بعد وقوع المحذور وتفاقمه!!
6 رجب 1435
د. عامر الهوشان

تزداد يوما بعد يوم ظاهرة اضطهاد المسلمين وضوحا من قبل العدو القديم الجديد "اليهود والصليبية الجديدة" , ومع تفجر هذه العداوة وكثافتها في الآونة الأخيرة , عبر محاولة استئصال المسلمين من أهل السنة – وليس اضطهادهم فحسب – في كثير من دول القارة الآسيوية والإفريقية , كان من المفترض أن ينتقل المسلمون من مخاطر الاستمرار بالانفعال وردة الفعل الآنية المختفية تدريجيا , إلى الفعل المبني على التخطيط والتنظيم بكيفية مواجهة هذا الخطر الداهم , أو على الأٌقل لمواجهة آثاره ونتائجه المتوقعة .
وعلى الرغم من أن مواجهة هذا العدو المتربص بنا منذ قرون ليست بالمستحيلة , ولا تحتاج إلا لإرادة قوية في العودة إلى التمسك بمصدر قوتنا وعزتنا "الإسلام" , إلا أن الهزيمة النفسية التي رافقت الأجيال العربية والإسلامية عبر كثير من الإحباطات والهزائم العسكرية والثقافية والعلمية والإعلامية , جعلت من هذه المواجهة شبه مستحيلة , على الأقل ما دام المسلمون على حالهم من الفرقة والاختلاف والتبعية وعدم التمسك بالهوية الإسلامية .
فإذا كان الأمر كذلك ...فلا أقل من مواجهة آثار ذلك العدوان الصارخ على أبناء هذه الأمة , من خلال نهوض المؤسسات الإنسانية والإغائية الإسلامية بتحمل مسؤولياتها تجاه ملايين المسلمين المشردين والمهجرين من ديارهم وأوطانهم .
لقد كانت إجابات هذه المؤسسات متواضعة جدا على المستوى النظري والعملي أمام امتحان الكوارث والأزمات التي حلت بكثير من بلدان المسلمين , سواء في الشرق الأوسط "سورية والعراق وفلسطين" , أو في القارة الإفريقية "إفريقيا الوسطى" أو غيرها , بالمقارنة مع إجابات وسلوك المؤسسات الدولية وغير الإسلامية التي ما زالت تصول وتجول بمخيمات المهجرين والمشردين , تنشر فيهم الفكر الباطل بعد أن نشرت في ديارهم الحرب والقتل والدمار .
نعم ..هذه هي طبيعة تحركات المسلمين إزاء الكوارث التي تنزل بأبناء الأمة تباعا من أقصى الشرق إلى إفريقيا الوسطى , فهي غالبا ما تأتي بعد فوات أوانها , أو على الأقل بعد تفاقم نتائج الكارثة وآثارها , والتي كان من الممكن أن لا تقع أصلا لو كانت الدول العربية والإسلامية على غير ما هي عليه الآن , بل كان من الممكن - على الأقل - تخفيف تلك الآثار والنتائج الكارثية لو كانت مؤسساتنا الإغاثية والإنسانية أكثر تنظيما وفاعلية .
وكمثال على ما سلف يأتي خبر إنشاء تحالف لنصرة مسلمي إفريقيا الوسطى , والذي يضم إلى اللحظة 16 جمعية بينها المؤسسة من أجل البحث والتعليم حول الصحة من الجزائر , حسب ما صرح به الدكتور "فوزي أوصديق" الذي كان في زيارة رسمية إلى العاصمة التشادية أنجمينا بين 21 و26 أبريل الماضي ، حيث شارك - كرئيس للمنتدى الإسلامي للقانون الدولي الإنساني - إلى جانب جمعيات إنسانية ، من أجل إنشاء تحالف لنصرة مسلمي إفريقيا الوسطى .
وبعيدا عن مرويات "أوصديق" عن الأهوال والمجازر المروعة التي ارتكبتها المليشيات المسيحية "أنتي بلاكا" بمسلمي إفريقيا الوسطى حسب ما سمعها من اللاجئين الفارين والتي تقشعرّ لها الأبدان , من القتل بأبشع الصور على الهوية أو الاسم الإسلامي أو سمة الصلاة التي تكون على الجبهة , ومن حالات الاغتصاب وتدمير البيوت , ومن مسير الفارين عدة أشهر على الأقدام فرارا من هذا الجحيم , كل ذلك بمباركة من الكنيسة وبسكوت فرنسي مشين .
فإن الذي يعنينا هو نجاح هذا التحالف الجديد رغم تأخره عن وقوع الكارثة التي حلت بمسلمي إفريقيا الوسطى منذ شهور , والأمل بأن تدعمه الدول الإسلامية لمساعدته بالنهوض بحاجات اللاجئين الإنسانية والغذائية والتعليمية والصحية الجسدية والنفسية .
وعلى الرغم من دعوة "أوصديق" وكذلك الجمعيات والمنظمات الإسلامية المجتمعة في "نجامينا" في بيانها الختامي ، المؤسسات الحقوقية والإنسانية والأحرار والقيادات في الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا ، للتدخل سريعا من أجل إنقاذ الذين يقتلون على الهوية في جمهورية إفريقيا الوسطى , حفاظا على التعايش السلمي والنسيج الاجتماعي والاستقرار وحقنا لدماء الأبرياء , فإن التجربة تؤكد أن أمثال هذه الدعوة لا تجدي نفعا دون ضغوط حقيقية اقتصادية أو سياسية إن لم نقل "عسكرية" .
وأخيرا ليس المهم أن ننشأ التحالفات لنصرة مسلمي إفريقيا الوسطى أو غيرهم إلعاميا وشكليا فحسب , ولكن المهم أن نفعل أمثال هذه المؤسسات على أرض الواقع , ويرى آثارها الإغائية والإنسانية والتعليمية الجميع , ليشعر المسلم الذي أخرج من بلده ووطنه أن جميع بلاد المسلمين هي بلده ووطنه , وأن جميع المسلمين هم أهله وإخوانه .