3 شعبان 1436

السؤال

السلام عليكم؛ أنا رجل متزوج منذ 5 سنوات، ولي ولد وبنت حالياً، والحمد لله.. عندما كنت طالباً في الكلية حاولت أن أجد فتاة مسلمة ملتزمة حتى أرتبط بها وأكمل حياتي، وبعد ما استطلعت جميع الفتيات معي وقعت عيناي على إحداهن، وكانت كما كنت أريد، وبعد التفكير بها (وبصورة عقلانية وليست شهوانية) قررت مع نفسي: إن شاء الله بعدما أتخرج من الكلية سأتقدم لها.
بعد فترة من الزمن (تقريباً سنة أو أكثر بقليل) كنت أعمل في محل، وكنت قد استطعت أن أحصل على عمل (محاسب حكومي)، وبعد الظهر أذهب للمحل.. المهم في أحد الأيام، وأنا في الطريق فوجئت بها وهي تمشي مع رجل لا أعرفه، ومعهما إمرأتان كبيرتان في السن، وعرفت أنه قد تقدم لها هذا الرجل، وقد وافق أهلها عليه، وهم الآن يكملون تجهيزات العرس.
وبعد فترة من الزمن؛ وجدت لي أمي العزيزة فتاة، وذهبنا لخطبتها، واقتنعت بها، لكن بنسبة 70% تقريباً، وتزوجنا والحمد لله، ومرت الأيام والسنوات، ورزقنا الله بولد وبنت بعده، والحمدلله.. لكن مازالت تلك الفتاة التي كنت أريدها باقية في قلبي، وكم كنت أتمنى أن تكون زوجتي.
المهم قبل سنة ونصف تقريباً؛ كنت جالسًا على الإنترنت، وبالتحديد على موقع الفيس بوك، فإذا بشخص (باسم ولد) يبعث لي برسائل، وبصراحة أنا كنت لا أرد عليه لأني لا أعرفه، إلى أن طلب صداقتي، وقال لي في الرسالة إنه يريد أن يناقش معي موضوعًا مهمًا، فقبلت طلب الصداقة، وتحدثنا ليومين من دون أن يقول لي من هو.
وفي اليوم الثالث قلت له: يا أخي عرفني عن نفسك أكثر؟ قول لي من أنت؟ لأنه كان يعرفني جيداً وأنا لا أعرفه، فقال لي هل ستكتم السر الذي سأقوله لك؟، قلت له إن شاء الله، لكن قول لي من أنت؟، فقال لي أنا فلانة!... بصراحة لم أصدق بداية الأمر، وقلت له يا أخي لا تلعب هذه اللعبة معي، وأفصح لي عن نفسك رجاءًا (كنت أحسبه أحد أصدقائي في الكلية)، لأن كان عندي بعض الرفاق الذين أخبرتهم عن الموضوع.
قالت لي: والله أنا فلانة... قلت لها وكيف أتأكد؟، قالت أنت ما تذكر كيف بعثت فلانة حتى تخبرني عن رغبتك في التقدم لي... وأنني قلت لها أن تخبرك أن تنتظر لأن أختي أكبر مني... وهكذا حتى أخبرتني بجميع الأمور التي لايعرفها سوى أنا وهي وتلك الفتاة، بعدها قلت لها أنا لا أستطيع أن أكمل الحديث معكِ بهذه الطريقة، فهل نستطيع أن نلتقي؟. في بداية الأمر رفضت، لكن بعد المناقشة توصلنا إلى حل، وهو أن نذهب للجامعة، ونلتقي هناك فهي مكان عام، ليس فيه أي شبهة لي ولها.
المهم أنا الآن في حيرة من أمري، لأنني وبصراحة أريدها إلى هذه اللحظة، بالرغم من كل الأمور، وقد تعلقت بها من جديد، وأرغب في الزواج منها... لكن المشكلة هي: زوجتي كيف ستتقبل الموضوع؟، لا أعرف كيف أفاتحها في الأمر؟، هل اخبرها بالقصة كاملة كما هي؟، أم أحاول بطريقة أخرى؟، علما ً أنني والحمد لله، أخاف الله، وملتزم بالدين والشريعة، ولا أريد أن أظلم أحد... أعطوني الحل رجاءًا. وجزاكم الله خير الجزاء.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فهمت من سؤالك أنك كنت ترغب في الزواج من فتاة تعلق قلبك بها، لكن الله لم يقدر لك الزواج منها، وأنك الآن "متزوج منذ 5 سنوات"، وقد وهبك الله من زوجتك "ولدًا وبنتًا"، وبعد هذه السنوات شاءت قدرة الله أن تلتقي مجددًا مع تلك التي كنت ترغب في الزواج منها، والتي "لا يزال حبها باقٍ في قلبك.
وتقول في رسالتك، أنك اكتشفت أنها طُلِقَت من زوجها، بعد 5 سنوات من الزواج الذي أسفر عن بنت، وأن الحب القديم عاودك، وأن رغبتك في الزواج منها قد تجددت، "أنا الآن في حيرة من أمري"، "لأنني أريدها إلى هذه اللحظة"، "وقد تعلقت بها من جديد"، "وأرغب في الزواج منها".
وتحدد في ختام رسالتك المشكلة بوضوح من خلال بضعة أسئلة تراودك؛ وهي: "زوجتي كيف ستتقبل الموضوع؟"، "لا أعرف كيف أفاتحها في الأمر؟"، هل أخبرها بالقصة كاملة كما هي؟"، "أم أحاول بطريقة أخرى؟". وتنهي كلامك بقولك "أنني والحمد لله، أخاف الله، وملتزم بالدين والشريعة، ولا أريد أن أظلم أحدًا"،. وتسأل عن الحل!!
طبعا في البداية دعني أنبهك إلى خطئك في ما ذكرته من لقاء تلك المرأة الغريبة عنك وأنت تقول انك ملتزم , وعلامات الاستفهام على سلوك تلك المرأة التي تريدها زوجة لك كيف ترضى بلقائك؟ وأنتما تعلمان حرمة ذلك شرعا ومخالفته عرفا , فكيف تبدأ حياة جديدة بمعصية؟!
ثم دعني أسألك أيضا هل درست سلوك هذه الفتاة وأسرتها وظروفها؟ وأسباب طلاقها؟! وهل أنت على استعداد لتكرار تلك التجربة - تجربة الطلاق معها - إن فشلت معها؟!

وللرد على هذا السؤال، ألخص لك الجواب في النقاط التالية:
1) الزواج رزق: قدره الله عز وجل للعبد يوم أن خلقه، فما كان لك فلن يأخذه غيرك على ضعفك، وما كان لغيرك فلن تأخذه أنت على قوتك، قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات/ 22- 23].
2) لا ذنب لزوجتك وأولادك فيما حدث: فأنت الذي اخترتها للزواج، أو على الأقل وافقت على اختيار أمك لها، كما أنك "اقتنعت بها"، حتى وإن كان هذا الاقتناع "بنسبة 70% تقريباً"، كما قلت في رسالتك، وكان بوسعك ألا ترتبط بها، إن لم تكن ترغب في الزواج منها، إذًا فلا ذنب عليها، ثم إنك أمضيت معها " 5 سنوات"، ولك منها "ولد وبنت"، وهما أيضًا لا ذنب لهما فيما حدث.
3) عليك التأني والتروي: ودراسة الأمر من كل جوانبه، مع دراسة السيناريوهات المحتملة، ومعرفة الآثار الجانبية لقرارك المصيري، والمضار التي ستلحق بالآخرين من اتخاذك هذا القرار أم ذاك؛ فأمامك الآن قراران مصيريان؛ أولهما: صرف النظر عن الزواج من فتاتك الأولى؛ وهو قرار سيحافظ على أسرتك وزوجك ولديك، وإن كان سيترك في القلب غصة، ورغبة مكبوتة في الارتباط بها، وثانيهما: إقدامك على الزواج بتلك التي لا تزال في عقلك، وهو قرار سيريح قلبك مؤقتا لكنه على الجانب الآخر سيسبب لك العديد من المشاكل وسيلحق الضرر بزوج وولديك وأهل زوجتك وربما بعض أهلك.
4) هل لديك الاستطاعة المادية والبدنية؟: فلا شك أن الزواج الثاني يحتاج إلى كلفة ومهر، ونفقات مسكن وزوجة، وحياة جديدة، دون أن تؤثر بالسلب على زوجتك الأولى وولديك، كما يحتاج الزواج الثاني إلى قدرة بدنية، وعدالة بين الزوجين، فاجلس مع نفسك وانظر في حالك، فليس الأمر مرهون بالتعلق القلبي وحسب، بل إن للأمر تبعات وتكاليف والتزامات، يجب عليك التأكد منها والوفاء بها.
5) اجلس مع زوجتك وحاول إقناعها: فعلى الرغم من أن الإسلام أباح للرجل تعدد الزوجات وجعل ذلك حقا للرجل، غير أن الحكمة مطلوبة في كل سلوك , فاجلس مع زوجتك على انفراد ودون وساطة أو حضور من أحد، مهما كان، حدثها عن رغبتك في الزواج بأخرى، من دون أن تحكي لها عن قصتك القديمة التي ربطتك بهذه المرأة، وحدثها عن أن الإسلام أباح لك الزواج بأخرى، وأكد لها أنك تحبها هي وأنك لن تفرط فيها، ولا في ولديها، لكنك ترغب في الزواج بأخرى، وأن هذا الزواج الثاني لن يؤثر على علاقتك بها أو بولديها؛ فإن اقتنعت ورضيت فتوكل على الله، وإن رفضت وطلبت الطلاق، فالكرة في ملعبك، والقرار في يديك.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يضعك حيث يرضى عنك، وأن يهد قلبك إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وأن يصلح لك حالك، ويختار لك الخير، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.