30 ذو الحجه 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيوخنا الكرام: أنا متزوج منذ 12 سنة، ولي ثلاثة أولاد: ولد 12 سنة، وبنت 10 سنوات، وولد 3 سنوات، وزوجتي حامل بالرابع، ولكننا نتشاجر كثيرًا، والأمور تتطور إلى مشاكل أكبر، وفترات تباعد أكثر، فأصبحنا لا نتكلم مع بعض إلا نادرًا، وأصبح الكره موجود بيننا، وحاولنا كثيرًا مشاركة أهلها في حلِّ مشاكلنا، ولكنهم كانوا يضغطون عليَّ لأصلح حالي مع ابنتهم، وأكون أكثر رحمة بها.
أما ملاحظاتي على زوجتي:
1- التقصير الدائم في تحضير الطعام.
2- وظيفتها لا أرغب بها، وقد قال أبوها لي بالحرف الواحد: " إما الوظيفة أو الطلاق ".
3- أصبحت ترى نفسها علي، وخاصة عند خروجنا من بلدنا سوريا، ولجوئنا لدولة مصر، ومعاناتي كثيرًا من الأمور المادية، وطبعًا أنا لا أطلب من أحد مساعدة، ولكن أهل زوجتي يساعدون زوجتي ماديًا، ويضغطون علي بذلك، وأنا أريد أن تفهم زوجتي، أن هذا ما كتبه الله لنا من رزق، ولا يمكنني أن أقدم أكثر من ذلك.
4- أهل زوجتي يقفون بصفِّ ابنتهم، وهم يعلمون أنها مقصرة معي، ولكن التقصير المادي يغلب أي تقصير لها، وقد كلمني والد زوجتي من يومين، وطلب مني التسريح بإحسان، وهذه المرة الثانية الذي يطلب مني طلاقها، ومن خلال خبرتي معهم 12 سنة، فأنا متأكد أنهم سوف يتركون الأولاد لي، وسوف يرسلوا لي الطفل الجديد بمجرد ولادته حتى لا تراه أمه، هكذا هي عائلة زوجتي المحترمة.
هناك فقرة أنا قرأتها في موقعكم، في الأحوال التي يباح فيها للمرأة طلب الطلاق: " إذا وجدت في نفسها نفرة منه، وبغضاً شديداً في قلبها، ولو لم تعرف سبب ذلك؛ فإنها معذورة في طلب الطلاق، وفي مثل هذه الحالة يقول ابن جبرين رحمه الله: وفي هذه الحالة يستحب لزوجها أن يطلقها؛ إذا رأى منها عدم التحمل والصبر، بحيث يعوزها ذلك إلى الافتداء والخلع، فإن في طلبها الطلاق تفريجًا لما هي فيه من الكربات، ولا إثم عليها في ذلك." وهذا ينطبق على حالنا كثيرًا.
من أهم مشاكل زوجتي أنني لا أستطيع أن أمنعها من الخروج، سواء لعند صديقاتها أو لعند أختها، وإذا منعتها كان خيار الطلاق هو الحل، وطبعًا أهل زوجتي مع هذا الخيار، فأنا لا يمكنني أن أمنعها من الخروج إلا بالحسنى، ولا يمكنني أن أمنعها من الوظيفة لأنني وافقت عليها من الأول، ولا يمكنني أن أطلب الاعتناء بي، لأنها ترى أنني لا ألبي رغباتها، لأنها تقارن بيني وبين صديقاتها، وأزواجهم وكيف يعيشون، وترى نفسها علي، وكيف أبوها زوَّجها من شخص مثل حالتي، أنا لم أدخل أهلي في مشاكلي الزوجية، لأني أعرف وجهة نظرهم في زوجتي، والتي ترى نفسها عليهم، ويكفيهم مشاكلهم في الظروف الحالية في سورية عمومًا، أنا في حيرة، أفكر أحيانًا بطلاقها، لأنها ترى نفسها علي، وأكيد أهلها نفس الشيء، ولأن المشاكل تجيب الفقر والنكد وعدم الاستقرار، وأحيانًا أتراجع عن ذلك من أجل الأولاد، ومن أجل مؤخر الصداق.
حالتي يرثى لها، فنحن في الغربة، ويمكن أن يحدث لنا مفاجآت كثيرة، ناهيكم عن وظيفتي الجديدة، والتي أحاول بكل جهدي أن أنجح فيها، وأنا خائف على أولادي من الضياع، وواضح أن زوجتي وأهل زوجتي غير مكترثين، فما نصيحتكم لي، جزاكم الله خيرًا

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك تعاني من نشوز زوجتك وتعاليها عليك بمالها ووظيفتها ووضع أهلها الاقتصادي، وكونها مقصرة في شئون بيتها، وحسن تبعلها لزوجها، وعدم الاكتراث بك وبأولادها، وأنها تقدم وظيفتها على كل شئ، ولو كانت النتيجة التضحية ببيت الزوجية، وأنت تفكر جديًا بطلاقها، ولكنك تتراجع خوفًا من ضياع الأولاد، وثقل مبلغ مؤخر الصداق، خاصة وكونك تمر بظروف اقتصادية صعبة، وتطلب من إخوانك في موقع المسلم المشورة والنصيحة، فحياك الله وبياك، وإليك نصيحتنا من خلال النقاط الآتية:
أولاً: قال الله تعالى: " كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ".
وظيفة زوجتك ومالها أطغاها، وضعف مواردك المالية في غربتك أشقاها، واختلاف مستوى عائلتها عن عائلتك قادها للتكبر عليك، أرى أن تجلس مع زوجتك جلسة صفاء ومودة، وتبين لها أخطاءها وتجاوزاتها عليك، ووضح لها خطورة الكبر في الدنيا والآخرة، قل لها: المتكبر يوم القيامة يحشر صغيراً كأمثال الذر تدوسه الأقدام، والمتكبر مبغوض عند الناس، كما أنه مبغوض عند الله تعالى، والناس يحبون المتواضع السمح اللين الهين، ويبغضون الغليظ والشديد، الإنسان خرج من مخرج بين البول والغائط، أوله نطفة قذرة، وآخره جيفة نتنة، وأنه بين ذلك يحمل العذرة، ففيم الكبر!!.
ثانيًا: " عالج نشوزها بالعلاج القرآني ".
قال الله تعالى: " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا " النساء: 34.
الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن، بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل، وبما أعطوهن من المهور والنفقات، فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن، مطيعات لله تعالى ولأزواجهن، حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه، واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم، فانصحوهن بالكلمة الطيبة، فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة، فاهجروهن في الفراش، ولا تقربوهن، فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن، فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه، فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن، فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.
ثالثًا: في حالة استمرار المعاناة فابحث عن وسيط خير يحبك وترجو فيه الخير تثق فيه وفي دينه واثره، واجعله يتواصل مع أهلها ويبين لهم موقفك، لعل الله ييسر على يديه
رابعًا: " همسة في أذنك ".
راجع نفسك ولا تلق بكل اللوم والخطأ على زوجتك ولكن ابحث في نفسك وأخطائك وواجباتك وتحمل مسئولياتك قبل أن تسأل عن حقوقك وأخشى أن تكون أنت السبب في المشاكل، خاصة وكونك تمر بظروف مادية صعبة، ترشح تلك الضغوط النفسية الداخلية فيك، وأنت لا تشعر فتتلفظ بألفاظ تثير حفيظة زوجتك، وتلهب مشاعر الغضب في نفسيتها، فترد عليك كبرًا وعنادًا، ولو أنك حاولت تغيير أسلوبك كحل من الحلول التي بيدك، ولا تقصر بتقديم هدية مناسبة، أو أخذها إلى مكان يريحها، أو منتزه جميل تتنفسون فيه هواء عليلاً، وجلسة مريحة.
خامسًا: " ادع لها بالهداية ".
استعن بالله على زوجتك، ادع الله أن يهديها لك، وأن يسهل طباعها وأخلاقها، وأن يجعلها هينة لينة طيِّعة لك، فقلب زوجتك بيد الله يصرفه حيث يشاء، توجه إلى الله ولن يخزيك الله أبدًا، فلا تنس أبدًا أنها زوجتك وأم ولدك، ولا تقل ليست مهتمة بأولادها، وغير حريصة عليهم، فهذا لا يمكن أبدًا، فالأم تفني نفسها أمام أولادها، والإسلام وضع القوامة بيد الرجل لسعة صدره، ورجاحة عقله، وقوة تحمله، وبُعْد نظره، والزوجة جننها بتجن، وكننها بتكن كما يقال في المثل عند السوريين.
أصلح الله لك خلق زوجتك، وهداها لك وهداك لها، وفرج عن الشام وأهل الشام الكربة والمحنة.