أكره أردوغان .. ولكني سأنتخبه!
3 جمادى الثانية 1435
د. علي العمري

في فترة وجودي بتركيا الأسبوع الماضي، وفي إسطنبول تحديداً، حرصت على تسجيل ما استطعت من المشاهد عبر الكاميرا، وكذلك التقيت عدداً من المسؤولين والإعلاميين، وتناقشنا حول الانتخابات البلدية.
ابتداءً يعرف كل متابع أن الانتخابات البلدية في تركيا تعني الشيء الكثير على المستوى المحلي والدولي، بيد أن عدداً كبيراً من الناس يتعجب من هذه الضجة الكبرى!.

 

ولمن خفيت عليه بعض الأسباب عن سر هذا الحشد والتداعي والتغطية العالمية لقضية لا تمثل أيَّ همٍّ، ولا تُحرك أيَّ ساكنٍ في كل الأوطان العربية والإسلامية، بل في دول العالم-لمن خفيت عليه القضية؛ فإننا نبين المفاهيم والأسباب المهمة لذلك:

1- يعتبر الفائز في البلديات، والمرشح لرئاستها، منتخباً من قبل الشعب لإدارة شؤون خدماتهم العامة، وهل يا ترى تعتبر هذه القضية هينة؟!.
فكل ناخب يذهب لصناديق الانتخابات البلدية، عليه أن يختار ثلاثة مرشحين لثلاثة مناصب في بطاقته الانتخابية.
فعلامة يضعها أمام رئيس البلدية العام للمدينة، وأخرى يضعها أمام رئيس البلدية للحي الذي يسكن فيه، وثالثة يضعها لاختيار (المختار) أو العمدة.
والقانون التركي يمنع أي سلطة من إزاحة رئيس البلدية، أو من تم اختيارهم، إلا بقرار قضائي؛ لأنه اختيار الشعب، ومن هنا تكمن أهميته بوصفه قيمة ذات هيبة وقرار.

 

2- يتبع رئيس بلدية أي مدينة مجلس الوزراء مباشرة، وله استقلالية مطلقة في قراراه بعد مشاورة الجهات المعنية ذات الاختصاص، في كل الأعمال الحيوية التي تمس حياة الناس، في كافة الشؤون الاجتماعية، والصحية، والمواصلات، والسياحة، والحدائق، والتشغيل، وسواها من المرافق الحيوية في حياة الناس.
أي باختصار: لا يتعرض إنجاز عمل البلديات للبيروقراطيات الحكومية.

 

3- ليس هناك أي ميزانية للبلديات!، بل كل ما في الأمر أن البلدية تقدم مشاريعها العامة والمتطورة عبر الضرائب التي يدفعها المواطنون والسكان، وهي تبتكر المشروعات، وتنشئ لها شركات عملاقة، ومن ثمَّ الاستفادة من مواردها لإنجاز مشروعات عملية تدر دخلاً لصالح الشعب، وتطوير سير كل مشروع بكل كفاءة؛ فمشروعات القطارات، والأنفاق، والمطار، والمنتزهات، والمستشفيات، والنقليات، وسواها، تعتمد على مهارة إدارة البلدية الأم في المدينة، في إنشاء شركات ضخمة تفعِّل المشاريع تحت رقابتها، وبكامل طاقتها، وفق مبادئ: الإتقان، والأمانة، والعالمية.

 

من هنا فإن الحديث عن (الانتخابات البلدية) ليس هو الحديث التقليدي في كل وطننا العربي الذي يعني التوسط لإصلاح عطب في شارعٍ ضيق، أو التوسط لإنهاء خدمة، أو الوجاهة أمام الناس، أو في أحسن الأحوال المشاركة في إنشاء جمعية للاستهلاك الغذائي والملبوسات، أو حديقة صغيرة عامة، تئنُّ فيما بعد من الإهمال على جميع المستويات!!.

 

ويلحظ المتابع والسائح في شأن الانتخابات بتركيا أمرين عجيبين:
الأول: أن (رجب طيب أردوغان) الممثل لحزب العدالة والتنمية، يقوم بجولات مكوكية كل يوم في المدن والقرى والأرياف، بل في عدة تجمعات على مستوى القرية أو المدينة الواحدة، حتَّى أصيب (بالبحة) في صوته قبل إعلان الانتخابات بيوم.
وهذا يعني أن استثمار الحدث والتوقيت يتطلب جهداً مضاعفاً؛ لمن أراد إقناع الجماهير، والتواصل معهم.

 

كما لاحظت أنه في خطاباته المترجمة يذكر من غير ورق ما قدمه الحزب (العدالة والتنمية) من مشروعات في كل مدينة وقرية يزورها، ويذكر بالإحصاء والأرقام المشروعات والخطط والنتائج، بشكل متسلسل ومذهل.

 

الثاني: أن (رجب طيب أردوغان) رغم أنه رئيس مجلس الوزراء، أدرك أن الاستفادة من جماهيريته وشعبيته الطاغية، يجب أن تكون مستثمرة مع حزبه الذي يدير الحملة باقتدار؛ ولذا فرَّغ نفسه لهذا المطلب الجماهيري الكبير.

 

والحقيقة أنني شككت بوجود منافسين آخرين؛ وذلك لضخامة الدعاية، ووضوح البرنامج العملي لحزب العدالة والتنمية ، ونشره بشكل مبدع ومذهل ومتوسع لمشروعاته وإنجازاته وأهدافه.

 

وفي إحدى مشاهداتي في الشوارع أُهْدِيتُ حقيبة كغيري، من ضمنها خطة الحزب لعام (2017م)، وهي تستحق الإفراد في مقالة لاحقة.

 

إن أعجب ما في هذا الحدث المحلي الأهم، والعالمي؛ لقضية الانتخابات المحلية، وبخاصة فترة الظروف التي واجهها أردوغان وحزبه في الأشهر القليلة الماضية، والتي سنلقي الضوء عليها في المقالة القادمة -بإذن الله-، أقول: إن أعجب الأمر كان من رأي أغلب المعارضين لأردوغان من الأحزاب الأخرى، الذين قابلت العشرات منهم في الشوارع والفنادق، وسألتهم عن موقفهم من الانتخابات، وقد لخَّص ما سبق من آرائهم كلام مسؤولة الاستقبال في الفندق الذي سكنت فيه، إذ أجابت عن سؤالي: هل ستنتخبين أردوغان وحزبه أم لا؟ فأجابت: "أنا علمانية، من حزب (أتاتورك)، وأكره أردوغان، ولكنني سأنتخبه!!

 

إن أردوغان وحزبه أخذوا من الشعب الضرائب، ولكنهم قدموا مشروعات عملية متطورة في كل المجالات للناس، أما حزب أتاتورك فقد أخذ الأموال ولم يقدم للناس شيئاً!.
والشيء الذي لن أنساه لأردوغان، أنني صرت أزور أمي في القرية نهاية كل أسبوع؛ لأن القطارات الحديثة التي أنشئت في عهد أردوغان، توصلني لأمي في (8 ساعات فقط)، في حين كنت لا أستطيع الوصول إليها إلا خلال (24 ساعة) قبل فترته، وهو اليوم الكامل لإجازتي!!

 

ولذا سأصارحك وبكل وضوح: نعم، سأنتخب أردوغان وحزبه".

 

أما وإنه قد أعلنت النتائج، وفاز حزب العدالة والتنمية بنسبة (46%)؛ فإنه كما يقال (لا تعليق) لكل الحكومات وأولها الإسلامية؛ لفهم مغزى ما قالته هذه المرأة العلمانية على لسان الكثير من أنصار العلمانية، فضلاً عن غيرهم.
ولعل الرسالة قد وصلت بوضوح.