24 صفر 1437

السؤال

أنا شاب عندي ثماني عشرة سنة، أحببت فتاة من أقاربي عن طريق الانترنت منذ فترة، وتركتها وعزمت على عدم التواصل معها مرة أخرى لحرمة ذلك الأمر، هي الآن في الصف الأول الثانوي، المهم أني وجدتها منذ مدة طويلة حاولت الاتصال بي عن طريق الوتساب، لكني لم أرد عليها خوفًا من الله، وأخبرتني أنها تواجه مشكلة، وتحتاج المساعدة مني، وقبل أسبوع أرسلت لي رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكلمتني وتفاجأت بها مرة أخرى، وهي تقول لي إنها مدمرة نفسيًا لأنها يتيمة، وأمها مشغولة عنها كثيرًا جدًا، ولا تجلس معها، وتقول: إنها ليس عندها أصدقاء، ولا عائلة، أصدقاؤها تركوها، وصدمت فيهم أكثر من مرة، بعدما وثقت فيهم، وكذلك أقاربها، وتقول إنها لم تعد تثق بنفسها أبدًا، وإنها فكرت في الانتحار، لكنها تراجعت، وتقول: هل سيفتقدني أحد عندما أموت؟. وهي تعتبرني الآن الأخ والأب والصديق والحبيب، فهي لا تجد من تتحدث معه، وتحكي إليه سرها ومشاكلها، يبدو أنها عندها نوع من الفراغ العاطفي، وتطلب مني مساعدتها في المشاكل التي تمر بها، وتقول: إن الألم النفسي انتقل إلى أعضائها، ولا أدري ماذا أفعل لأني أخشى الله من تلك العلاقة المحرمة.
يبدو لي أنها تعبانة نفسيًا، ويتبادر إلى ذهني أنه لو حدث لها أي مكروه، فقد أكون مسئولاً عن ذلك، لأن بيدي الحل، هل أتحدث معها بحساب آخر كأني فتاة مثلها؟. هل أتركها ولا أرد عليها؟. هل أدعوها إلى الله وأرشدها إلى الطريق الصحيح ثم أتركها؟. أرشدوني لو سمحتم.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك تحب فتاة من أقاربك، وهي يتيمة وليس لها صديقات، ولا عائلة تتواصل معهم، وتعيش فراغًا عاطفيًا، كون أمها مشغولة عنها، تعرفت عليها من خلال الانترنت، وتواصلت معك عبر الوتساب، وهي تحتاج لمن يملأ لها فراغها العاطفي، وتود لو أن لها أحدًا يواسيها ويتواصل معها، ووجدت مبتغاها عندك، وتعتبرك أنك بالنسبة لها أخًا وأبًا وحبيبًا وصديقًا، وأنت تخاف الله أن تتواصل معها، وتخاف عليها أن يحدث لها مكروه لو صددت عنها، وتطلب من إخوانك في موقع المسلم النصيحة والإرشاد، أبشر بسعدك أخي، واتبع التوجيهات والتوصيات الآتية:
أولاً: {إن الشيطان عدو لكم فاتخذوه عدوًا}.
أنصحك أن توقف هذه العلاقة، لأنه مهما كانت العلاقة بريئة، فإن العواقب وخيمة، والشيطان ينتظر الناس في نهاية المطاف، والشيطان الذي يجمع الناس بهذه الطريقة، هو الشيطان الذي يأتي غدًا ليشكك في تلك العلاقة، لأن للشيطان مداخل كثيرة، كما أن أسرتك غالبًا لا تقبل بمثل هذه العلاقات التي تبدأ بهذه الطريقة، فأوقف – أخي - هذه الرابطة، وجمِّد هذه العلاقة، لأن الكلام في الانترنت كثير من الناس يُجيد الكلام الجميل والكلام الرائع، وحتى الصورة لا تعطي الانطباع الحقيقي، فلا تغرنك بنات الهوى في الفيسبوك والتويتر، فإنهن حبائل الشيطان إلا ما رحم ربك.
ثانيًا: {وأتوا البيوت من أبوابها}.
عليك أن تأتي البيوت من أبوابها في الوقت المناسب، وبعد أن تتخذ الخطوات الصحيحة المناسبة، ولا ننصحك بالتواصل بهذه الطريقة، إذا أردت أن تتواصل، فعليك أن تتواصل بالرجال, وفي المواقع التي تستفيد منها، ولا تتسرع في هذه التجربة إلا بعد أن تدرس المسألة دراسة وافية، خاصة إمكانية قبول أسرتك لمثل ملابسات تعرفك على هذه الفتاة.
ثالثًا: "التقوى أساس البيوت السعيدة".
إن نجاح الحياة الزوجية، وإنشاء أسرة إسلامية سعيدة، يعتمد بالأساس على إقامة قواعدها على أرضية إيمانية صلبة وثابتة، تقوم على رضا الله والتزام شرع الله، ولهذا يستوجب تنظيم العلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة قبل الزواج، فيلتزم كلاهما بالضوابط والحدود الشرعية في الحوار والخطاب والتواصل، وأن يتم التعارف بينهما عن طريق الخطبة الشرعية وليس قبلها، ولا عبر برامج التواصل الاجتماعي كالفيسبوك مثلاً أو ما يشابهه من وسائل الانفتاح التواصلي بين الجنسين، والاحتكاك مع بعضهم البعض، فتلك علاقات مشبوهة تنشأ في الخفاء، بعيدًا عن رقابة الآباء والأمهات، وبعيدًا عن المتابعة الأسرية والقانونية، إضافة لما تتضمنه من تنازلات وتجاوزات مخلة بالأخلاق، والقيم الدينية والاجتماعية، باسم الإعجاب أحيانًا وباسم الحب والتعبير عن مكنونات القلب أحيانًا أخرى، مما يعرِّض الاثنين لرياح الفتن، ويوقعهما في حبائل الشيطان وغوايته، ويزين لهما الباطل ويهوِّنه، حتى يوقعهما في مفاسد عظيمة، فعليك – أخي الحبيب – أن تعُد إلى العشرة قبل أخذ أي قرار مع هذه الفتاة!!!.
رابعًا: "تب إلى الله واستغفره".
الواجب عليك وعليها التوبة إلى الله تعالى مما كان منكما من تعدٍ لحدود الله، ويكون ذلك بالإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العود، والندم على ما فات، ولعل هذا قد حصل منك، وليتك تنصحها ما دامت قريبة لك، بأن تترك وتنزع من تواصلها مع الآخرين، وبين لها أن في هذا خسارة سمعتها، والإخلال بمكانة أسرتها الاجتماعية، وقل لها: هذه آخر تواصل بيني وبينك، وأنصحك بأن زواجك مقدر، وزوجك مكتوب لك في اللوح المحفوظ، ولن يأتي إلا بتقدير الله وإذنه، فلا تطلبي رزق الله بما يغضب الله، وما عليك إلا التوجه إلى الله بالدعاء، أن يرزقك الزوج الصالح التقي العفيف الشريف.
خامسًا: "كن ذا حزم وعزم".
قدِّر الأمر بميزان الشرع، مع تنحية العاطفة جانباً؛ فالتعامل بعاطفة مع الجنس الناعم بدون ضوابط شرعية يؤدي إلى مالا تحمد عقباه، إن كنت راغبًا بالزواج بها، فاذهب إلى أهلها واطلبها من وليها، وإن كنت لا ترغب بها زوجة لك فدعها، وإياك من التواصل معها بأي حجة كانت.
وفقني الله وإياك لما فيه رضاه.