
قد لا يكون مصطلح التعصب الرياضي حديثاً بين مشجعي كرة القدم حيث وجدت هذه اللعبة وربما كان شائعاً أيضاً في السعودية منذ وقت ليس بالقصير ولكن بقدر لا يبعث على القلق, إلا أنه ومع تزايد وتيرة هذا التعصب واحتدامه خلال الفترة الأخيرة وإفرازه لسلوكيات تتنافى مع الوطنية والأخلاق والدين بل وقد تمس أحيانا جانباً من جوانب العقيدة وتناميه إلى مستويات باتت تشكل خطراً على النسيج المجتمعي واقتصاده وأمنه, جعل من المحتم الوقوف على أسباب هذه الظاهرة والحد من تفشيها.
وفي الوقت ينادى فيه لتسخير المسابقات الرياضية وخاصة كرة القدم التي تحظى بأكبر شريحة متابعين في أوساط الشباب, لكي تكون وسيلة لتعزيز الأخلاق والقيم وتفريغ طاقات الشباب وتقوية أذهانهم وأجسادهم حتى لا يستغل الأعداء هذه الرياضة لإلهاء الأمم وصرف شعوبها عن قضاياهم وأهدافهم الأساسية, بدأت تنحى هذه المسابقات منحاً يجعلها أداة للتفريق المجتمع وتأجييج البغضاء بين أفراده, فلم تعد مظاهر هذه العصبية الكروية تقتصر على الملاعب أو تجمعات الشباب بل دخلت إلى البيوت لتفسد فيما بين الأب وابنه والزوج وزوجته والأخ وأخيه, بل وتقسم الفئة الكبرى من المجتمع إلى قسين متعاديين من أجل لون ذلك القميص أو ذاك على حساب الآخر
وقد عزا كثيرون سبب إذكاء نار العصبية لبعض وسائل الإعلام التي تسعى إلى اجتذاب جمهورها عبر ما تدعيه من حرية للتعبير, حتى صار التقاذف بالعبارات العنصرية والكلمات المسيئة في حق المنافسين سمة من سمات بعض البرامج والصحف الرياضية, الأمر الذي دفع بالعديد من ذوي الاختصاص والمستشارين إلى المطالبة بضرورة منع البرامج والإعلاميين من استغلال منابرهم في تأجيج مثل هذه النزعات, كما دفع ذلك بمجلس الشورى السعودي إلى إرسال تحذير إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب من تزايد الانفلات الرياضي عبر العديد من التصاريح والأحاديث غير المسؤولة وأخذ الاحتياطات الكفيلة بمعالجة ظاهرة التعصب الرياضي ومعالجة أسبابها بعد أن استشرت وطغت على الأهداف السامية للرياضة.
لقد شهد الشارع السعودي خلال الفترة الأخيرة سلوكيات تعكس استشراء هذا التعصب البغيض بشكل غير مسبوق, ونقلت الصحف الإخبارية المحلية تفاعل مستخدمي الشبكات الاجتماعية بشكل لافت مع عدد من الأحداث التي لم تكن لتشاهد لولا استشراء هذا الداء, كان من أبرزها ما كشفه مركز "واعي" للاستشارات الاجتماعية, عن شكوى قدمتها سيدة سعودية تلقت تهديدا من زوجها بالطلاق حال خسارة فريقه, كما تم تناقل عدد من المقاطع التي تظهر مستويات مقلقة لهذا التعصب, أحدها لشاب يمزق أوراقاً نقدية ابتهاجا بخسارة الفريق الخصم. ورجل طاعن في السن يطلب أن يتم تكفينه في كفن يحمل شعار فريقه. ومدرس يطلب من تلامذته الهتاف باسم فريقه المفضل خلال الطابور الصباحي, وآخرين يقيمون الولائم ويطلقون الأعيرة النارية ابتهاجاً بخسارة فريق ما حتى لو كان أمام فريق أجنبي.
صفات جاهلية
ولقد تصدى عدد من أهل العلم والدعاة لظاهرة التعصب الرياضي لما تجره من عداوة وبغضاء بين أفراد المجتمع ولما يصحبه من سلوكيات آثمة, فقد قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق إن التعصب الرياضي الذي يلحق الأذى بالآخرين هو من صفات الجاهلية, وإن تمني فوز فريق أجنبي على فريق الوطن يعدّ عملاً منافياً للدين والوطنية, وصاحبه ضعيف عقلٍ أو حاسد، كمن يتمنى حزن إخوانه، على خلاف موقف المسلم الصحيح، الذي يفرح لفرح المسلمين ويحزن لحزنهم. فلا يجوز أن ينسي التعصب الرياضي الشخص إخوانه في الدين والوطن.
فرقة ونزاع
واعتبر الشيخ خالد المصلح أن التعصب الرياضي حقيقة ومشكلة لأنها دعوة لشحن القلوب كما يمنع عنها الخير، مؤكدا أن التعصب الرياضي من مداخل الشيطان لإيجاد الشر بين الناس والفرقة والمنازعة، وما تبعها من نميمة وغيبة وشتيمة، وهو ما يجب قطعه على الشيطان بنبذ كل أشكال الفرقة والتنازع بين المسلمين.وأعرب عن دهشته من حوادث القتل والموت التي يسفر عنها التعصب الرياضي, مؤكدا أن الرياضة للتسلية لإدخال السرور على الناس، وإذا خرجت عن ذلك فيكون حرام وينهي عنه الدين، مطالبا الجميع بوضع الأمور في نصابها الطبيعي والابتعاد عن المشاحنات التي تجري بين أبناء الدين والوطن الواحد.
صورة غير مشرقة
أما الداعية الشيخ عائض القرني فقد شن هجوماً حاداً على التعصب الرياضي في المملكة وقال في سلسلة تغريدات على حسابه في "تويتر" "التعصب الرياضي الأعمى حمل بعضهم إلى أن تمنى أن يفوز الفريق الأجنبي غير المسلم على فريق وطنه فأين العقيدة والوطنية المزعومة؟".وأضاف "من يطالع السباب والشتائم الذي وصل إليه أهل التعصب الرياضي يسأل: أين الدين والقيم والمبادئ والأخلاق؟ ودعا القرني في تغريدة أخرى إلى مراعاة وضع المملكة والتي تضم قبلة المسلمين في العالم وقال "يا أهل التعصب الرياضي أهكذا يُمثل بلد الوحي ومهبط الرسالة ومولد النور أمام العالم؟".
أنظمة رادعة
وقد أكد الشيخ الدكتور عمر المقبل أن التعصب الرياضي من أخطر أنواع التعصب الذي يشهده المجتمع بعد أن عمّ وطمّ حتى وصل إلى البيوت وبين الأزواج والأولاد والأشقاء وصل مؤخراً لمستويات تهدد تماسك المجتمع ووحدة الأسرة والوطن، ليصل الأمر إلى الاتهام بالكبائر كالرشوة والخيانة ، ثم وصل الأمر إلى مدارسنا، فصار بعض المدرسين يلقّن الطلاب هذا الأمر , البغيض وقال إن من المؤسف أن تتحول الرياضة وخصوصاً كرة القدم من وسيلة للتسلية إلى سوق كبير تروج فيها بضاعة التعصب، وما ينتج عنه من ازدياد البغضاء والشحناء ونشر العداوة بين الأصدقاء والأقارب وزملاء المهنة داعياً الغيورين إلى العمل الجاد لوضع حل عملي يتضمن التوعية من خلال المدارس والمنابر، ووضع الأنظمة اللازمة فبعض الناس لا يزعه القرآن بل يزعه السلطان".