9 ذو القعدة 1436

السؤال

أنا متزوج منذ 14 سنة، ولي 3 أبناء، أشكو من أنانية زوجتي المفرطة والواضحة في كل تصرفاتها، فهي لا تهتم إلا بنفسها واحتياجاتها، وتهملني أنا والبيت، ولكنها تهتم بعض الشيء بالأولاد، وتقف كثيرًا ضد طموحاتي وأحلامي، حيث أنني أعمل بمركز مرموق، وأكمل دراستي كي أحصل على درجة علمية تؤهلني إلى مركز أعلى، ولكنها لا ترغب في ذلك، حاولت معها كثيرًا دون جدوى، حدثت بيننا العديد من المشاكل وصلت إلى حدِّ الطلاق، وأتوقف عن إنجازه من أجل الأولاد، أعطيتها كل الفرص الممكنة، وحاولت أن أتقرب وأتودد لها حتى تهتدي وتفكر بي وببيتها دون أي جدوى، حتى وصل بي الأمر أنني فعلا لا أطيق الحياة معها، وأرغب في الانفصال عنها، وأن أبدأ حياتي من جديد مع غيرها من النساء، تفهمني وتقدر مشاعري، وتقدس الحياة الزوجية، ولكنى قلق جدًا.
فما رأي الدين في مشكلتي ؟!. مع العلم أني لا أستطيع الحياة معها، وأعتزلها الآن، وأنام في غرفة الجلوس. أرجو الرد في أسرع وقت. جزاكم الله عنا خير الجزاء.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك تعاني من نشوز في زوجتك، وعدم ارتياح تام لتصرفاتها، ولا تجد فيها الولاء الكامل لك ولبيتها وأولادها، تقف عائقًا دون وصولك لطموحاتك وأحلامك، لا تعينك على إكمال دراساتك العليا، كي تصل إلى مركز أعلى، ووضع أحسن، وعيشة أفضل، وصل الحد بك إلى درجة مفارقتها بالطلاق، ولولا وجود أولاد لك منها لطلقتها، وأنت حاليًا معتزل لغرفة النوم، وتنام لوحدك في غرفة الجلوس، وتود من إخوتك في موقع المسلم مساعدتك في إيجاد حل لمشكلتك، أبشر أخي بما يسرك، ويريح قلبك وذهنك، فما عليك إلا أن تتبع النصائح والتوجيهات الآتية:
أولاً: " خلقت المرأة من ضلع أعوج ".
ليس العوجُ في الحديث مرادًا به الفساد في طبيعة المرأة؛ لأنَّ عوجَها هذا هو صلاحُها لأداء مهمتها، فالمرأة من وظائفها أن تتعاملَ مع الأطفال، والأطفال في حاجةِ إلى الحنان والانعطاف الشديد، وليسوا في حاجةٍ إلى التعامُل معهم تعاملاً عقليًّا، أو يغلب عليه العقل، بل هم في حاجةٍ إلى تعامُلٍ تغلب فيه العاطفة على العقل، حتى يمكنَ أن يكونَ احتمالُ القَذَر ومشقات السَّهْر والبكاء، والبحث عن راحة الطِّفل بين متاعبه، التي لا يُعرَف لها سببٌ أحيانًا.
ولهذا أخي الفاضل أنصحك بالصبر على زوجتك، وشريكة حياتك، وأم أولادك، وأطل لحظات اللقاء العاطفي معها، عاملها معاملة طيبة، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، وكل امرأة فيها وفيها، والكمال لله وحده، وأطمئنك وعن تجربة وخبرة لن تجد امرأة كاملة الأوصاف، خالية العيوب، مهما بحثت ونقبت، تأمَّل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها" رواه مسلم.
"لن تستقيم لك على طريقة" فينبغي للزوج أن يتساهل ويتغاضى عن كل ما تفعله الزوجة إذا كان لا يخل بالدين أو الشرف.
ثانيًا: لا تخلو امرأة من محاسن ومن عيوب.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" رواه مسلم.
الفرك: هو البغضاء والعداوة، يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجة مثلاً، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق، وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، فلا يفرك مؤمن مؤمنة يعني لا يبغضها لأخلاقها، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر، إذا أساءت مثلاً في ردها عليك مرة، لكنها أحسنت إليك مرات، وإن أساءت ليلة لكنها أحسنت ليالي، وإن أساءت في معاملة الأولاد مرة لكن أحسنت كثيرًا.
عامل زوجتك باللين، اجلس معها، ووسع صدرك لها، اسمع وجهة نظرها، قل لها: إن نجاحك نجاح للأسرة بأكملها، ووصولك لمركز أرقى سعادة لك ولها، ولكن بأسلوب رفيق، وكلمات حانية، فالرجل بيده هدوء عائلته، وبيده اضطرابها، وسعادتك في حديقة بيتك، فلا تبحث عنها في بيوت الآخرين، ولا تغتر بما يظهره الآخرون من سعادة ومودة وراحة، فكل واحد فيه ما يكفيه، وكل بيت صندوق مغلق لا يُدرى ما بداخله، أتى رجل إلى عمر - رضي الله عنه -يشكو زوجته لتطاولها عليه، فسمع زوجة عمر تستطيل عليه بلسانها، فتركه وانصرف، فناداه عمر فلما رجع سأله: فيم جئت؟ ولم انصرفت؟. قال: جئت أشكو إليك استطالة زوجتي عليَّ فسمعت زوجتك تستطيل عليك!. قال عمر: "تحمَّلتُها لحقوق لها عليّ، فإنها طبَّاخة لطعامي، وخبَّازة لخبزي، وغسَّالة لثيابي، ومرضعة لولدي، وذلك ليس بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام. قال الرجل: وكذلك زوجتي!. قال عمر: تحمَّلها إذًا يا أخي!!.
ثالثًا: الهجر يكون في المضجع.
الهجر في المضاجع لا يتحقق بهجر المضجع نفسه وهو الفراش، ولا بهجر الحجرة التي يكون فيها الاضطجاع، وإنما يتحقق بهجر في الفراش نفسه، وتعمد هجر الفراش أو الحجرة زيادة في العقوبة لم يأذن بها الله تعالى، وربما يكون سببا لزيادة الجفوة، وفي الهجر في المضجع نفسه معنى لا يتحقق بهجر المضجع، أو البيت الذي هو فيه; لأن الاجتماع في المضجع هو الذي يهيج شعور الزوجية، فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر، ويزول اضطرابهما الذي أثارته الحوادث من قبل ذلك، فإذا هجر الرجل المرأة، وأعرض عنها، في هذه الحالة رجي أن يدعوها ذلك الشعور والسكون النفسي إلى سؤاله عن السبب، فنومك أخي في غرفة الجلوس، وترك النوم في فراش الزوجية ليس حلًا، وإنما نم في فراش الزوجية، واهجرها في الفراش ذاته، فالمقصود الحقيقي من الهجر يتحقق بهذه الصورة.
رابعًا: هلا استعنت بأهل الصلاح والتقى من حولك.
مجتمعنا الإسلامي لا يخلو من أهل الصلاح والنصح، فلو استعنت بهم في نصيحة زوجتك، ويكون ذلك بطريقة غير مباشرة، كأن ترسل لها أختًا داعية مشفقة، تجلس معها عدة مرات، حتى تطمئن لها، ثم تبدأ قليلًا قليلًا بنصيحتها وتوجيهها، وإن وجدت الداعية المشفقة من أهلها وقرابتها فهو أنجح وأحسن، أرسل لها على جوالها مقاطع هادفة وموجهة، اطلب من الصالحين الدعاء لك براحة البال وصلاح العيال، اجلس قبل الفجر بساعة، ثم توضَّأ وأحسن الوضوء، ثم توجَّه إلى الله بالدعاء أن يصلح لك النية والذرية، وأن يريح قلبك ويثلج صدرك بمودة زوجتك لك.
والله أسأل أن يغمرك بسعادة الدارين، فهو ولي ذلك والقادر عليه.