السؤال
السلام عليكم.. أختي مراهقة وهي منذ أشهر تتحدث بالشات، وقد أعطت رقمها لشاب، وعلم أخي الكبير بالأمر، ولكن الأسرة حملتني مسؤوليتها ووضعوا على عاتقي أمر مساعدتها وإيجاد حلول لها، على اعتبار أنني أنا الأكبر، وللأسف تكرر منها هذا التصرف مرة أخرى، فأخذت منها هاتفها الجوال وعاقبتها، ومع ذلك وجدتها مرة أخرى تتواصل مع شاب تعرفت عليه بمواقع التواصل، وتبادلا أرقام هاتفهما، فشعرت بقمة الغضب، ولا أعرف كيف أتصرف معها، خاصة وأنني أتحمل مسؤوليتها ولو أخبرت أهلي بأمرها، قد يسيئون التصرف معها ويعاقبونها بطريقة سلبيه، فأتمنى أن ترشدوني لحل وجزاكم الله خيرا..
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: أختي الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها فيما يلي:
ـ ما تمر به أختك خلال مرحلة المراهقة، وتعلقها بالتواصل عبر الشات ومواقع التواصل الاجتماعي..
ـ تواصُلُها المستمر مع أحد الشباب من خلال هذه المواقع، وتبادُل أرقام الهاتف بينهم، وتكرار هذا التصرف على الرغم من تحذير الأسرة..
ـ تحمُّلك مسؤولية رعايتها، ومراقبة تصرفاتها باعتبارك الأخت الكبرى، ومعاناتك الشديدة لإيجاد حلول مناسبة لتوجيه أختك وسعْيك لإصلاحِها وتقويم تصرفاتها..
أما النصائح والإرشادات التي أقدمها لك فهي كما يلي:
بداية أقول لأختي الكريمة أكرمك الله: إن نجاحَك في أداء مهمتك المنوطَة بك كمسؤولة عن مراقبة تصرفات أختك الصغرى، هو رهين اتِّباعِك لمجموعة من الإرشادات منها:
أولا: عليك أن تتقرَّبي لأختك أكثر من السابق، وتكسري الحواجز والجسور التي تفصل بينكما، وحاوِلي أن تنزِلي لمرْحلتِها العُمْرِيَّة، بقامتِك الأطْول، بمستوى ثقافتك وتفكيرك النَّاضِج، وبمشاعرِك الرَّزينَة، وشخصيتك المُتَّزِنة والرَّصينة، ولا تنتظِري منها أن تُبادر هي من تِلقاء نفسِها وترتقي سُلَّمِك الأَعْلى منها، وتصْعَد قمَّة هرمِك العمري..
ثانيا: باعْتبارك أنت الأخت الأكْبر، فمن واجبِك أن تشْعري بثِقْل الأمانة المُلْقاة على عاتقِك، وأنها تشريفٌ لكِ وتكليف، وهذا من شأنه أن يدفعَكِ لبذل الجُهد أكثر، والعطاء بدون مَلَل ولا كَلَل، وبَذْل أنفََسِ أوقاتِك لأجل رعايةِ أختِك، وتحمُّلِ طبيعةِ شخصِيَّتِها، والصَّبرِ على ما يصْدُرُ عنها من تصرُّفات رَعْناء، وامْْتِصاصِ غضبِك وانفعالاتِك اتِّجاهها، واحْتضانِها كأمٍّ رؤوم، وكأخت محبَّبة لقلبها، وكصديقة مقرَّبة من روحِها، ومن تفكيرها، واهْتماماتِها، وفَهْمِ مشاكلِها، واسْتيعابِ طبيعةِ مشاعرِها، واحتياجاتِِها النَّفسِيَّة والعاطِفيَّة خلال هذه المرحلة التي تمرُّ منها، وحتى ولو كانت مشاعِرُها فَوْضوِيَّة، وأفْكارُها غير مُتَّزِنة، وتصرُّفاتُها غير سَوِيَّة، وشخصيَّتها متحرِّرة أكثر من اللاَّزم، وردَّاتُ أفعالها تسْتفِزُّك، أو تثير غضبك، فواجِبُكِ يحتِّم عليك أن تحْتويها بالكامِل، وأن تنجحي في تصْويبِ أخطائها والسَّعيِ لإصلاحِها، وإرشادِها للطريق المستقيم..
ثالثا: ازْرَعي بينك وبينَها روابط الثقة المتبادلَة، وافْتحي أمامها مجالا خِصْبا للحوار والنِّقاش الراقي، وتبادُلِ الأفكار والآراء، وتقبُّل الرَّأي المخالِف دون تعصُّب، واسْمَحي لها بالتعبير عن نفسها بتلقائية وحرية منظَّمَة ومُعَقْلَنَة، وأَفْسِحي لها مساحَةً أرْحَب لمناقشتِك ومخالفَتك، ولا تحاولي أن تصنعي منها نسخة طبق الأصل من شخصيَّتك، بل تعاملي معها على أنها شخصية مستقِلَّة بذاتها، ومختلفة عنك في كل شيء، واسْتوعِبي هذا الاختلاف بنفسٍ راضية..
رابعا: غيِّري من أسلوب معاملتِك لها، ولا تُشْعِريها بقسوتِك، ولا تستخدِمي تسلُّطك في توجيهِ سلوكِها، وقيادَتها وِفق الطَّاعة العَمياء، أو التَّحكُّم في اختياراتها، بل حاوِلي أن تُغْمُريها بحُبِّك، وحنانِك، ودِفْءِ مشاعرِ الأخت الكبرى التي تخاف عليها، وتراعي شؤونها، وتعتني بمصالحها، وطلباتها، وتتمنى لها الخير، والنجاح، والصلاح، والاستقامة، والتوفيق في حياتها كلها..
خامسا: تعاملي معها برفق وسكينة، اتِّباعا لسنن الله في الكون، فهو الَّرفيق بنا في أمره، ونهيه، وفعله، مع أنه الأقْدَر على محاسبتنا على كل صغيرة وكبيرة، ومعاقبتنا بأشدِّ العقاب، ومصداقا لما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " إن الله رفيق يحب الرفق، وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف"، واقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومصداقا لقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)..
وعليه فلن يتيسَّر لك أختي الكريمة أن تؤدِّي مهمَّتِك بنجاح، وتُذَلَّل أمامَكِ الصِّعاب، وتَتصَدَّي لتصرُّفات أختك وعنادِها، إلا لو أنت استخدمتِ معها أسلوبَ الرِّفق واللِّين، فهو الأسلوب الأَجْدى والأَنْفع في حالتِها،لكسْبِ محبَّتِها ومودَّتها، وثقتِها بك، ومَدْعاة لقبولِها لنَصائِحِك، واهتمامِها بإِرْشاداتِك، ولو أنت تأمَّلتِ معي كيف أوصى الحق سبحانه نبيَّه موسى عليه السلام وأخاه هارون عليهما السلام في قوله تعالى: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)، فستلاحظين بأن هذا النموذج هو يكفيك لتدركي قيمة الخطاب اللَّيِّن، والأسلوب السَّهل اللَّطيف، وأهمية التَّأَدُّب في الحوار، وتجنُّب الفُحش في اللَّفظ لأنه يضرُّ ولا ينفع، ولأن الغِلظة في المََقال، والفَظاظة في الأفعال منفِّرَة عن صاحبِها..
سادسا: تعاملي معها بالتدريج، ولا تكلِّفيها أكثر من طاقتها، واجْعليها تَأْلَف حديثَكِ، وتَسْتَأْنِس لخطابِك الرَّزين، وأسْلوبِك الحكيم، وتأْلَف طِباعك، وترْغب باتِّباعِك، والاقتداء بأقوالِك وأفعالك، وتصبحي بالتالي مَحطَّ إعجابِها واهتمامِها، ورغبتِها في التواصل معك، ومكاشفَتِك بكلِّ شؤونِها، واسْتشارتِك في اختياراتِها وفي اتِّخاذِ قراراتها، ومشاركَتِك في اهتماماتِها، وتطلُّعاتِها، وأحلامها، بل وحتى فيما يتعلَّق بأسرارِها وخبايا نفسها..
سابعا: اشْرخي لها أن العلاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج تنْضَبِط بمجموعة من الضَّوابط والحدود الشَّرعية، في الحوار، والخِطاب، والتَّواصُل، والتَّعامُل فيما بينهما باحترام، وأن التعارف بينهما ينبغي أن يتمَّ عن طريق الخطبة الشَّرعية وليس قبلها، ولا عبر برامج التواصل الاجتماعي، وغيرها من أسباب التَّواصُل الأخرى المحرمة، كتبادل أرقام الهاتف، والانفتاح التَّواصلي فيما بينهما، أو الاختلاط، والاحتكاك فيما بينهما خارج إطار الزواج، وأن كلَّ تلك العلاقات التي تنشأ في الخفاء هي حرام، لأنها تنشأ في الظلام بعيدا عن رقابة الأسر والأهل..
ثامنا: بيني لها خطورة تلك العلاقة المحرمة التي تربط بينها وبين أيِّ شاب ليس بينها وبينه صِلة زواج، وما يسْتدْعيه ذلك التواصُل في الخفاء من تنازُلات وتجاوُزات مخِلَّة بالأخلاق والآداب، ومن انْتِهاك للشَّرف، والعفََِّّة، والفَضيلة، والقِيَم الدِّينية والاجتماعِيَّة..
وما تحمِله تلك المكالمات الهاتفية والمحادثات التي تجري بينهما، من إغراء باسم الصداقة أحيانا، أو الإعجاب، أو باسم الحب أحيانا أخرى، وهذا من شأنه أن يعرضُهما لرياح الفتن، وحَبائِلِ الشيطان وغِوايته، والوقوع في مفاسد عظيمة..
تاسعا: خاطِبي وجدانَها وعقلَها، وعِظيها موعظَةً حسنة، وأثِّري عليها بكل ما أوتيتِ من حكمة، وأسلوب بليغ في الدعوة، ورجاحة عقل في مخاطبتِها، وبلِّغيها نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلو رجل بامرأة كما في قوله: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وأمر الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات بغض البصر، كما في قوله عز من قائل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)..
عاشرا: املئي وقتها بما هو نافِع، وإيجابي، ومناسِب لمرحلتها العُمْريَّة، وشَجِّعيها على ممارسة الأنشطة الرياضية، والهوايات والمهارات التي تحبُّها وتختارُها، وحَفِّزيها على الإنجاز والمثابرة، والنجاح في الحياة، واسْتشيريها في بعض القضايا المرتبطة بك، حتى تُشْعِريها بأهمِّيتِها، وقيمتِها الإنسانية، وتثق بنفسِها وبمؤهِّلاتها، ورَغِّبيها في مشاركَتِك في التفكير، والاختيار، واتخاذ بعض القرارات، ومساعَدَتِك في بعض الأعمال المناسبة لعمرها، كأداء بعض الواجبات المنزلية، وتحضير الطعام، أو تنظيم البيت، وترتيب الغرف والملابس، أو أثناء التسوُّق وشراء بعض لوازم البيت وطلبات الأسرة، وغيرها من الاهتمامات التي من شأنها أن تشْغل تفكيرها، وتفرِّغ طاقاتِ إبْداعِها وتنشيط قدراتِها على الابتكار في مجالات منتِجة ومثمِرة..
إحدى عشر: نبِّهي بقية أفراد أسرتك بدءا من الوالدين ـ إذا كانا على قيد الحياة ـ للاضطلاع بمهمَّتِهم التربويَّة والتوجيهيَّة اتِّجاه ابنتهم، وتقاسَمي المهام مع إخوتك، ليتحمَّلوا كذلك مسؤوليتَّهم اتِّجاه أختِهم، ويساعدونك في مراقبتِها وتوجيهِها، واحْتوائهِا نفسؤيًّا وعاطِفيًّا، وإشْعارِها بمكانتها داخل الأسرة، وبقيمةِ وجودِها في حياتِهِم كعضوٍ فعَّال، وهذا من شأنه أن يقلِِّّل من حدَّة عنادها وإصرارها على معارضتهم، ومخالفة أوامرهم ونصائحهم، واستغلالِ ذكائِها في التَّواصُل وتوظيفِه في بناء شخصيتها، وكطاقة إيجابية تؤهِّلها لتكون عنصرا فعَّالا داخل أسرتها وداخل مجتمعها..
وختاما قول لأختي الكريمة: حاولي أن تتفهَّمي المرحلة الانتقالية التي تمر منها أختك وتحَّملي أعراضَها قدر استطاعتك، وقيادتها قيادة رشيدة، وتجنَّبي التَّصادم معها، باسْتِخدامِك لأسلوب تربوي وتعليمي محبَّب، وأسلوب الحوار والنقاش والإقناع، ولا تجعليها تشعر بمراقبتك المستمرة وفي كل حالاته كمتهمة مُدانَة، بل الأجْدى أن تَغْرسي لديها الشعور برقابة الله ومخافته في سرِّها وعلانيَّتِها، وإرشادها دِّينِيًّا، وتَّوجيهِ سلوكِها تربويًّا بضابط الرَّقابة الدينية، وربْطِه بمفهوم الحلال والحرام، وبأحكام الدين الضرورية، وتصْفية قلبها ووجدانها، وتحْليتِه بإيثار الفضائل وحُبَّ الدِّين، وحب الطَّاعات، والإقبال على العبادات، وأداء الفرائض، على ما سواها من الإقبال على الشهوات والملذات الحرام..
أسأل الله العلي القدير أن يرزق أختك الهداية والاستقامة والصلاح، وأن يوفِّقَك في توجيهها وتغييرها للأفضل، وأن يبارك لك في أهلك، وأن يجعلك خير قدوة لإخوتك، وأن ينفعهم بك، وأن يُجْري الخير على يدك..