
“المصارع الخاسر لا يشبع المصارعة”.. هكذا يقول المثل التركي، في إشارة إلى أن المنهزم يأمل انتصارا في جولات قادمة حتى ولو انهزم مرات عديدة. هذا المثل ينطبق تماما على زعماء الأحزاب المعارضة التركية الذين يصرون على البقاء في الرئاسة رغم سلسلة من الهزائم التي منيت بها أحزابهم في الانتخابات المختلفة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو تولى رئاسة حزبه بعد استقالة دنيز بايكال من الرئاسة إثر تفجر فضيحة جنسية تورط فيها، وهو جالس على كرسي الرئاسة منذ 22 مايو / أيار 2010. وفي عهده، خسر حزب الشعب الجمهوري في الاستفتاء الشعبي الذي أجري في 12 سبتمبر / أيلول 2010 وكان الحزب دعا فيه للتصويت بـ”لا” إلا أن 58 بالمائة من الناخبين صوَّتوا بـ”نعم” لصالح التعديلات الدستورية. وحصل حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 11 يونيو / حزيران 2012 على 25.91 بالمائة وفي الانتخابات المحلية الأخيرة التي أجريت في 30 مارس / آذار 2014 على 25.61 بالمائة. وفي كلتا الانتخابات حقق حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان فوزا واضحا لا غبار عليه، وحصل في الأولى على 49.90 بالمائة وفي الثانية على 43.39 بالمائة.
وفي الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم الأحد الماضي، حصل مرشح حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية أكمل الدين إحسان أوغلو على 38.44 بالمائة من الأصوات. وهذه النتيجة تعتبر هزيمة مدوية لكلا الحزبين، لأن موجوع الأصوات التي حصل عليها الحزبان قبل خمسة أشهر كان يتجاوز 43 بالمائة، ما يعني أن هناك تراجعا في التأييد الشعبي للحزبين، على الرغم من الدعم الواسع الذي قدمه 12 حزبا آخر وجماعة كولن ومجموعة “دوغان” الإعلامية لمرشح الحزبين.
عندما أعلن كليتشدار أوغلو ترشيح الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو لرئاسة الجمهورية ارتفعت في صفوف قادة الحزب وأعضائه أصوات تعارض هذا الترشيح بشدة، بحجة أن الرجل لا يمثل الحزب ولا يؤمن بمبادئه. وهؤلاء يدعون الآن كليتشدار أوغلو إلى أن يتحمل مسؤوليته في الهزيمة ويقدم استقالته من رئاسة الحزب، ولكن المتوقع أن يتجاهل رئيس حزب الشعب الجمهوري هذه الدعوات وأن يتمسك بكرسي الرئاسة.
رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي ليس في وضع أحسن من وضع كليتشدار أوغلو، وهو يتربع على كرسي الرئاسة منذ 6 يوليو / تموز 1997، وخلال حوالي 12 سنة خسر حزبه في أربع انتخابات برلمانية وأربع انتخابات محلية وفي استفتاء شعبي. وفي الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم الأحد الماضي أضاف باهتشلي الحلقة العاشرة لسلسلة خسائر حزبه بعد إعلان مرشح الحزب إحسان أوغلو اعترافه بالهزيمة. ومع ذلك، ليس من المتوقع أن يفكر باهتشلي في الاستقالة.
مجرد التفكير في تحمل المسؤولية وتقديم الاستقالة بعد الهزيمة في الانتخابات غير وارد في ثقافة الزعماء القدامى أمثال باهتشلي، ولكن هذا النوع من السياسة ولَّى عهده بلا رجعة، ولا أمل في نجاحه مهما تكررت الجولات، لأن الشعب التركي يريد أن يرى الآن زعماء يتحملون مسؤولية الهزيمة الانتخابية ويقدمون الاستقالة ليفتحوا الطريق أمام آخرين، كما يفعل الزعماء السياسيون في الأنظمة الديمقراطية المتقدمة، بدلا من أن يحاولوا مرارا وتكرارا ويجربوا المجرَّب.
وفي مقابل إخفاقات كليشدار أوغلو وباهتشلي، يواصل أردوغان سيره في طريق النجاح. وجلس أردوغان على كرسي رئيس بلدية إسطنبول وهو ابن 40 عاما، وتولى رئاسة الوزراء وهو ابن 48 عاما، وانتخب رئيسا للجمهورية وهو ابن 60 عاما. ومنذ توليه رئاسة حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس / آب 2001 لم يخسر حزبه في أي انتخابات خاضها. وبنجاحاته المتواصلة وفوزه الأخير في أول انتخابات اختار فيها الشعب التركي رئيس الجمهورية مباشرة عن طريق صناديق الاقتراع، دخل التاريخ من أوسع أبوابه.
جماعة كولن هي الخاسر الأكبر في الانتخابات الرئاسية كما في الانتخابات المحلية، بعد أن ظهر جليا أن التأييد الشعبي لها يكاد ينعدم، إلا أن زعماء الجماعات الدينية لا يستقيلون، بل تستمر زعامتهم حتى الموت، كما أن معظم أتباعهم يعتقدون بعصمتهم وأنهم لا يخطئون، وبالتالي لا مجال فيها للمراجعة والتصحيح والتجديد. ومن المؤكد أنها ستكرر محاولتها مثل المصارع الخاسر.
المصدر/ أخبار تركيا