السؤال
أنا أعاني من الظن السوء في كل شيء دائما أشعر بأني سوف أعيش حياة سوداء لا أعرف لماذا؟ هذه الحياة أتعبتني وجعلت أيامي سوداء وهذا الأمر يقتلني!!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نشكر لك ثقتك في موقع المسلم ومستشاريه ونسال الله أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرينا الحق ويثبتنا عليه وأن يرزقك الله ويرزقنا رزقا حسنا وان يرفع درجاتك ودرجاتنا في الدنيا والآخرة.
الأخت الفاضلة:
لا شك أن القلق على المستقبل كشعور ينتاب الكثيرين، بل ربما غالبية الناس تشعر به سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى العام، ولهذا يمكن القول بان الإحساس بالقلق أمر طبيعي وردة فعل طبيعية تجاه المواقف والإحداث المقبلة التي تتسم بالغموض على مستوى المستقبل القريب أو البعيد، ولا مشكلة منه طالما لم يتعد الحدود الطبيعية للقلق ولم يسبب لصاحبه آلاما أو معوقات.
ولعلك اختنا الكريمة تقصدين بسوء الظن بأنه توقع الأسوأ في القادم من الأيام سواء في العلاقات أو الأحداث، فيكون توصيف القلق اقرب منه للصحة من سوء الظن.
وبما أن الكثيرين يشعرون بهذا الشعور، فتعامل الناس مع القلق يكون على نوعين أو تصرفين يشبهان – توصيفا - من يتحسب للقاء عدو له أو من يشعر بمطاردته، فيكون التصرف واحدا من اثنين:
الأول: من يجعل هذا القلق وهذا الشعور سلبيا محبطا له مقعدا عن اتخاذ أي وسيلة للهرب من عدوه أو الاستعداد لمواجهته فيضعف نفسه أكثر فأكثر فيكون هو من اضعف نفسه وجعل من نفسه فريسة سهلة
والثاني: من يجعل من هذا الشعور دافعا ايجابيا محفزا ليزداد نشاطه ليسعى في محاولة الهرب من عدوه أو الاستعداد لمواجهته فلا يجعل من نفسه لقمة سائغة.
فماذا على من توقع أنه سيعيش كما قلت مع التحفظ الشديد على العبارة – أياما سوداء – فماذا عليك هل ستسلمين لها وتجلسين لتنتظري هذه الأيام المؤلمة أم تحاولين الفكاك منها بمضاعفة مجهودك وسعيك وبذلك لتغييرها قبل أن تأتيك؟
والقلق السلبي يقيد طاقات الإنسان ويعطل إمكانياته ويدفعه للوحدة وللانعزال وربما يدخله في دوامات متتالية متلاحقة تتنامى وتتعاظم فيتحول القلق من مجرد حالة عادية يمر بها الناس فيتحول إلى حالة مرضية تسيطر على أجزاء جسمه وتسبب له أعراضا ومظاهر أمراض جسمانية، ولهذا لابد وان يتخلص الإنسان من هذا القلق بسرعة حتى لا تتفاقم معه الأمور.
والقلق يدفع الإنسان للتشاؤم الذي ينبغي ألا يعرفه المسلم، لأن التفاؤل كان من صفات قدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، فكان يحب الفأل ويكره التشاؤم ففي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة)، والطيرة هي التشاؤم.
وهناك نوعان من القلق بحسب تقسيم علماء النفس لهما وهما:
النوع الأول وهو القلق الطبيعي العادي الذي يصيب معظم الناس بنسب متفاوتة وفي أوقات مختلفة ويزول ويعود شأنه شان أي إحساس أو شعور آخر، فليس هناك شعور دائم سواء كان مفرحا أو محزنا، وهو أمر لا خطر منه ونتناول بإذن الله بعض الوقفات معه بعد قليل.
أما النوع الثاني وهو القلق الذي زاد عن الحد الطبيعي وأصبح مرضا بحيث يؤثر على وظائف الجسم ويظهر على شكل أعراض مرضية، وهذا يستوجب علاجا طبيا ونفسيا على يد متخصص، وهذا ما لا أظنه في حالتك بإذن الله.
وهناك عدة وقفات مع كلمات ألخصها فيما يلي:
- لا يجوز للمسلم أن يصف الأيام والليالي والدهر عامة بأوصاف فيها سب للحديث الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْخَيْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " [1].
- لا يدفع القلق من المستقبل إلا اطمئنان القلب بالارتكان لقوي واللجوء إليه، والقوي هو مالك الملك سبحانه الذي بيده كل ما في السماوات والأرض الذي يقول للشئ كن فيكون وأذكرك بقول الله سبحانه " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "، فاللجوء إلى الله سبحانه والاعتصام بحبله يفتح كل أبواب الخير ويغلق كل أبواب القلق ولا يتسرب لقلبك شيئ منه
- الثقة بان المستقبل بيد الله وحده لا بيد غيره، فلا يملك المخلوقون لك شيئا بل لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا بإذن الله سبحانه، فقال نبينا صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ".. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف" [2].
- اجلسي مع نفسك أو مع من تتخيرين من أخواتك الصالحات جلسة مصارحة ومكاشفة حول تحديد المخاوف حقيقة، فإذا كانت من قلق ناحية زواج أو قلة مال أو شيئ يخصك أو أسرتك فحاولي مناقشتها بهدوء، وضعي الجانب الذي تتخوفين منه وتقلقين في جهة وما يمكنك عمله من جهة أخرى، وحينها ستتم تجزئة المخاوف وتحديدها وتوصيفها وحينها سيسهل عليك بإذن الله التخلص منها بطرح حلول لها في حدود إمكانياتك ودعي الأمور كلها لتدبير ربك سبحانه فهو الحكيم الخبير.
- احرصي على شغل أوقات فراغك بكل عمل ايجابي ونافع، وخالطي أهل الصلاح والنجاح واستمعي واقرئي واصرفي عنك قصص المحبطين الفاشلين اليائسين، وحاولي تجديد حياتك بالانخراط في عمل نافع لغيرك وابذلي من وقتك لغيرك، واعلمي انك تمتلكين – كما يمتلك كل مسلم ومسلمة – من الخير الكثير الذي يمكنه مساعدة غيره به، فاجعلي لحياتك هدفا وقيمة وستَسعدين وستُسعدين غيرك بعملك الصالح النافع الصحيح المنضبط بالضوابط الشرعية.
- اعلمي أختي الكريمة انك تمتلكين مالا يمتلكه غيرك، وكم من الناس يتمنى معشار ما حباك الله من نعم، فانظري إلى نعمة الله عليك ولا تزدريها وأكثري من شكره عليها، ": مَنْ أَصْبَحَ مُعَافَى فِي بَدَنِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا "، فبالشكر تدوم النعم وتزيد " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ".
- أكثري من الدعاء وحسن الصلة بالله سبحانه، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء " [3].
- عجيب أن المرء يخشى كل هذه الخشية على مستقبله الدنيوي وهو غير مضمون، فمن يضمن أن يعيش لغد أو لبعد غد؟ ولهذا فالخشية الحقيقية والقلق الذي يجب أن يكون حقيقا والتأهب الذي يجب أن يكون حقيقيا هو المستقبل الحقيقي هل سنصير فيه إلى جنة أم إلى نار؟ وهذا هو الاستعداد الحقيقي للمستقبل الذي يجب أن نستعد له وان ننشغل به انشغالا أكبر وأعظم.
أسأل الله أن يصرف عنا وعنك كل سوء وأن يرفع قدرك في الدارين.
_____________________
[1] " أخرجه أحمد 2/238(7244) والبُخاري 4826 ومسلم 5925.
[2] رواه الترمذي، وأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957).
[3] سنن ابن ماجه قال الشيخ الألباني: حسن وفيه زيادة "وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " ضعفها الشيخ الألباني.