إعلام القوة (1 -2)
3 صفر 1436
أمير سعيد

من المسلمات لدى أي عامل بالحقل الإعلامي أو مراقب له أن الإعلام بحاجة إلى إمكانات مادية كبيرة كي تتوفر له حظوظ النجاح، ويتمكن من المنافسة والظهور محلياً أو إقليمياً أو عالمياً، لكن ربما ما ليس مسلماً به لدى البعض أن الإعلام يحتاج إلى قوة؛ فهل يحتاج الإعلام إلى قوة تحميه وتدافع عنه؟

 

المألوف أن يتجادل الناس حول "قوة الإعلام" ومدى تأثيرها، لكن ربما قليلاً ما يتحدثون عن "إعلام القوة"، ومدى إفادته من توافر القوة وتضررها من نقصانها، مع أن ما يمكن استنتاجه على نطاق واسع، ومن أمثلة مضطردة أنه لا قوام للإعلام بدون قوة؛ فلا عجب أن تكون كبريات شبكات التلفزة الأمريكية والأوروبية وصحفهما تستندان بشدة إلى القوة العسكرية التي تحمي الدول التي تتبنى هذه الوسائل الإعلامية إن بشكل مباشر أم غير مباشر.

 

والملاحظ كقاعدة عامة أنه لا يمكن المس بمراسلي هذه الوسائل في الدول التي يغطون فيها قصصهم الإخبارية حتى لو كانوا معاكسين تماماً لتوجهات تلك الدول التي ربما كانت ديكتاتورية حتى النخاع لكنها لا تقوى على استهداف هؤلاء أو جلب المشاكل لهم إلا في حالات نادرة محدودة، ولربما كانت أحياناً برضا العاصمة المحركة لنظام هذه الدولة أو تلك!

 

والملاحظ في المقابل، أنه مهما بلغت حرفية، ورصدت الميزانيات المفتوحة لوسائل إعلام تنتمي لدول لا تتوفر على قوة عسكرية متغلبة؛ فإنه لا يمكنها تعدي خطوط حمر ترسم لها، وإلا تعرض منتسبوها للأذى أياً ما كانت شهرتهم وشهرة برامجهم، وأياً ما كانت مهنيتهم ومحافظتهم على مواثيق الشرف الإعلامية المتعارف عليها.

 

العالم لا يفهم إلا لغة القوة، سواء في الإعلام، أو الاقتصاد، أو السياسة بالطبع، ومتى افتقرت وسائل الإعلام إلى هذا السند؛ فإنها تسير بطريقها عرجاء لا تقوى على القيام بـ"واجبها المهني" وإلا تكلفت أثماناً باهظة، سمعنا عنها كثيراً في مناطق صراعات عسكرية وسياسية، دفع الصحفيون فيها أرواحهم وحرياتهم ثمناً لافتقار وسائل إعلامهم إما إلى قوة مباشرة أو موافقة من قوة عظمى تمنح الصحفيين والنشطاء هنا أو هناك حصانة ما، لا تستطيع الأنظمة الشمولية مهما بلغت مستويات بطشها وعنفوانها المساس بهم.