
الفتى التركي بركين ألوان الذي أصيب الصيف الماضي أثناء مظاهرات ميدان تقسيم باسطنبول، أعلن موته الثلاثاء الماضي بعد 269 يوما قضاها في غيبوبة بالمستشفى. وهناك علامات استفهام أثارها بعض المحللين حول الموت الذي جاء قبل 19 يوما من الانتخابات المحلية، وهل هو موت طبيعي أو هناك من قرر «سحب الفيش» من الفتى ليتم استغلال موته في تحريك الشوارع من جديد. ورافقت إعلان الموت حملة إعلامية كبيرة للحشد ضد الحكومة مع نشر صور الفتى القديمة، وكأن الذي مات طالب في الابتدائية.
وليبدو المشهد أكثر دراماتيكية، اختُلقت رواية تقول إن الفتى حين أصابت رأسه ْ قنبلة فارغة مسيلة للدموع كان في طريقه لشراء الخبز.
في الحقيقة، لم يخرج الفتى من بيته ذاك اليوم ليشتري الخبز من البقالة كما يزعمون، بل كان مشاركا في المظاهرات وأصيب بفارغة قنبلة مسيلة للدموع خلال محاولة الشرطة تفريق المتظاهرين. ويقول صاحبه إن القنبلة الفارغة جاءت مرتدة من الجدار الذي اصطدمت به، ما يعني أن الفتى لم يكن مستهدفا ولم تكن إصابته مقصودة.
مراسم التشييع الذي أقيم يوم الأربعاء الماضي تحولت إلى مظاهرة شارك فيها عشرات الآلاف وسط هتافات ضد الحكومة، ورفعت فيها رايات حمراء تدل على الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الفتى، وحُمِلَ جثمان الفتى إلى أحد «بيوت الجمع» التي يمارس فيها العلويون طقوسهم الدينية الخاصة بهم، ودُفِنَ في مقبرة فريكوي باسطنبول. وشهدت اسطنبول قبل مراسم التشييع وبعده أعمال شغب وتخريب وحرق مقرات حزب العدالة والتنمية الانتخابية وضرب بعض المواطنين العزل، لكن المجرمين لم يكتفوا بذلك بل قتلوا أيضا شابا بإطلاق النار عليه مباشرة لم يكن له ذنب سوى محاولة منع المجرمين من تخريب سيارات المواطنين. وأعلنت جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري في بيان تبنيها لهذه الجرائم، وهي منظمة إرهابية تنشط غالبا بين أبناء الطائفة العلوية ويدعمها النظام السوري بالمال والتدريب والسلاح.
جماعة كولن بدورها لم تفوِّت الفرصة للنيل من الحكومة، ونشر زعيمها فتح الله كولن بيانا يقدم فيه تعازيه لأسرة الفتى و «إخوانه العلويين» الذين وصفهم بأنهم «تعرضوا لكثير من الآلام، ولكنهم حافظوا دائما على هدوئهم»، ولمَّح إلى مسؤولية الحكومة في مقتل الفتى، كما اتهم الحكومة بأنها «غلب عليها الحقد والغضب». ومما لا شك فيه أن هذا استغلال رخيص لحدث أليم ومحاولة يائسة لتحريض العلويين ضد أردوغان وحكومته، لأن فتح الله كولن نفسه قد وصف العلويين في أحد دروسه بـ «اللا دينيين» وحذّر منهم ومن أطماعهم في تركيا، كما أن صحيفة «زمان» التابعة للجماعة صدرت يوم الأربعاء بعنوان عريض يقول: «بركين أبكى تركيا»، بالإضافة إلى نشر تقارير أخرى تؤيد المظاهرات الاحتجاجية التي خرجت بعد إعلان موت الفتى، مع أنها قد أنكرت في عددها الصادر في 16 نوفمبر 2013 أي قبل تفجر أزمة 17 ديسمبر، ما يقوم به المخربون من أعمال الشغب والتخريب بدعوى الاحتجاج على إصابة الفتى.
مهما كان الفتى بركين ألوان مشاركا في مظاهرات غير سلمية، ومهما كانت إصابته غير مقصودة، فإن موته حدث أليم لا يتمنى تكراره أي عاقل صاحب ضمير. ومن حق أسرته وطائفته وكل من يحبه أن يشيعوه كما يرغبون. أما استغلال موت الفتى لتحريك الشوارع وأعمال الشغب والتخريب والحرق وضرب المواطنين العزل وقتلهم، فهذا مرفوض ولا يمكن تبريره بالتعاطف مع المقتول.
الأحداث الأخيرة في تركيا تشير إلى أن التحالف الذي يسعى لإسقاط أردوغان بأي طريقة ومهما كان الثمن، لم يبق لديه أمل في إسقاطه في الانتخابات، رغم انضمام جماعة كولن إلى هذا التحالف وحملة التشويه الشرسة التي تقودها الجماعة ضد رئيس الوزراء التركي، وبالتالي قرر تحريك الشارع من جديد قبيل الانتخابات بهدف جر الأطراف المختلفة إلى المواجهة، ولكن الشعب التركي لديه الكثير من الوعي وتجارب الماضي المُرة.. كيف لا وهو الذي شهد في نهاية السبعينيات من القرن الماضي مقتل يميني ليتهم اليساريون، وآخر يساري للتحريض على اليمينيين، كلاهما في يوم واحد وبسلاح واحد يهدف إلى إثارة المواجهات الدموية بين اليمينيين واليساريين وتهيئة الأجواء لانقلاب عسكري.
هؤلاء الذين يتظاهرون بالتعاطف مع الفتى التركي معظمهم فرحون بمقتله، بل ويريدون أن يسقط غيره قتيلا ليصبوا الزيت على النار ويستغلوا موته في معركتهم القذرة. ولذلك، يجب على أنصار أردوغان تفويت الفرصة على المتربصين والتحلي بالصبر وعدم النزول إلى الشوارع للرد على المخربين. ولم يبق أمام تركيا إلا عدة أيام تفصلها عن صناديق الاقتراع، فهناك يمكن أن يوجه إليهم أفضل رد وأقوى صفعة.
المصدر/ العرب القطرية