18 ذو القعدة 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مواطن تونسي، مسلم أقوم بواجباتي الدينية والدنيوية والزوجية على أكمل وجه، لكن!! صادفتني مشكلة عويصة ألا وهي أنني تعرفت على فتاة في الماضي، وأحببتها حبًا صادقًا وهي كذلك، ولكن شاءت الأقدار أن نفترق، وبعد عشرين سنة أو أكثر التقينا قدرًا، واتضح أن حبنا لم يمح، وأردنا الزواج على سنة الله ورسوله، والقانون التونسي يمنع الجمع بين زوجتين، فنحن في حالة من التوتر، ولم نجد لها حلًا مناسبًا، فهل نجد عندكم الحلَّ لقضيتنا؟ جزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أخي الفاضل: بداية أرحب بكَ أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكركَ على ثقتكَ، بموقع المسلم، ومتابعتكَ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أخي الفاضل: ذكرتَ في معرض الحديث عن مشكلتكَ، أنك متزوج وترغب بالزواج من امرأة ثانية كانت بينكما علاقة حب قديمة، والقانون لا يسمح لك بالتعدد وتسأل عن حل لمشكلتك، فلا تقلق أخي الفاضل، فقد وصلتَ إلى برِّ الأمان، فإخوانك في موقع المسلم عندهم العلاج الناجع – بإذن الله - لمشكلتك، والتي يمكننا معالجتها باتباعك للإرشادات والتَّوجيهات الآتية:
أولاً: قبل أن تقدم على أي شيء سل نفسك: لماذا أريد أن أتزوج؟.
ابتداءً.. أسأل الله أن يبارك لك في أهلك وأن يقدر لك الخير، واعلم أنه ليس في شريعة الله المباركة ما يحول بين الرجل وبين الزواج بثانية وثالثة ورابعة؛ حيث قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} النساء:3. ولكن شريعة الله تشترط العدل الكامل في الأمور كلها إلا في ميل القلب؛ فإن الإنسان لا يملكه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين زوجاته في كل شيء ويردد: (اللهم هذا قسمي فيما أملك؛ فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه له زوجتان، فكان لا يشرب الماء في بيت الثانية إذا كان اليوم للأولى، وحتى بالنسبة لميل القلب فإنه يجتهد في عدم إظهاره؛ لأنه يملك الإظهار وعدمه.
وأرجو أن تعلم أنه ليس من شروط النكاح بثانية رضا الأولى، وقد تحتاج لمقدار كبير من الصبر والاحتمال، ومن الضروري أن تعرف لزوجتك الأولى فضلها، ولا بأس من إكرامها وإدخال السرور عليها إذا أردت الزواج بثانية، مع توقع نفورها لبعض الوقت، ولن تصلح البيوت إلا بطاعة الله والعدل.
فلماذا تريد أن تعدد؟ سؤال مهم يجب أن تجيب عليه، وبناءً على إجابتك ستعرف جيدًا هل أنت محتاج للزواج بحيث تتحمل تبعاته ونفقاته وتكاليفه.
ما الجديد الذي سيضيفه لك الزواج بالثانية؟ وهل ما ستحصل عليه أكبر من تبعات هذا الزواج؟
ثانيًا: تأمل تبعات التعدد جيدًا.
فهل لديك القدرة المالية لتحمل تبعات الزواج؟ فأنت المسئول عن النفقة وحدك، فلا تعتمد على مال زوجتك في رعاية شؤون البيت؛ فأنت المأمور بالنفقة على بيتك لقول الله تعالى: (الرجال قوَّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، فإذاً من أركان القوامة النفقة على أهلك وولدك، ولأجل هذا فلا تعتمد في قرارك على أمل قيام زوجتك بشيء من نفقات البيت، فقد تفقد زوجتك مالها، أو تتعرض لمرض، أو ترزق منها بأولاد فتمتنع عن العمل للقيام بشأن أولادك، فلأجل هذا لا بد أن تكون قادرًا على الأعباء المالية للزواج، وأن يكون واضحًا هذا في ذهنك جيدًا قبل أن تقدم على قرار كهذا.
وأذكرك ثانية بحفظ حقوق زوجتك الأولى وأولادها، فلها ولأولادها حق وواجب عليك، يجب ألا تنساه عند اقترانك بزوجة ثانية، وينبغي أن تعلم أن زواجك بثانية صعب على الزوجة الأولى؛ فقد يظهر منها نفور أو سوء معاملة؛ فلا بد أن تراعي أنوثتها وضعفها وصعوبة هذا الأمر عليها.
فالقرار في هذا الأمر ينبغي أن يبنى على قناعة وحسن تقدير للمسؤوليات واستعداد لتحمل التبعات، وأنت أدرى بنفسك من غيرك!.
أما بخصوص الشئون القانونية فأنصحك باستشارة مستشار قانوني في ذلك إنْ أنت قررت في النهاية الإقدام على ذلك.
أخيرًا: تسلح بالصلة بالله.
فأوصيك بتقوى الله تبارك وتعالى، ثم بالاستخارة، لأن الإنسان إذا تحيّر في أمر فإنه يصلي لله ركعتين، ولأهمية هذه الصلاة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، والاستخارة هي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير، ولن يندم من يستخير ويستشير ويتوكل على الخالق القدير سبحانه وتعالى.
وأكثر من الدعاء بظهر الغيب، وانطرح بين يدي الله سبحانه وتعالى، واسأله أن يوجهك لما فيه السداد والرشاد، فهو سبحانه وتعالى الركن الشديد الذي تأوي إليه.
نوَّر الله قلبك، وسدد خطاك، ورزقنا وإياك حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى.