الإعلام العربي.. وغسيل الأدمغة
19 جمادى الأول 1435
علا محمود سامي

لا أحد ينكر قدرة أجهزة ووسائل الإعلام على تعميق الانتماء وتعزيزه، باعتباره وسيلة للبناء والوحدة، لكنها بالمقابل قد تصبح وسيلة لتغييب الهوية وتذويبها في أطر تغريبية، فضلا عن أن تكون أداة للتفرقة والتشرذم.

 

وربما تكون الحالة الأخيرة هي الأكثر انطباقاً على كثير من أجهزة ووسائل الإعلام العربية المختلفة القائمة حاليا، عندما ذهبت مستخدمة في ذلك كافة ما تملكه من تقنيات حديثة، لتصب الزيت على النار، ولتسهم بوسيلة أو بأخرى في هدم المجتمعات، ولتكون معولا من معاول إسقاط الدول، وإراقة الدماء، وانتهاك الحرمات.

 

نعم هذا الدور القبيح يمارسه هذا الفضاء الإعلامي الواسع في عالمنا العربي بوسائطه المختلفة، سواء كان مرئيا أو مطبوعا أو الكترونيا، وإن كان المرئي منه هو الغالب، كونه الأكثر تأثيرا في عموم المتلقين، وهو ما يضفي أهمية كبرى على دور الإعلام بوسائله المختلفة، ويجعله من الوسائل الفاعلة – إيجاباً أو سلباً-في أي مجتمع، بل يمكن استخدامه في الاتجاهين، غير أن القاسم الذي لا يمكن أن يكون مشتركا هو الأمانة المهنية والأصول الواجب اتباعها في مناشط أجهزة ووسائل الإعلام.

 

لسنا هنا في حلقة تأصيل أكاديمي لأهمية الإعلام، لكن ما يجري في الواقع يدفعنا إلى ضرورة التوقف عند أهمية ضبط وسائل الإعلام المختلفة، وتحديدا الفضائية منها، وهو الضبط الذي قد يصفه البعض بأنه يفتح الباب للحديث عن الإشكالية بين الحرية والمسؤولية، وهو الخيط الرفيع الذي ينبغي لوسائل الإعلام مراعاته، فلا يمكن لوسيلة إعلامية أيا كان نوعها أن تطلق العنان لطواقمها، دون أن تكون هناك مسؤولية من جانبها في إعلاء ضمائرهم المهنية، وترسيخ قيم المجتمع الذي تتوجه منه وإليه، فالإعلام ينبغي أن تكون له أهداف مجتمعية..

 

علماً بأن كثيراً ممن يرغبون في تعزيز الالتباس بين الحرية والمسؤولية يتحدثون عن صعوبة فض هذا الإشكال، ويتنكرون لمسؤولية المجتمع وأحقيته في أن تكون له قيمه وعاداته، فيتم مراعاتها، في الوقت الذي يبحثون فيه عن حرياتهم، ويطالبون بإطلاق العنان لهم دون رقيب أو حسيب!! ليس بالضرورة هنا أن تكون الرقابة هى رقابة رسمية أو نابعة من الحكومات، ولكنها رقابة مجتمعية، ومع ذلك فإن الساعين الى تعزيز هذا الالتباس لا يبحثون عن واجبهم نحو المجتمعات حولهم، بما لها من قيم ومبادئ ينبغي مراعاتها، وعليه تنطلق معاول الهدم في داخل بنى المجتمعات وعقول شبابها، فتصير مثل هذه الوسائط تعمل على غسل الأدمغة في مجتمعاتنا العربية. وكأنها تنفذ قول النازي الألماني هتلر: "أعطني إعلاما بلا ضمير، أعطك شعبا بلا وعي".

 

وفي عالم اليوم تبدو هذه المقولة جلية للغاية، إذ تمكن الإعلام من غسل الأدمغة، فراح يثير الفتن بين الشعوب، ويعمل على إثارة القلاقل فيما بينها، متجردا في كل ذلك من أي وازع للضمير، أو أداء للمهنة، مستغلا في ذلك الأمية الهائلة التي تنتشر في داخل عالمنا العربي، ومستغلا أيضا توق الجماهير إلى المعرفة.

 

وأمام حالة الضبابية واللاوعي هذه التي تحدثها وسائط الإعلام المختلفة، فإن ما يسترعي الانتباه هنا ضرورة تفعيل مواثيق الشرف الإعلامية، المقررة بالأساس في أكثر من بلد عربي، غير أن الأمر نفسه بحاجة إلى إرادة من جانب أبناء المهنة أنفسهم، فما أكثر هذه المواثيق في عالمنا العربي والإسلامي وما أكثر التشابه فيما بينها، والمطلوب هو تفعيلها وإنزالها على أرض الواقع.

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن تطبيق مواثيق الشرف الإعلامية لا يعني بحال إنزال عقوبات على القائم بأمر الاتصال والإعلام ولكن تنظيم الأداء الإعلامي وتصويب مساراته إلى كل ما يخدم المتلقي ويعود بالنفع عليه، فضلا عن أن واجب الجميع التزام تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحض على الصدق والأمانة، واحترام خصوصيات الغير، وعدم الاستهزاء بهم، أو السخرية منهم، وتشجيع كل ما يفيد الناس، وتجنب ما يؤذيهم.

 

ليس من باب المثالية أن يسير الإعلام على هذه الصورة، ولكنها الحقيقة الغائبة التي يجب أن يكون عليها الإعلام، فهذا اللون من مسماه يعني إعلام الناس، وليس تسطيحهم وتشويههم أو تغريبهم.