15 صفر 1436

السؤال

مشكلتي أني أعاني ليل نهار مرارة الندم ولا أعرف ماذا أفعل؟! تزوجت فتاة اعرف أسرتها وهم أناس طيبون وفي المستوى وخالطت إخوانها وسمعت عن طيب خصالها؛ لهذا خطبتها وتزوجتها مع العلم أني ميسور الحال ولم أضع الزواج ضمن مخططاتي منذ البدء وكان هذا إرضاء للوالدة، وفعلا عزمت أن أضع كل جهودي لإنجاح الزواج ولكن للأسف فزوجتي إنسانة باردة في كل الميادين إلا في الغضب فهي سريعة الاشتعال، وعند الخصام تتلفظ علي، وهي شديدة الغيرة، مزاجية لدرجة كبيرة، ولا يمر شهر إلا وتكون هناك مشكلة وكل مرة تطلب الطلاق وتعلن أنها تتنازل عن الولد وأطلقها، وكان يمنعني الحياء من إخوانها؛ خاصة أنه تربطنا علاقات في العمل، وألتقيهم بشكل دائم، وآخر شجار وصل الأمر بيننا لدرجة غير محتملة وقمت بتطليقها وشعرت بالراحة بعدها..
وبعد ستة أشهر كنت مسافراً لبلد عربي التقيت بنتاً شدني جمالها وسألت عن أسرتها فوجدتها أسرة طيبة وفي قمة التواضع والثقافة، تقدمت لها، رفض والدها بدايةً لصغر سن البنت ثم وافق وتزوجتها، حقيقةً عشت معها السعادة وتحاول إرضائي بشتى الطرق، ووالدتي أيضا متعلقة بها، تأخر الحمل سنة ثم حملت ولكن لم يثبت الحمل..
عادت الزوجة الأولى تتصل بي وتطلب مني أن أعيدها وستنتهي عما كانت تفعله واعتذرت وبكت، حتى إن أعز إخوانها عليّ كلمني وقال لي من أجل مصلحة ابنك حتى لا يعيش في أسرة مفككة؛ فأعدتها دون علم زوجتي الثانية..
لكن للأسف اتصلت بها وأخبرتها بعد شهر واحد، وكانت زوجتي الثانية حاملاً وسقط حملها للمرة الثانية وطلبت الطلاق أو تقتل نفسها؛ علما أنه في بلدهم الزواج الثاني غير منتشر ويعتبر شيئاً سيئاً جداً، وهي تؤكد حتى لو طلقت الأولى لن تعود لي؛ لأنها فقدت ثقتها بي وأنها تستحق رجلاً مخلصاً، وأنا لا أطيق العيش بدونها، الآن أعيش في جحيم، رغم أن زوجتي الأولى تسعى لترضيني إلا أني متعلق بالثانية.. ما العمل؟!

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الكريم نشكر لك ثقتك بإخوانك مستشاري موقع المسلم ونسأل الله لنا ولك الهداية والرشاد وسداد الأمر وأن يوفقنا لما فيه الخير وأن يرزقنا حسن الفهم والنظر في مآلات الأمور.
أخي الفاضل: لاشك أن الحديث المستمر عن الماضي والتوقف الدائم عنده هو نوع من الاجترار المذموم، ولكن لابد وأن ننظر إليه نظرة لنستخلص منه عبرة تنفعنا في قادم الأيام، فبالفعل قد أوقعت نفسك في مآزق عدة نتيجة تأرجحك بين ما تراه واجباً عليك وبين ما تشعر به من سعادة نفسك والتي لا شك تنعكس حتماً على علاقتك بربك سبحانه.
فمشكلة كثير منا - معشر الرجال – عياذا بالله – أننا نسعد ونشقي، فنتخيل أننا مسئولون عن إسعاد البشر كل البشر باقترابنا واقتراننا بهم أو إشقائهم بابتعادنا عنهم، بل ونتصور أن المرأة لن تحيا إلا في ظلنا وبدوننا تهلك.
وهذه الفكرة خاطئة تماماً، وشواهد التاريخ الأول لا تزال قائمة بيننا لنستخلص منها ما ينفعنا، فأم سلمة رضي الله عنها كانت تعتقد يقينا أنها لن تجد رجلا مثل أبي سلمة رضي الله عنه وذلك بعد استشهاده، فرزقها الله من هو خير من أبي سلمة وخير ممن في الأرض جميعاً وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وصارت أما للمؤمنين، وأسماء بنت عميس بعد أن استشهد جعفر بن أبي طالب تزوجت من أبي بكر وعندما توفي تزوجت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولم تمت بموت واحد من هؤلاء العظماء الكبار، فليس أحد منا مسئول عن إسعاد البشر، بل كما قال ربنا سبحانه: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ}، وعلى هذا فلابد وأن يتعامل الرجال وكذلك تتعامل النساء، فلن يموت رجل بتطليقه لزوجة ولن تموت امرأة بتطليقها من رجل، ولهذا فلا ينبغي للمرء أن يبني قراراته على هذه العاطفة وحدها، ولا على الخشية من عدم قبوله لزوجة أنها ستضيع بدونه.
وفي حالتك كنت سعيدا مع زوجك الثانية، وأردت استعادة الأولى بعد أن أعلنت أنها ستغير نفسها ووعدتك بذلك، وكان للحرص على الولد نصيب من ذلك، ولكنك أردت أن تحافظ على الزوجة الثانية بعدم علمها فكتمت الأمر – وما هناك سر يكتم مثل هذا وخصوصا إذا استودعته امرأة لها مصلحة في إعلانه – فأعلن الأمر وأفسد زواجك الثاني، ورفضت الزوجة الثانية العودة إليك حتى لو طلقت زوجتك أم أولادك، ووقعت في الحيرة، فمَن كنت سعيدا معها تركتك، رغم أنك لم ترتكب منكراً، وأُصلح حال الأولى مرة ثانية، ولكنك لم تسترح كما قلت ووقعت في الحيرة، فأي حيرة تسأل عنها أخي الكريم؟
إن وضعك الآن مستقر وهادئ، فأنت بين زوجة أصلحت من نفسها، وتحاول استرضاءك وفي إمساكها صلاح لولدك إذ يربى بين أب وأم، وبين امرأة الآن ليست زوجتك – نعم كانت في الماضي زوجتك – ووضعت أمامك كل العراقيل رغم أنك أعدت زوجتك الأولى أم ولدك ولم ترتكب منكراً شرعياً بل فعلتَ أمراً مشروعاً مأذوناً به وهو الزواج الثاني أو بالأحرى إعادة الأولى، فما تريد الآن؟
هل تريد أن تهدم البيت الذي أنت فيه الآن، وتبتعد عن زوجة أصلحت – أو تحاول الإصلاح - لما كان بها من الأخلاق التي لم تكن ترضيك وتحاول بشتى الطرق استرضاءك من أجل أن تلحق بامرأة أغلقت كل الأبواب، وقالت إنك حتى لو طلقت الأولى فلن تأمنك ولن تعود إليك؟ فماذا تريد أن تفعل الآن؟ هل تهدم بيتك المستقر الحالي من أجل أمر مظنون لا يمكن الجزم بتحقيقه ولن تصفو لك كما كانت.
إن الأمر واضح أخي الكريم، لا يحتاج لحيرة، فإما أن تقبل الزوجة المطلقة المفارقة أن تعود إليك وأنت متزوج بزوجتك الأولى فتسعد معهما وبهما وتسعدهما معا – إن كان هذا مقبولا لديها ولا أظنه كذلك – فبها ونعمت.
وإما إن لم تقبل، فدعها أخي الكريم لعل الله يرزقها برجل خير مثلك أو أفضل منك، يسعدها ويعينها على طاعة ربها فلسنا آلهة نوزع الأرزاق، بل الله سبحانه وحده هو من يدبر الأمر ويعطي كل إنسان ما يصلحه.
والتفت إلى بيتك وزوجك وقر عينك بهم ولا تحاول أن تنكأ جروحك بالمقارنة في كل لحظة، فما فات قد انتهى ولن يعود، وستجد من هذه الزوجة ما ذكرت أنت من تغيير لعله يرضيك ويعوضك عما فقدته.
أخي الكريم: لا تفسد عليك حياتك مرتين بل لمرات عدة، فكلما رزقت الاستقرار قلقلته وقوضته، وبعدها يخلف الله عليك ويمنحك فرصة تلو فرصة فاغتنم واحدة منها واستقر واهدأ بالا، لعل الله سبحانه يجعل لك في زوجك وولدك قرة عين لك ودع القلوب تقر، فنحن من يحرك الرماد وينفخ فيه حتى يشتعل علينا ناراً، ولو ترك لخمد وانتهى أمره، فلا تعاود تحريكه والنفخ فيه.
أخي أنت لا تعيش في جحيم – أعاذك الله منه – بل أنت في نعيم لا يكاد يصل إليه كثير من الناس، ولكن الأمر أمر رضا عما قسمه الله لك.
وفقك الله عز وجل إلى كل خير وأسأله سبحانه أن يرزقك هدوء الحال والبال.