أنت هنا

الطريق الممهدة للمالكي مجدداً لحكم العراق
24 رجب 1435
موقع المسلم

توجه انتقادات للولايات المتحدة خصوصاً والغرب عموماً بأنه ترك ليبيا من دون أن يبني مؤسساتها بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، وقد وجه مثل هذا الانتقاد عديدون من المتنفذين في دول عربية، من ذوي القناعات الغربية وإن ظل معظمهم ينتقدون "إهمال" الغرب في معالجة الملف الأمني دون التوقف طويلاً عند الملف السياسي وبناء المؤسسات المدنية. لكن حتى أولئك الليبراليون الذين يعيبون على الناتو عدم إكمال مهمته حتى يبني مؤسسات منتخبة في ليبيا لا يتجشمون مشقة الإجابة عن سؤال منطقي يقول: ومتى كان الغرب حريصاً على الديمقراطية وبناء مؤسسات منتخبة في بلد احتله أو بالتعبير الرشيق "تدخل" فيه؟!

إن أوضح مثال للاحتلال الغربي لبلد في العقود القليلة الماضية كان العراق، والذي بقيت فيه قوات أمريكية حتى "اكتملت" مؤسسات الدولة ثم لم نجدها تعبر عن إرادة الشعب العراقي ولا تجسد طموحاته ولا تمثل مكوناته تمثيلاً حقيقياً؛ فبعد 11 عاماً من الغزو الأمريكي، هاهو نوري المالكي يستعد لولاية ثالثة بعد واحدة من كبريات عمليات التزوير التي شهدها العراق في الحقبة الأمريكية.

والتزوير الذي تحدثت عنه منظمات حقوقية عراقية كـ"شمس" وغيرها باستفاضة، لا يمثل سوى غيض من فيض كبير من ممارسات طائفية خارجية تصادر رأي القطاع الأكبر من الشعب العراقي؛ فكل انتخابات تجرى في العراق تزيد تمثيل الطائفة الشيعية وتقضم من حظوظ الغالبية السنية ليس نتاج عملية انتخابية حقيقية، وإنما حزمة من الإجراءات تؤدي شيئاً فشيئاً إلى تقليص نفوذ الأكثرية؛ فالبداية نفذتها الولايات المتحدة ذاتها، حينما تلاعبت بالنسب الحقيقية للشعب العراقي، وشرعت في بناء الدولة على أسس مغلوطة رسختها مع إنشاء مجلس الحكم قبل مسرحيات الانتخابات، ثم عطفت على ذلك بالتلاعب بالنسب التمثيلية للمناطق وحظ كل كتلة سكانية من مقاعد البرلمان؛ فبالغت في منح مقاعد تمثيلية لمناطق شيعية خالصة كالنجف وكربلاء على حساب تقليص واضح لحظوظ مناطق كالفلوجة والرمادي.. وهكذا.

ثم منحت المناصب التأثيرية للميليشيات الموالية لواشنطن وطهران في الجيش والشرطة والاستخبارات وغيرها من المؤسسات النافذة، والتي كان معظمها للطائفة الشيعية، وغضت الطرف عن مجازر ممتدة أفقياً ورأسياً حصدت رؤوس السياسيين والعسكريين والأكاديميين السنة، وساهمت في تهجير قطاعات سكانية من مدن استراتيجية كالعاصمة بغداد والمناطق المحيطة بمنابع النفط، وتوالت جرائمها حتى كانت نتائج الانتخابات مثلما نراها الآن، تفضي إلى غالبية كاسحة لأقلية نافذة جداً، وانتهى بها الحال إلى جرائم تزوير واسعة النطاق، خجلت وزارة المالكي في ارتكابها في المرة السابقة، وشجعتها اليد الأمريكية الحانية على الديكتاتوريات في المنطقة على الطمع في ممارسات تزويرية سافرة.

والذين يرددون اليوم: لماذا لم يبق الناتو في ليبيا حتى يتم بناء مؤسسات ديمقراطية يتجاهلون عمداً الاستراتيجية الغربية الاحتلالية في عالمنا العربي منذ أكثر من مائتي عام، ويتعامون عن أن بريطانيا وفرنسا كانتا تحتلان معظم عالمنا العربي لعشرات السنين، ثم لم ينتج لا احتلالهما لتلك الدول، ولا ما قيل عن استقلالها لاحقاً أي نظام ديمقراطي حقيقي.. ببساطة لأن الغرب يريدنا دوماً هكذا؛ فلا هو ينفذ ولا هو يسعى ولا هو يضغط، بل العكس تماماً.. هو حريص على أن تظل الديكتاتورية هي السائدة في عالمنا العربي ليسهل قياده.