
في ظل الجمود الذي ينتاب إمكانية حل الأزمة السورية سياسيا أو عسكريا في المدى القريب المنظور على الأقل , بعد ما يقارب من أربع سنوات على استمرار الحرب الشرسة هناك , والتي أزهقت أرواح مئات الآلاف من السوريين الأبرياء , بالإضافة للدمار الهائل في البنى التحيتية والممتلكات الشخصية , ناهيك عن المهجرين والمشردين الذين يعدون الآن بالملايين والمعتقلين والمفقودين , يصبح السؤال التالي يلح على الجميع : ما الذي سيكسر هذا الجمود ؟!
قد تعتبر بعض الشخصيات السورية المعارضة "كالشيخ معاذ الخطيب" الذي كان أول رئيس للائتلاف السوري المعارض , أن ما يقوم به من تحركات مع بعض الشخصيات السورية الأخرى المعارضة , كسرا لهذا الجمود , ومحاولة لإيجاد حل سياسي مقبول لدى الجميع لإنقاذ سورية كدولة من الضياع والانهيار .
وضمن هذه الرؤية تأتي زيارة الخطيب مع عدد من الشخصيات في المعارضة السورية إلى موسكو السبت الماضي , والتي شدد الخطيب فيها على أنه تم إبلاغ الروس بأن بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من أي مرحلة في المستقبل , وأن الروس لم يعترضوا على ذلك , وأنهم يفكرون في عقد مؤتمر يضم بعض الشخصيات من المعارضة السورية حسب قوله , دون تحديد لموعد أو تاريخ .
وفي مقال مطول نشره على صفحته على الفيسبوك تحت عنوان "هل ستشرق الشمس من موسكو؟"؛ حاول الخطيب إضفاء صفة "كسر جمود حل الأزمة السورية" على زيارته لموسكو , واصفا بعض أطراف المعارضة بأنها "محنّطة لم تجتمع لقصف الشعب السوري بالسلاح الكيميائي، بينما اجتمعت مرتين في نفس اليوم لمحاسبة من ذهبوا إلى موسكو .
وأكد الخطيب أنه دعي مرتين لزيارة موسكو واعتذر , ولكن مأساةُ الشعب السوري وجمود الحالة السورية دفعته وبعض الشخصيات المعارضة لقبول الزيارة , مؤكدا على أن الوفد ضم أكبر ضابطين في صفوف الثورة , بالإضاة لسفير المعارضة ودبلوماسي سابق مختص بالقانون الدولي .
وفيما يخص احتمال أن تكون روسيا تتلاعب بالمعارضة وتستثمر الوقت كعادتها لمصلحتها , وليس ذلك من خلال هذه الزيارة , بل منذ بدء الثورة السورية وحتى الآن , أكد الخطيب أنهم واعون لهذه النقطة , وأنهم لن يكون جزءا في أي تفريط بالبلد أو محاولة إعادة إنتاج النظام المتوحش , مشيرا إلى اعتقاده بأن تحركاته تحظى بتأييد "الرأي العام السوري بكل ألوانه" حسب قوله .
أيا كان الأمر فإن ما يعنينا هنا هو الحدث والشيء الذي يمكنه كسر جمود الأزمة السورية , فهل يمكن لمثل هذه الزيارة أن تكسر جمود الأزمة السورية بالفعل ؟!
بداية لا بد ممن الاعتراف بأن الأزمة السورية تتقاطع فيها مصالح دول إقليمية ودولية كثيرة , الأمر الذي جعلها من أكثر الأزمات تعقيدا , كما أن ضعف من يسمون أنفسهم "حلفاء الثورة السورية" وتشتتهم واختلاف أهدافهم في دعم هذه الثورة , أدى إلى تشتت فصائل الثورة وكتائبها وعدم وجود قيادة موحدة لها , في مواجهة كثرة وقوة المعادين لهذه الثورة , ووضوح رؤيتهم في محاولة إجهاض الثورة والقضاء عليها , قد تكون مبررا لما يقوم به الخطيب وغيره من محاولات لإنقاذ الوضع الراهن .
ومما زاد الحالة السورية تعقيدا وتأزما ظهور منتج الغرب والنظام الصفوي السوري "داعش" على الساحة , حيث تحولت دفة الصراع من محاربة النظام المجرم إلى محاربة ما يسمى "داعش" , ولا شك أن النظام السوري قد استفاد كثيرا من هذا الأمر , بينما ظهر للفصائل السورية المقاتلة عدوا جديدا لا يقل شراسة عمن صنعه واخترعه .
وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق تسليم الدول الغربية – وعلى رأسها واشنطن – ملف حل الأزمة السورية للإيرانيين والروس صراحة , حسب ما جاء على لسان مسؤول رفيع المستوى في "مجلس الأمن القومي" الأميركي , فإن كسر الجمود في نظر الخطيب وبعض الشخصيات المعارضة سيكون بلا شك التوجه إلى روسيا .
وبغض النظر عن حقيقة المعركة الحاصلة في المنقطة , والتي تشير جميع الدلائل على أنها حرب صفوية صليبية صهيونية عقائدية ضد أهل السنة تحديدا , وبغض النظر عن صعوبة إيجاد حل سياسي في معركة كهذه , فالقضية قضية وجود لا قضية تعايش وتفاهم , وإلا فإن أهل السنة طوال العقود الماضية كانوا راضين بصيغة التعايش مع الرافضة وغيرهم من الفرق في المنطقة .
بغض النظر عن كل ما سبق فإن كسر جمود الأزمة السورية لا يمكن أن يكون من الخارج , فأزمتنا داخلية قبل أن تكون خارجية , فالفرقة الحاصلة بين فصائل وكتائب الثورة السورية , والتي يعتبر اختلاف توجهات ورؤى وأهداف القوى والدول السنية الداعمة لها السبب الرئيس فيها , هي من أوصل هذه الأزمة إلى طريق مسدود .
وبالتالي فإن الخطوة الأولى لكسر الجمود الحاصل تتمثل بتوحد رؤى وأهداف الدول السنية الداعمة للثورة السورية , وذلك من خلال اعتبار إسقاط النظام السوري هو الهدف الأول والأوحد لها في هذه المرحلة , وهو ما سيكون له أثر فاعل وقوي في توحد فصائل الثورة السورية , الأمر الذي سيحدث أثرا على أرض المعركة , وهو ما سيكسر الجمود بكل تأكيد .