المثقف التائه أم الخائن؟ انتظار مشروع مارشال غربي!!!!!!
29 جمادى الثانية 1435
منذر الأسعد

لو كانت القضية قضية أفراد متناثرين هنا وهناك، لهان الأمر نسبياً، ولاعتبر المراقب الموضوعي أن الشذوذ عن السياق أمر ملحوظ في سائر الأمم والمجتمعات.. ولو أن مجتمعاً إنسانياً خلا من حفنة من التائهين أو المنافقين أو ضعيفي الإيمان، لكان مجتمع المدينة النبوية حيث يقوده أشرف البشر وسيد الأنبياء والمرسلين.. فكم أوذي المؤمنون من لدن المنافقين بزعامة ابن أُبَيّ وأتباعه البائسين..

 

إن مأساة أمة الإسلام في وقتنا الحاضر-على تشعبها وتعدد مظاهرها وأعراضها- تتجلى بدءاً في تيه كثير من المنتسبين إلى الحقل الثقافي، مع أن المتوقع منهم عادة أن يكونوا سنداً لأهل العلم العاملين وللساسة المخلصين، ذوداً عن دينهم ونصرة لقضايا أمتهم..

 

نعرض اليوم حالة لطالما تكررت ولا سيما منذ انطلاق الثورة السورية، التي أزالت الألوان من المشهد، لتحصرها في الاختيار بين أبيض ناصع وأسود شديد الحلكة.

 

إنه كاتب سوري يدعى: على حافظ، ويسبق اسمه بحرف الدال، من دون تبيان للتخصص الذي يحمل فيه درجة الدكتوراه..

 

كتب قبل أيام مقالة في موقع سوري مؤيد بقوة لثورة الشعب السوري، عنوانها: ربيع العرب وخريف الغرب (الفرصة الضائعة للمصالحة مع الغرب)!! ومما جاء فيها: معظم الدول العربية التي اندلعت فيها حركات احتجاج ثورية قامت أنظمتها الحاكمة باتهام جهات خارجية بالوقوف وراء ما يحدث على أراضيها؛ وأصرت على تعرضها لمؤامرة كونية شرسة تستهدف وحدتها واستقلالها ونهجها الوطني السليم.. إلى ما هنالك من مفردات وعبارات جاهزة، أصبحت ممجوجة ومستهلكة منذ زمن بعيد، ولا يمكنها أن تخدع أحداً بعد الآن!!

 

وهي بداية طيبة تشي بأن الرجل يدرك دجل الطغاة الذين ثارت عليهم شعوبهم، وتهافت تنظيراتهم الزائفة..ثم يصور مآل الثورات العربية قائلاً: جاءت اللحظة التاريخية التي لن تتكرر في المستقبل القريب، بعد أن تكونت كتلة حضارية من الشباب المتعلم المثقف المعطل عن العمل والإبداع والمشاركة بفعالية في حياة بلاده؛ ونزلت إلى الشارع مع فئات اجتماعية أخرى من الناس الغاضبين المستاءين، واندفعت تيارات جارفة عبر الشوارع لتسقط أنظمتها المطلقة.. انتصرت الثورة في كل من تونس ومصر مسقطة رأس النظام بسرعة كبيرة، لكن جسده الفاسد المتعفن بقي في مكانه؛ ولم تحقق أهدافها كاملة.

 

وأطاحت الثورة الليبية بالعقيد القذافي – عميد الزعماء العرب وملك ملوك إفريقية – بعد تلقيها دعماً عسكرياً لا محدوداً من قبل الغرب، حيث دخلت قوات الثورة المقاتلة طرابلس وسيطرت على «باب العزيزية» – مصدر الرعب والبلاء طوال عهود طويلة.. كذلك انتصرت المبادرة الخليجية في اليمن بعد عملية كر وفر ومراوغة طويلة من قبل علي عبد الله صالح الذي أصيب إصابة بالغة، وبقي متشبثاً بالحكم حتى آخر نفس!.. أما في سورية فمازال الأسد المجرم مصراً على قتال شعبه باسم المقاومة والممانعة والمؤامرة الخارجية، دون أن يقدم أي تنازل أو حل سياسي، ما أدى إلى دخول قوى طائفية وجهات متشددة المعركة، لتنزلق الثورة – في كثير من جوانبها – نحو أنفاق الحرب الأهلية المظلمة.

 

لكنه يقفز من مقدمته المنطقية –بالرغم من غبش السطور الأخيرة حول الحرب الأهلية وتعاميه عن طائفية العصابة الأسدية وقطعان الرافضة المتدفقين لنصرتها منذ بدايات الثورة- يقفز إلى نتيجة غريبة مفادها: هل تستطيع هذه الدول المتحررة حديثاً من الديكتاتوريات أن تحل مشاكلها بنفسها دون الحاجة إلى مساعدة الغرب؟».. إذا لم تستطع إنجاز ثورتها وبرامجها السياسية والاقتصادية وحدها، فإنها ستكون مجبرة على الاستعانة بدول أخرى!

 

ثم يمضي الكاتب في تخيلاته المذهلة فيتصور مشروع مارشال غربي يقدمه الغرب للشعوب العربية المنتصرة على الطغاة، في هيئة تطوع نقي لا مأرب للغرب من ورائه: يمكن لخطة مارشال جديدة تتناسب مع ظروف العرب، وغير مرتبطة بشراء منتجات أو بضائع بحد ذاتها من دول الغرب، أو بفرض شروط سياسية معينة تجاه التطبيع مع إسرائيل؛ أن تدعم اقتصاد دول الربيع العربي، وترفع مستوى معيشة سكانها على أساس توزيع عادل وصحيح للثروة الوطنية. لأن الناحية الأهم التي تثقل بكاهلها على روح شباب تلك البلاد تكمن في غياب آفاق الحصول على عمل جيد يضمن لهذه الفئة الأكثر تهميشاً مستوى أفضل من الحياة.. هذا الواقع المظلم يبدو أكثر وضوحاً وسط خريجي الجامعات الذين لا يجدون عملاً مناسباً لهم؛ لذلك يجب النظر إلى المُوَجه «الغرب – دول الربيع العربي» كمجال للعلاقات التجارية والاستثمارات الجيدة!!

 

ويبلغ شطح الخيال السقيم ذروته عند صاحب المقال ليجزم بأن: التحالف مع الغرب على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة سيساعدنا على الحد من خطر المشروعين الإسرائيلي والإيراني، أكثر المشاريع المتربصة بالمنطقة العربية، التي أصبحت أشبه بالمرأة الضعيفة، وليس بالرجل الضعيف – حسبما أطلق على دولة الخلافة العثمانية في أواخر عهدها – لكن مع ذلك يجب أن يبقى مشروع قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في أولويات حكومات ما بعد الثورة، والابتعاد عن المتاجرة بهذه القضية – كما فعلت حكوماتهم السابقة!

 

أدرك الشباب العربي الثائر أخيراً أن سبب تخلفهم وتأخرهم ليست أمريكا والغرب وإسرائيل، وإنما الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمهم وتستأثر بمقدرات بلادهم، وتحد من طموحاتهم وإمكاناتهم؛ ويمكنهم مد أيديهم إلى الغرب للمساعدة.. أدرك أنه لا يقاتل عدواً خارجياً ولا حاكماً أجنبياً، بل حاكماً محلياً؛ حاكماً يقتله لأنه طالب بالتغيير؛ حاكماً استطاع تشتيته إلى زمر وجماعات وكنتونات وطوائف وقوميات في عصر متعطش للدم البشري؛ في عصر لا يرحم مستعد دائماً أن يلفظ بقسوة أي إنسان غير مستعد للقتال من أجل حريته وكرامته وإنصافه...

 

أي أن هذا المثقف الغائب عن العقل يتوهم دعماً غربياً يضع حدوداً صارمة للمشروعين الخطيرين: الصهيوني والصليبي!!
فبالله عليكم: هل يعيش هذا الرجل في زماننا؟

 

وكيف يتجاهل أن الغرب الذي يبرّئه –كما يبرّئ ربيبته اليهودية- من وزر ما تعانيه شعوب العرب الثائرة من تخلف واستبداد ونهب منتظم لثرواتها، هو الغرب نفسه الذي أتى بهؤلاء العملاء وفرضهم بانقلابات عسكرية قهرية، وما زال يحميهم كما في سوريا بالذات!!