قصص في سجون الطواغيت
18 شعبان 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

لا يعرف الطغاة والمستبدون طريقة لاستمرار حكمهم إلا طريقة الحديد والنار والظلم والاضطهاد , فهم بعيدون كل البعد عن نور العلم والعقل والحجة والبرهان , ولا سبيل لهم في مواجهة الحق إلا القتل والتعذيب والزج بالمخالفين في غياهب السجون .
ولا يقتصر المصير المحتوم "السجن" للمخالفين والمعارضين السياسيين في ظل حكم المستبدين , وإنما يطال كل شخص يمكن أن يشكل خطرا على استمرار نهج التجهيل والتفقير والتفسيق للمجتمع , والذي من خلاله يستطيعون الاستمرار في الحكم , فالعلم أعدى عدو لاستمرار حكم الطواغيت , ولذلك فهم يحاربون العلم والعلماء والمصلحين والعباقرة والمخترعين , فازدياد هؤلاء يشكل في الحقيقة المؤشر الأبرز لزوال حكمهم وانتهاء جبروتهم .
ولعل من أبشع صور الاستبداد والطغيان الحديثة المعاصرة , إبراز مواهب موهومة لشخص الحاكم بالإضافة لأبنائه وعائلته , سواء في الزراعة أو الصناعة أو التجارة أو الرياضة أو الفن أو أي ميدان آخر , فالحاكم ليس هو السياسي المخضرم فحسب , بل هو المزارع الأول كذلك , والرياضي الموهوب , والصناعي البارع , والتاجر المحنك , وكذلك أبناؤه وعائلته .
فإذا ما ظهر أحد ينافس أحد أفراد عائلة الطاغية أو يسبقه ويتفوق عليه , فالويل كل الويل له , فالموت بانتظاره لا محالة , وإن لم يكن فالسجن هو المصير المحتوم لأمثال هؤلاء , فلا ينبغي في ظل حكم الطواغيت أن يظهر أو يتفوق أحد على الأسرة الحاكمة , لأنه بكل بساطة سيرفع من حالة القداسة التي يحيطون بها أنفسهم , وسينزع منها بعض صفات الألوهية – والعياذ بالله – التي يحاولون بثها في نفوس الناس .
ولعل هذا ما حصل مع "عدنان قصار" الذي لم ير نور الشمس منذ 21 عاماً , وهو تحت الظلام في سجون عائلة الأسد في سورية ، لمجرد أنه تفوق على باسل الأسد - الابن الأكبر لحافظ الأسد والأخ الأكبر لبشار الذي أعيد انتخابه رئيسا في 3 يونيو الحالي - في سباق الخيل والفروسية .
وتجمع جميع المصادر على أن سبب سجن عدنان قصار هو تفوقه وفوزه على باسل الأسد في أحد سباقات الخيل , و قد تم اعتقاله عام 1993م ، و زُجّ به في سجن صيدنايا العسكري , وبعد وفاة باسل الأسد في العام 1994، قام سجانوه بإخراجه من زنزانته ، والاعتداء عليه بالضرب بشكل وحشي ، من دون أن يعلم "قصار" سبب هذا الاعتداء .
لم يكن مستغربا أن يتم اعتقال "القصار" طوال تلك الفترة – 21 عاما - دون توجيه أي تهمة محددة إليه – اللهم إلا تهمة حيازته على متفجرات ومحاولة اغتيال باسل التي لفقت له بعد سجنه - فهذا هو شأن الأنظمة الاستبدادية على مر التاريخ , فلا حاجة لتهمة من أجل الزج بأي إنسان لا يروق للسلطة الحاكمة في السجن , وإن لم تكن هناك تهمة فمن السهولة بمكان تلفيق التهم للأبرياء .
كما أن فشل كافة الجهود الحقوقية الدولية والمحلية لدى بشار الأسد خلال السنوات الماضية لإطلاق سراحه لم يكن جديدا , فلا مكان لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان في قاموس ودساتير أنظمة الطواغيت .
وتشير بعض المصادر أن العلاقة بين باسل والقصار بدأت تسوء قبل عام من الحادثة ، حيث أخطأ باسل في الجولة النهائية من الدورة العربية ، قبل أن يختتم القصار الجولة بدون أخطاء ويساهم في فوز المنتخب ، ما أثار حفيظة وغيرة باسل الأسد .
وقد نقل ناشطون عن شهود عيان في تلك الأيام ، أن باسل الأسد أرسل إلى القصار رسالة جاء فيها : " لولا الخبز والملح لأمرت بإعدامك بساحة العباسيين لكنني سأعفو عن إعدامك وسأكتفي بسجنك ".
هذا هو منطق الطغاة والمستبدين , وهذه هي اللغة التي يتعاملون بها مع الآخرين , وهي نفس لغة ومنطق اليهود , الذين يعتبرون أنفسهم أبناء الله وأحباؤه , وأنهم شعب الله المختار , فالتفوق عليهم خط أحمر لا ينبغي تجاوزه أبدا , والاقتراب من عظمتهم وقدسيتهم - التي يحاولون ترسيخها في نفوس الناس – يعني الاقتراب من الموت أو السجن المؤبد .
لقد أكد عروة قنواتي الناطق الرسمي في الهيئة العامة للرياضة والشباب بسوريا ، خبر إطلاق سراح الفارس الذهبي السوري "عدنان قصار" , بطل دورة البلقان في عام 1991م ، والحائز على عدة بطولات وجوائز في رياضة الفروسية ، وكابتن المنتخب السوري للفروسية .
ولعل من المضحكات المبكيات بنفس الوقت أن يتم سجن "القصار" بأمر من باسل دون أي تهمة أو محاكمة , ثم يطلق سراحه بعد 21 عاما بمرسوم عفو من بشار , والذي أصدره في 9 حزيران يونيو الحالي , والذي يشمل للمرة الأولى المتهمين بارتكاب جرائم ينصّ عليها قانون الإرهاب ، الصادر في يوليو 2012 م .
هذه قصة واحدة من آلاف القصص التي قد تظهر للناس فيما بعد , أو تدفن مع أصحابها في غياهب السجون وظلام المعتقلات , وما خفي كان أعظم وأفظع , قصص تؤكد فداحة الثمن المدفوع جراء السكوت على حكم الظالمين والمستبدين , وتشير إلى نوعية القابعين في سجون الأنظمة الاستبدادية , من العلماء والمفكرين والدعاة والمصلحين والموهوبين .
وعلى الرغم من تشكيك البعض بقصة القبطي مع ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه المشهورة, والذي تذكر تظلم القطبي لأمير المؤمنين عمر ضد ابن عمرو الذي صفعة لتفوقه عليه في سباق سبقه فيه , وكيف أنصفه أمير المؤمنين أيما إنصاف , فإن ذكر القصة في هذا المجال تشير إلى الهوة السحيقة بين عدل الإسلام وطغيان الأنظمة في هذا الزمان .