يتقدم لها من الأطباء. وربما ترفض كل متقدم غير طبيب حتى تتقدم بها السن فتضطر لقبول من هو دون من ردتهم. هذا بخلاف الفتاة الصغيرة التي تتقيد في الغالب بالأمور الأساسية التي تؤثر على الحياة الزوجية. هذا لا يعني أنني أخطئ من ترجو أن تتزوج طبيبا لسبب معين لكني أتحدث عن تقليل الفرص.
- أن تغير العادات والطباع وسهولة الانسجام بين الطرفين يسهل كلما صغرت الأعمار.
وأهم من كل هذا أننا في زمان فتنة، وأهل الدين والخلق قلة، وتفويتهم لأن الوالد مسافر، أو لأنك تريدين إكمال تعليمك حسرة. فبادري بقبول الخاطب المناسب واحرصي على صاحب الدين والخلق الذي يتقي الله فيك، ويحسن صحبتك. ولا تستبعدي أخاك بل استفيدي منه في معرفة المعلومات التي تحتاجين معرفتها عمن يتقدم لك ثم استخيري واستشيريه واستشيري غيره وقرري.
ثالثاً: المشكلة الأصلية هي أنك تدرسين في كلية مختلطة ولا يخفى عليك أنها مخالفة شرعية لأنها من الاختلاط الدائم الذي تسقط بتكراره الحواجز ويألف الناس بعضهم بعضاً. فالاختلاط حفظك الله منه ما هو اضطراري عارض لحاجة معينة كالاختلاط في الحج والأسواق وغيرهما وهذا النوع مباح بضوابط معينة كالالتزام بالستر، وعدم التطيب، والخضوع بالقول وغير ذلك. أعرف أن بعض البلدان ليس فيها جامعات منفصلة واعتاد الناس فيها على الاختلاط في أماكن الدراسة والعمل حتى غدا الكلام عن عدم جواز الاختلاط فيها غريبا مستنكراً لكن المؤمن يرجع للحق إن تبين له أنه على خطأ.
أيتها الكريمة تأملي حالك وحال زميلاتك وزملائك في الشهر الأول من الدراسة وقارنيها بالحال بعد صحبة ثلاث سنوات. مهما كانت الفتاة محتشمة وحريصة على الابتعاد عن الزملاء ستلمس من نفسها تغيرا مع الأيام. في الأيام الأولى قد تصرف بصرها إن وقع خطأ على أي منهم لكنها بعد سنوات ستحدث زميلها عند الحاجة وعينها في عينه. في الأيام الأولى تخفض صوتها وتتنبه لكل صغيرة وكبيرة في تصرفاتها لكنها بعد سنوات قد تكون حريصة على عدم الحديث مع الزملاء والتعامل المباشر معهم لكنها ستتصرف مع زميلاتها بتلقائية فربما ضحكت بصوت عال، أو مازحت إحداهن في وجود الزملاء دون اعتبار لوجودهم أو بدر منها أي تصرف تتحفظ عليه أمام الرجال الأجانب لأنها ببساطة لا تشعر أنهم غرباء، ثم تجدينها تلقائيا تكف عن الضحك والممازحة بمجرد تجاوزها لباب الكلية لأنها تشعر أنها في الشارع! فالاختلاط الدائم يذهب الحياء والهيبة ويكسر الحاجز بين الجنسين مهما احتاطوا وتحفظوا، والناس في ذلك متفاوتين حسب تدينهم.
أسأل الله أن يرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك، وأن يوفقك للدراسة والعمل إن كتب لك ذلك في بيئة نظيفة ترضي ربك وتحفظ دينك وحيائك.