من أجل الخبز أم من أجل «تركيا الجديدة»؟
16 رمضان 1435
إسماعيل ياشا

المرشح المشترك لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية لرئاسة الجهورية في تركيا، أكمل الدين إحسان أوغلو، اختار لحملته الانتخابية شعار «من أجل الخبز.. أكمل الدين»، ويبدو في الوهلة الأولى أن هذا الشعار تم اختياره من أجل القافية الموجودة في بداية كلتا الكلمتين «أكمل» و «أكمك»، التي تعني الخبز في اللغة التركية.

 

الشعار أثار موجة من السخرية بين النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى قال بعضهم إنهم ظنوا أن هذا الشعار مجرد مزحة سخيفة، لأن تركيا لا تعاني من الشح في الخبز، ووقوف المواطنين في الطوابير لمدة ساعات للحصول على كمية محددة من الخبز كان في قديم الزمان، وبالتحديد في الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان يحكم تركيا حزب الشعب الجمهوري، وكانت آنذاك كمية الخبز التي يشتريها أحد أفراد العائلة بعد انتظار طويل في الطابور تسجل في بطاقة خاصة بالعائلة تسمى «أكمك كارتي» أي «بطاقة الخبز» لكي لا يشتروا كمية أخرى من محل آخر. وأعاد شعار إحسان أوغلو إلى الأذهان ذكريات تلك الأيام وصور المواطنين الذين ينتظرون في الطوابير لشراء الخبز، ولكن مثل هذه الصور اختفت تماما منذ سنوات، ولا يقف الناس اليوم في طوابير الخبز ولا في طوابير البنزين. هذا الشعار يتعارض مع تصريحات قادة المعارضة التركية ومرشحها بشأن مهمة رئيس الجمهورية وصلاحياته، لأنهم يقولون إن رئيس الجمهورية لا دخل له في السلطة التنفيذية، ويتهمون أردوغان بأنه يسعى لتحويل النظام من البرلماني إلى شبه الرئاسي. وكيف يعد إحسان أوغلو الناخبين بتوفير الخبز لهم وهو يرى أن منصب رئيس الجمهورية مجرد منصب فخري؟

 

رمز حملة إحسان أوغلو عبارة عن حقل من القمح على شكل خارطة تركيا، وهذا الاختيار أيضا لم يكن موفقا، لأن تركيا الآن بلد يصنع دبابات وطائرات وأسلحة وماكينات، ولا يعتمد اقتصادها على الزراعة. وإن كان المقصود من الرمز هو الوعد بالمزيد من الاهتمام بالزراعة والمزارعين فإن القطاع الزراعي في تركيا لا يعاني من الإهمال والتهميش.

 

الشعار الذي اختاره أكمل الدين إحسان أوغلو لحملته الانتخابية يعكس عن عقلية نخبوية بعيدة عن نبض الشارع وتطلعات الشعب وحقائق البلد، ومن الواضح أنه نتاج عقلية تظن أن المواطنين لا هم لهم غير الحصول على كسرة خبز، في الوقت الذي يتطلع فيه الشعب التركي إلى مزيد من الديمقراطية والرفاهية مع تعزيز حقوق الإنسان والحريات.

 

كان رئيس الجمهورية منذ تأسيس الجمهورية التركية يمثل إرادة النخبة العلمانية التي تسيطر على الدولة، وكانت مهمته الأولى هي الحفاظ على استمرارية تلك السيطرة والحد من تحقق الإرادة الشعبية. وهذه المعادلة تغيرت إلى حد كبير مع انتخاب عبدالله جول رئيسا للجمهورية، ولكن الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد أقل من شهر وسينتخب فيها الشعب التركي رئيس الجمهورية لأول مرة في تاريخ البلاد عبر صناديق الاقتراع، ستغيرها تماما لصالح الإرادة الشعبية.

 

الانتخابات الرئاسية يراها كثير من الناخبين جولة جديدة من معركة الحرية والكرامة التي يخوضها الشعب التركي منذ سنوات طويلة ضد الوصاية على الإرادة الشعبية، وبينما يعد إحسان أوغلو الناخبين في هذه الانتخابات بمزيد من الخبز، أعلن أردوغان يوم الجمعة الماضي برنامجه الانتخابي، وهو مبني على ثلاثة أهداف أساسية: ترسيخ الديمقراطية، ورفع مستوى الرفاهية، وأن تكون تركيا بين الدول الرائدة في العالم.

 

مرشح حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية أكمل الدين إحسان أوغلو يطلب من الناخبين أن يصوِّتوا له من أجل الحصول على مزيد من الخبز، دون أن يشرح لهم بأي برنامج اقتصادي سيحقق هذا الوعد. وفي المقابل، يقول لهم مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان إنه سيقوم بطي صفحات «تركيا القديمة» ليفتح صفحات «تركيا الجديدة» المتقدمة في شتى المجالات.

 

هل سيصوِّت الناخبون الأتراك في العاشر من أغسطس القادم لإحسان أوغلو من أجل الخبز أو لأردوغان من أجل «تركيا الجديدة»؟ استطلاعات الرأي والمؤشرات الأخرى تشير إلى الثاني، ولكن الجواب النهائي ستكشف عنه الصناديق وسنعرفه بعد فرز جميع الأصوات.

@ismail_yasa

 

المصدر/ العرب القطرية