
أعتذر للقراء الذين لا يستطيعون التقاط موجة الرسالة، فهي على تردد أفقي (24 - 48) وعمودي (2 - 26).
يا مشعل، الطاولة ليست مستوية, والحرب ليست مع اليهود هذه المرة، فحرب غزة عام 2014م مع تحالف قديم تأسس في السنة الخامسة من الهجرة بين المشركين واليهود والمنافقين، وما "إسرائيل" في الحرب إلا وكيل! فليس اليهود عدوكم الوحيد, ولا أنتم "حماس" فقط كما تزعمون! أنتم رأس حربة جهاد يريد التحالف كسرها كما اجتمع الأحزاب لاستئصال الإسلام بجيش كثيف على أطراف المدينة المنورة.
يا مشعل، لم يخدعكم "جون كيري" في رغبة "نتنياهو" إنهاء العدوان، كما رضخت بنو النضير لقرار إجلائهم بادئ الأمر بعد الخيانة بمحاولتهم قتل محمد صلى الله عليه وسلم تحت جدارهم، لكن عبدالله بن أبي بن سلول «حليفهم» شجعهم بقوله: «اثبتوا ونحن ننصركم على محمد وصحبه»، أعاد لهم الثقة فردّوا على مرسال محمد صلى الله عليه وسلم: «فافعل ما بدا لك»! أنا متأكد أن مفاوضيك سمعوا هذه الجملة بالقاهرة! ولعلمك فإن ابن سلول وعد بني النضير بدعمهم وتمويلهم بألف مقاتل لنصرتهم من 14 قرناً! ويبدو أن ملامح أحفاده لم تتغير عنه كثيراً.
ولما همَّ محمد صلى الله عليه وسلم بحصارهم لإخراجهم بالقوة ظن الصحابة لعلمهم بشوكة اليهود أنهم لن يخرجوا؛
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ {2}) (الحشر).
يا مشعل، لستم الوحيدين الذين منكم من يظن أنهم لن يفتحوا المعابر والميناء، حتى بني النضير أنفسهم كانوا يظنون أنهم مانعتهم حصونهم.
مفتاح طاولة المفاوضات مع بني النضير كان الرعب, وفي غزوة "الأحزاب" التي تشكل فيها تحالف حرب غزة قديماً بعشرة آلاف من المشركين والمنافقين وقبائل العرب منها غطفان، نكث بنو قريظة وخانوا المدينة ومزقوا الوثيقة وفتحوا أجواءهم ومعابرهم لتحالف الأحزاب! وبعدما خيَّب الله ظنهم بالريح المرسلة وتفكك التحالف، وارتحل الأحزاب، همَّ محمد صلى الله عليه وسلم بقتال بني قريظة، وكانوا ذوي شكيمة، لكنهم انهاروا بدون أي مقاومة، ونزلوا على حكم سعد بن معاذ, قال تعالى: (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً {26}) (الأحزاب).
في الحالتين لم تنجح مفاوضات، ولم ينكسروا إلا بالرعب الذي كان السبب في انهيار اليهود بدون مواجهة شاملة.. الرعب كان ومازال خاصرة رخوة مفاجأة للأحزاب والتحالف! فاليهود يقاتلونكم بسلاح المشركين ودعم المنافقين ولكنهم مرعوبون.
لا داعي للقلق بعدم نجاح الدبلوماسية في فك تحالف الأعداء أو الأشقاء! فقادة غطفان كانوا يفاوضون المدينة أثناء حصارها من قبل الأحزاب لخروجهم من التحالف مقابل ثلث ثمار المدينة، لم يستطع الصحابة إقناعهم أو النجاح بمفاوضتهم من 14 قرناً!
أما أهل غزة المخنوقة، فلا تحزنوا من ظلم ذوي القربى من المنافقين، فعبدالله بن أبي بن سلول (رأس المنافقين) خان محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه بتصريح قبل 14 قرناً في غزوة تبوك مفاده: «يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والبعد البعيد إلى ما لا طاقة له به، يحسب أن بني الأصفر معه اللعب؟ والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال».
والحقيقة أن شبيحة ابن سلول في غزوة "الأحزاب" أرحم من أحفاده في عام 2014م، فشبيحته في "الأحزاب" ملؤوا إعلام المدينة أثناء حفر الخندق بالإرجاف والتخذيل والاستهزاء فقط بقولهم: «يخبركم - أي محمد - أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى, وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا», على الأقل لم يردموا الخندق أو ينسفوا أطرافه أو مداخله ولم يغرقوه بالماء.
الأمر ليس بيد المنافقين, فهم لا شعورياً يحالفونهم خائفين، وهم متمسكون بوصية جدهم ابن سلول حين طالب الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يُحسن في مواليه (حلفائه) من يهود بني قينقاع بعد نكثهم العهد متحسراً عليهم بقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد منعوني الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة؟! إني امرئ أخشى الدوائر!» جدهم كان سياسة واضحة!
يا مشعل، أنتم على قلب رجل واحد, وهم وإن بدوا فريقاً واثقين على الطاولة العرجاء فإنهم مرتابون.
أبو سفيان في غزوة "الأحزاب" أول من شك في مصداقية بني قريظة الذين طلبوا من قريش وغطفان (الأحزاب) رهينة (أحد قادتهم) خوفاً من خيانتهم ورحيلهم عن المدينة المنورة وتركهم وحدهم!
فاليهود منذ 14 قرناً يعرفون أن المنافقين والحلفاء المشركين ليسوا ثقة وإن قدموا الدعم والمال!
و"نتنياهو" مؤمن بحقيقة حلفائه المنافقين, قال تعالى: (لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ {12}) (الحشر).
ببساطة.. "نتنياهو" يعرفهم تماماً في النكبة عام 1948م، وفي عام 1967م، وفي عام 1973م, كما يعرف أن صلابة مفاوض "حماس" على الطاولة المائلة ليست تمثيلاً!
يا مشعل، بالرعب هرب بنو النضير، وبالرعب انهارت بنو قريظة بدون مواجهة شاملة, وبالرعب سيفتحون المعابر والموانئ, ولقد صُدموا بأنفاقكم كما صُدمت الأحزاب بالخندق, وغزوة "الأحزاب" و"حرب غزة" كلتاهما حرب أعصاب, وفيهما بلغت القلوب الحناجر, والخوف الآن يضرب النخاع الشوكي لتل أبيب من الصواريخ ومن غزة السفلية, بما هو أشد من آلامكم.
وقد قال فوارس قريش في غزوة "الأحزاب عكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب عندما رأوا الخندق بعرض 6 أمتار وعمق 4 أمتار وطول ما يزيد على كيلومترين: "والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها".
إنهم مرعوبون من توسعة غزة السفلية شمالاً لتصل إلى أمعاء تل أبيب!
يا مشعل، إن إستراتيجية التحالف والأحزاب واحدة، ولهم نفس المنطلقات؛ "جون كيري"، و"أبو سفيان"، و"حيي بن أخطب"، و"جلعاد" (رئيس الاستخبارات)، و"عزام".. وهم وإن كانوا أقوياء بعلاقاتهم الدولية, لكنهم لا يملكون أي حل تجاه نقطة الضعف في إستراتيجيتهم وهي الخوف والرعب، ثم الانهيار المفاجئ في المعسكر اليهودي المدعوم والممول من حلفائهم الذين يدفعونهم دفعاً ﻻجتثاثكم، وإذعانكم! وما تندُّر "جون كيري" بانهيار نفسيات وضعف أداء الجيش "الإسرائيلي" إﻻ تأكيد لحقائق تاريخية.
أسأل الله أن يجيركم ويجير غزة من العدوان وظلم الجيران وتعدي وجرأة الخلان.. والعاقبة للمتقين.
المصدر/ المجتمع