التصويت على وقع التسريبات
29 جمادى الأول 1435
إسماعيل ياشا

الناخبون الأتراك يدلون اليوم بأصواتهم في الانتخابات المحلية التي لم تشهد تركيا مثلها منذ الانتقال إلى النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية، بسبب الحملة الشرسة التي شنتها جماعة فتح الله كولن على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحكومته من خلال التسجيلات المسربة.

 

تجرى اليوم الانتخابات المحلية ولكن الحملات الانتخابية التي سبقتها غلب عليها النقاشات الساخنة حول الصراع الدائر بين جماعة كولن وحكومة أردوغان في ظل الاتهامات المتبادلة. وكانت الأحزاب المعارضة كأنها تخلت عن مهمتها السياسية وتركتها للجماعة. ولم يسمع الناخبون من الأحزاب المعارضة ما هي المشاريع التي ستقدمها خدمة للمواطنين في حال فوزها في الانتخابات، بل سمع فقط الضجة التي أثارتها جماعة كولن وكررتها الأحزاب المعارضة حول «فساد» أردوغان وحكومته.

 

المعارضة بأكملها اصطفت وراء شبكة تدعي بأنها «جماعة دينية»، ولكن كثيراً من أعمالها لا يمت إلى الدين بصلة، وكانت تنتظر ذاك التسجيل الذي «سيدفع أردوغان إلى الاستقالة وسيسقط الحكومة»، ولكن التسجيل «المخلِّص» لم يأتِ وأصيبت المعارضة بخيبة أمل كبيرة. بل كل تسريب نشر في الإنترنت أثبت أن الجماعة تقوم بكل الأعمال التي تنسب إليها من التنصت والمراقبة والغدر والتجسس على أسرار الدولة والتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية، كما عزَّزت قناعة الناخبين بأن المعارضة التي سلَّمت زمامها إلى الجماعة فاشلة في القيام بمهمتها وغير قادرة على إدارة البلد.

 

حزب العدالة والتنمية حصل في الانتخابات المحلية الأخيرة على 38 بالمائة من أصوات الناخبين وأي نتيجة فوق هذه النسبة في انتخابات اليوم انتصار للحزب الحاكم. واستطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الانتخابات تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على أكثر من 40 بالمائة، وإن خرجت من صناديق الاقتراع هذه النسبة لصالح حزب العدالة والتنمية فهذا يعني أن الحملة التي شنتها المعارضة بقيادة جماعة كولن فشلت فشلاً ذريعاً، وهذا ما أتوقعه، لأن المؤيدين لأردوغان والمتعاطفين معه قرؤوا الأحداث الأخيرة على أنها مؤامرة حيكت ضد تركيا، ما دفعهم إلى الالتفاف حول رئيس الوزراء التركي والدفاع عنه أكثر من أي وقت مضى.

 

التسجيل الأخير الذي تم تسريبه يحتوي على محادثات دارت بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ورئيس الاستخبارات التركي حاقان فيدان ونائب رئيس الأركان التركي الجنرال ياشار غولر ومستشار وزارة الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو في اجتماع أمني عقد في وزارة الخارجية لمناقشة التطورات الأخيرة في الساحة السورية. ورافقت نشر التسجيل المسرب دعاية مكثفة ضد الحكومة قام بها الصحافيون المنتمون للجماعة مستغلين ما ورد في التسجيل بل وحرَّفوه وأضافوا عليه بعض الأكاذيب، إلا أنهم بعد ساعات من نشره لاحظوا أن ردة فعل الرأي العام التركي لن تكون لصالح الجماعة وأدركوا أن التنصت على مثل هذه المحادثات وتسريبها خيانة للوطن، وغيروا لهجتهم وزعموا أن هناك جهة أخرى قامت بعملية التجسس لتحمل مسؤوليتها على الجماعة. ومع ذلك، يرى كثير من المتابعين أن الجماعة هي وراء التسريب، لأن وسائل الإعلام التابعة للجماعة نشرت تقارير إخبارية وتحليلات تدل على أنها كانت على علم بمضمون التسجيل.

 

الانتخابات المحلية التي تجرى اليوم في تركيا على وقع التسريبات، فريدة من نوعها؛ هي انتخابات محلية ولكنها تجرى في أجواء كأجواء الانتخابات البرلمانية، وتدعو فيها جماعة «دينية» منتمية إلى مدرسة الأستاذ سعيد النورسي إلى التصويت لحزب الشعب الجمهوري الذي حارب النورسي حتى موته. وهي انتخابات رشَّح فيها حزب الشعب الجمهوري «اليساري» لرئاسة بلدية العاصمة أنقرة مرشح حزب الحركة القومية «اليميني» في الانتخابات المحلية السابقة، كما رشَّح لرئاسة بلدية اسطنبول من قام بطرده من الحزب بتهمة الفساد، وكأن هناك جهة أخرى فوق الحزب والجماعة ترتِّب مهماتهما.

 

اليوم، تتنافس في تركيا 26 حزباً سياسياً لانتخاب رؤساء البلديات وأعضاء مجالسها، وعدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت يفوق 52 مليون ناخب وناخبة، ومن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة عالية. وستخرج تركيا صباح الغد من أجواء الانتخابات المحلية إلا أن المنافسة السياسية فيها لن تخف حدتها لأنها ستدخل أجواء الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجرى بعد عدة أشهر. وستقوم الأطراف المتنافسة بإعادة أوراقها وتقييم حساباتها بناء على نتائج انتخابات اليوم استعداداً للخوض في جولة جديدة من المعركة الطويلة.

المصدر/ العرب القطرية