إسماعيل ياشا: دعاية المعارضة السوداء أخفقت.. جماعة كولن انتحرت.. تركيا لن تسمح بدولة علوية بسوريا
7 جمادى الثانية 1435
موقع المسلم

أكد الكاتب إسماعيل ياشا أن نتائج الانتخابات المحلية التركية أثبتت أن الناخب التركي لا يعيش في العالم الافتراضي بل يعيش في الواقع ويقرر ما يراه ويلمسه في الواقع.
وحذر الكاتب التركي البارز في حوار مع موقع "المسلم" من أن محاولة إسقاط الحكومة أو إضعافها على الأقل ستستمر، وأن إسقاط أردوغان هو هدف صهيوني.
وتوقع ياشا ألا تحذو تركيا حذو روسيا في ضم مناطق كانت تابعة لها في الإقليم، لكنه ذكّر بتصريح وزير الخارجية التركي بأن بلاده لن تسمح بدولة علوية في الساحل السوري.

حوار: المسلم

 

•     قراءتكم الإجمالية للنتائج النهائية؟

لا شك في أن النتائج التي ظهرت تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان ما زال يحافظ على شعبيته على الرغم من كل الحملات الشرسة التي استهدفته قبل الانتخابات والتي لم تقف عند أي خط أحمر بل استخدمت فيها وسائل غير أخلاقية وأساليب تضليل غير مسبوقة لضرب أردوغان وحكومته.

هذا انتصار كبير لحزب العدالة والتنمية ويعني أنه ما زال محل الثقة لدى الناخبين وأن ما تم ترويجه من ملفات الفساد الكبيرة والرشاوى وما إلى ذلك لم يلتفت إليه الناخبون ولم تغير الدعاية السوداء آراء الناخبين، بل فشلت محاولة الضحك على الشعب فشلا ذريعا ودفع أنصار أردوغان والمتعاطفين معه إلى الالتفاف حوله أكثر من أي وقت مضى.

نستطيع أن نقول إن الناخب التركي صوَّت لصالح الاستقرار السياسي والنجاح الاقتصادي والمصالحة مع حزب العمال الكردستاني والتطور الهائل الذي يلمس آثاره على أرض الواقع بخلاف المزاعم والأقاويل والتسريبات المفبركة. الناخب التركي أثبت أنه لا يعيش في العالم الافتراضي بل يعيش في الواقع ويقرر ما يراه ويلمسه في الواقع.

 

•    هل يمكن اعتبار نتائج الانتخابات هذه كاشفة لنجاح العدالة والتنمية في تحجيم تأثير جماعة كولن على المزاج الانتخابي؟

نعم. أكبر خاسر في هذه الانتخابات هو جماعة كولن التي اتضحت أن قوتها ليست كما تم تصويرها وتضخيمها، ولم يكن لها حضور يذكر في الشارع التركي. جماعة كولن سبب قوتها تغلغل تنظيمها السري في أجهزة الدولة ولكن هذا التنظيم سيتفكك بعد أن انكشف تماما أمام الرأي العام التركي. وستبدأ الآن بعد محاسبة الخيانات والتجاوزات في إطار القوانين التركية ومعاقبة المتورطين فيها. هذا ما أشار إليه أردوغان أيضا في كلمته ليلة بعد إعلان فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات.

جماعة كولن انتحرت بتمردها على الحكومة، لأنها كانت دائما تدور معاركها من وراء الستار ولأول مرة خاضت معركة علنية ورأى الناس حجمها الحقيقي. وكانت ترفع شعار الحوار والتسامح وما إلى ذلك ولكن اتضح أن هذه المصطلحات لدى الجماعة لم تكن سوى وسائل الدعاية. لأن الجماعة قادت حملة شرسة تجاوزت كل الخطوط الحمراء والقيم والأخلاقيات.

 

•    على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية حقق نقلة هائلة في الداخل التركي؛ فإن الأحزاب الأخرى المنافسة ما زالت تتمتع بحضور قوي، هل يعود ذلك إلى الأيديولوجيا والقومية فقط (نعني العلوية والكردية تحديداً)؟

نعم، هناك أيديولوجية تتحكم في ميول الناخبين، خاصة في بعض المناطق، مثل إزمير وبعض المدن الساحلية. مدينة إزمير بسبب إدارة محلية سيئة أصبحت مثل قرية كبيرة ولكن أغلبية سكانها اختاروا في هذه الانتخابات أيضا من يرونه منهم في الآراء والأيديولوجية ولم يصوتوا لصالح الخدمات والمشاريع. ومع ذلك من المهم حضور حزب العدالة والتنمية الحاكم في تلك المناطق على الأقل كحزب ثان متنافس. حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي له حضور قوي في كل أنحاء تركيا. وهذا ما يجعله حزبا يوحد تركيا بخلاف الأحزاب الأخرى، علما بأن في بعض المحافظات ذات الأغلبية الكردية فاز مرشح حزب العدالة والتنمية وليس حزب السلام والديمقراطية الكردي.

 

•    إلى أي مدى سبقت الأيديولوجيا الخدمات في انتخابات يفترض أن تكون بعيدة عن هذا الاعتبار؟ أم أنكم تعتبرون أن أحجاراً قد ألقيت في مياه التركيبة العقدية والديموجرافية لتركيا بعد هذه النتائج؟

الأحجار ألقيت منذ فترة في بداية عهد حكومة حزب العدالة والتنمية ومع ذلك، الأيديولوجية لا يمكن تجاهلها تماما وسيكون هناك دائما من يصوت لأيديولوجيته وقوميته، ولكن كلما ارتفع مستوى الوعي لدى الناخبين ستنقص نسبة هؤلاء. وفي النظام الديمقراطي التعددي ليس الهدف الحصول على أصوات الجميع، لأنه مستحيل، بل الهدف هو الحصول على أغلبية الأصوات وسط التنوع القومي والأيديولوجي.

 

•    هل خدم السماح لفئات من الشباب بالتصويت في الانتخابات، الحزب الحاكم لاعتباره يمثل أكثر التطلع إلى المستقبل من غيره من الأحزاب العلمانية الرجعية؟

في هذه الانتخابات الأخيرة كان عدد الناخبين الشباب الذين يحق لهم التصويت لأول مرة حوالي 3.7 مليون ناخب وناخبة. وهناك دراسة أجريت في إسطنبول قبل الانتخابات تشير إلى أن 43.6 بالمائة من هؤلاء الشباب الذين استطلعت آراؤهم قالوا إنهم سيصوتون لحزب العدالة والتنمية وأن 30.3 بالمائة منهم قالوا إنهم سيصوتون لحزب الشعب الجمهوري. هذا في إسطنبول فقط وقبل الانتخابات. لننظر الآن النسب التي حصل عليها هذه الأحزاب في الانتخابات التي أجريت في 30 مارس ونقارن.. حسب النتائج غير الرسمية، حصل حزب العدالة والتنمية في إسطنبول على 47.9 بالمائة وحزب الشعب الجمهوري 40.1 بالمائة. هذا يعني أن نسبة ميول الشباب إلى حزب العدالة والتنمية قريبة من نسبة ميول عموم الناخبين. ومع ذلك، أعتقد أن الموضوع يحتاج إلى دراسات أكثر.
قد يكون حزب العدالة والتنمية يمثل التطلع إلى مستقبل مشرق لدى فئة من الشباب ولكن علينا أن لا ننسى أيضا أن هؤلاء الشباب لم يعيشوا مشاكل الماضي التي كانت الأحزاب الأخرى سببها الرئيسي، ولا يعرفون جيدا كيف كانت تركيا وكيف كانت إسطنبول وكيف أصبحت اليوم.

 

•    الدعاية السوداء، ترويج الشائعات والأكاذيب، افتعال المشكلات، التمسك ببعض جوانب "الحريات الاجتماعية اللأخلاقية" دون غيرها.. هل صارت هذه عناصر برامج المعارضة التركية؟

نعم، مع الأسف الشديد، المعارضة التركية أصبحت لا تقدم للناخبين برامج سياسية واقتصادية. كل دعايتها مبنية على محاولات تشويه الحزب الحاكم وإسقاط الحكومة بالشائعات والأكاذيب والفوضى. ولكن الشعب التركي أكثر وعيا منهم ولم يلتفت إلى الأكاذيب والدعاية السوداء. هذا ما تؤكده نتائج الانتخابات. ويجب أن لا ننسى هنا دور وسائل الإعلام التي تقوم بكشف الستار عن تلك الأكاذيب وبيان الحقائق بالأدلة والبراهين.

 

ليس هناك خروج للمعارضة من الأزمة التي فيها غير الإنصات إلى مطالب الشعب وإقناعه بأنها البديل الحقيقي لحزب العدالة والتنمية وأنها الأجدر بقيادة البلاد وذلك بتقديم برامج سياسية واقتصادية واقعية تخدم المواطنين وترفع مستوى الرفاهية. وإلا فمواصلة السير في طريق الأكاذيب والمغالطات وافتعال المشاكل واستصغار الناخبين ومحاولة الضحك عليهم لن توصل المعارضة إلى السلطة أبدا وستظل معارضة حتى تتخلى عن هذه السياسة الخاطئة.

 

•    بعدما قد اتضح للقوى الغربية المناهضة للعدالة والتنمية أن طريق إزاحة إردوغان وحكومته وحزبه يصعب أن تمر عبر صناديق الاقتراع.. ما الذي تتوقعه في هذا الصدد؟ هل سنصل لانتخابات برلمانية بشكل طبيعي؟

محاولة إسقاط الحكومة أو إضعافها على الأقل ستستمر. سنشهد أولا محاولات منع انتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية إن ترشح في الانتخابات الرئاسية، وهذا المتوقع، ثم بعد ذلك قد يهدأ التصعيد قليلا حتى يبدأ من جديد قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى العام القادم. ولكننا في تركيا متعودون على مثل هذه الأجواء.

 

•    ربما البعض لا يرى أن ما استبق هذه الانتخابات من حرب قذرة هو محض صراع حزبي ولا حتى دولة موازية أو عميقة، وإنما يرى أن تحريك ذلك يتم في واشنطن وتل أبيب.. هل تشاطرونهم الرأي؟ وإلام تستدلون؟

البحث عن مؤامرة وراء كل مشكلة حالة مرضية وكذلك إنكار وجود المؤامرات. والمهم هنا أن المؤامرة الخارجية إن كانت هناك مؤامرة لا تنجح إلا إذا كان هناك خلل وضعف في الداخل وشريحة تتعاون مع الخارج. سقوط حكومة أردوغان وإنهاء عهد هذا الرجل ترغب فيه "إسرائيل" لإعادة العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني، كما يصرح به "الإسرائيليون" أنفسهم، ولكن المهم هو تعزيز الجبهة الداخلية للحيلولة دون التدخل الخارجي والمؤامرات وذلك بالتلاحم مع الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية وحل المشاكل بالتفاهم مع كشف أبعاد المؤامرات إن كانت بالفعل هناك مؤامرات.

 

•    ليس خفياً أن هدف إسقاط تجربة إردوغان وحزبه أضحى هدفاً غربياً، وأن ما استبق هذه الانتخابات وما رافقها حتى بعد إعلان النتائج دليل على أن الغرب ماضٍ قدماً في هذا السبيل.. أترى أن النتائج والأحداث في القرم أيضاً ستشجعان إدارة إروغان على انتهاج سياسة خارجية أكثر تمدداً وانتشاراً في الإقليم، لاسيما في الحاضنة التركية (العثمانية) الكبرى؟

سياسة تركيا في القرم في هذه المرحلة مبنية بالدرجة الأولى على الحفاظ على وجود أتراك القرم المسلمين وألا يكونوا ضحايا الأزمة الحالية وحطب الحرب المحتملة، لأن تركيا لا تثق بالغرب ولا بوعوده، بعد أن خذل الغرب الشعب السوري. ولن تشجع تركيا أتراك القرم على الخروج على روسيا بل تدعوهم للتريث والهدوء وستواصل مع روسيا جهودها الدبلوماسية للحفاظ على وجود أتراك القرم وعدم اضطهادهم.
وبوجه عام؛ فإن تركيا لا تنوي التمدد وضم الأراضي كما فعلت روسيا لأنها ببساطة ليست في قوة روسيا. وحريصة على وحدة تراب جيرانها.

 

•    ماذا إذن عن معركة الساحل السوري، والتي بدا للبعض أن لتركيا دوراً فيها؟

معركة الساحل يمكن قراءتها كتطبيق خطة الحيلولة دون إقامة دولة علوية وقد صرح بذلك وزير الخارجية التركي وقال إن تركيا لن تسمح بإقامة دولة علوية في الساحل.

 

•    هل تقرؤون في التقارب الغربي الإيراني محاولة لتطويق تركيا؟ وهل يمكن لتركيا أن تقدم يدها للعرب سواء من البوابة السورية أو الخليجية لكبح جماح المطامع الغربية/الإيرانية؟

نعم، الغرب يسعى لتطويق تركيا، وريث الدولة العثمانية، وأعتقد أن القادة الأتراك يدركون ذلك. تركيا يدها ممدودة للعرب ولا تريد إلا الصداقة. ولكن هناك من يرى تركيا ودورها خطرا عليه وبالتالي يصعب تعاون تركيا مع من يراها عدوا وخطرا. تركيا ليست مضطرة للمشي جنبا إلى جنب مع من يراها عدوا ويريد إثارة القلاقل والفتن فيها. ومن يريد صداقتها، وهي غالية، فلن تقصر في مد يدها له.

أما البوابة السورية فإن تركيا حسمت موقفها منذ فترة وانحازت بشكل كامل نحو ثورة الشعب السوري والدعم التركي سيستمر للشعب السوري لتنجح ثورته ويسقط النظام الوحشي الدموي.

وهناك نقطة أحب أن أتطرق إليها وهي أن هناك رغبة لدى البعض في ضرب تركيا وإيران بعضهما ببعض لإضعاف إيران والقضاء على النموذج التركي. إيران بالنسبة لتركيا دولة جارة ولها مصالح اقتصادية معها، ولكن لن تكون تركيا رأس الحربة في مواجهة إيران ليتفرج الآخرون على سقوط إيران وتركيا معا.

•    لماذا تفوق حزب الشعب هذه المرة أكثر من سابقتها على الأحزاب الأخرى؟

لأن الشعب التركي وخاصة أنصار حزب العدالة والتنمية والمتعاطفون معه شعروا بوجود محاولة الانقلاب على الإرادة الشعبية، والتفوا حول أردوغان. تحول الانتخابات المحلية إلى شبه استفتاء شعبي على حكومة أردوغان بسبب الهجمة الشرسة التي قادتها جماعة كولن قبل الانتخابات لعب دورا في زيادة الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية. ولكن هذا لا يقلل من أهمية النجاحات التي حققتها الحكومة في شتى المجالات. وباختصار شديد، أراد الشعب التركي الحفاظ على من يخدمه بنجاح. أما ما يخص زيادة النسبة التي حصل عليها حزب الشعب؛ فإن زيادتها نسبياً ترجع إلى تأييد جماعة كولن وبعض الأحزاب الأخرى مرشحي الحزب وخاصة في بعض المناطق مثل إسطنبول وأنقرة، حيث صوت بعض أنصار حزب الحركة القومية لمرشح حزب الشعب الجمهوري، وكذلك لا ننسى أن مرشح حزب الشعب الجمهوري في أنقرة كان مرشح حزب الحركة القومية في انتخابات 2009 ، أي إنه بعبارة أخرى كان هناك نوع من التحالف بين حزب الشعب الجمهوري وجماعة كولن وحزب الحركة القومية.