6 جمادى الأول 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله....
مشكلتي في أخي الأصغر مني، عمره 18 سنه شاب ملتزم الحمد لله ويحفظ القران وعالي الأخلاق، وفجأة انقلب بتصرفاته السيئة جدا بسبب امرأة متزوجة، ولاحظنا انه يغيب في نص الليل واكتشفنا انه يذهب ليفعل الفاحشة معها والعياذ بالله عند غياب زوجها للعمل، والدي ووالدتي ملتزمان ومحافظان جدا، وحاليا كل العائلة تمر بضغط نفسي حتى تصرفاته أصبحت سيئة وما أقدر أن أناقشه أو أتكلم معه، ماذا أفعل لحل المشكلة؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
نشكر لك أختنا الكريمة ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسأل الله سبحانه أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يهدي أخاك ويهدي كل شباب المسلمين لما يحبه ويرضاه وأن يرينا ويريك الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأعمال التي تقربنا إليه التي لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيئها فلا يصرفها إلا هو سبحانه.
أختنا الكريمة:
لا شك أنك تقومين بحق عظيم من حقوق أخيك عليك وهو حق المتابعة والبحث عن حل لمشكلته والبحث عن وسيلة لإعانته على أمر دينه لإعادته إلى جادة الصواب وإلى طريق الهداية التي كان يسير عليها، فجزاك الله كل خير على هذا المسعى وأسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك ويقيك شر كل ذي شر.
ومشكلة أخيك كما اتضحت من رسالتك تكمن في الانتكاس عن سبيل الطاعة والالتزام والهداية إلى طريق الغواية والمعصية، وتكمن أيضا في تحوله الشديد والمفاجئ من سالكٍ لسبيل الخير والرفعة والعز إلى سبيل الانحطاط والذل والانغماس في المعصية، وكذلك في المجاهرة بالكبيرة حتى بعد اكتشافكم لهذا الذنب العظيم وعدم عودته إلى سبيل الهداية مرة أخرى.
والحق أن ما تشعرين به وما تشعر به أسرتك الكريمة المتدينة مؤلم جدا، فما أشد الألم حينما يكون في الأسرة المتدينة شاب يعصي الله بارتكاب الكبائر وخاصة إذا كان تحوله شديدا وفجائيا، ولكم جميعا الحق في الألم من هذه الحال، ولهذا يجب أن نتناول هذه المشكلة من عدة نقاط هامة.
- بداية نحمد الله على هذه النشأة التي نشأ فيها أخوك، فهنا نقطة ضوء لابد ألا نغفلها ولا أن نقلل منها أن الطاعة هي الأصل فيه وأن ما فيه أخوك الآن من معصية هو الاستثناء في حياته، وهذا يفتح بابا للرجاء كبيرا، حيث إن النشأة الأولى تحكم كثيرا من تصرفات الإنسان، فقد يجرف التيار شاباً إلى سلوك المعصية ثم تظل فيه نزعة للتوبة بتذكر أيام الطاعة في نفسه فيسهل عليه بإذن الله العودة إلى الله بخلاف من كانت تربيته في الأصل على المعصية فيكون الوازع أقل والنزعة إلى التوبة أبعد، وهذا ما يعظم فينا الأمل بعودته إلى ربه سبحانه.
- وضح من سؤال الأخت السائلة أن المعصية التي يرتكبها أخوها معصية محددة في علاقة واحدة، ورغم أن هذه معصية وكبيرة من الكبائر لا نقلل من شأنها فكل الزنا شديد ومحرم، ولكن هذا أيضا من باب اليسر في العودة منها بإذن الله، فقد تكون المرأة محل المعصية هي التي فتحت له هذا الباب وتسببت في فتنة أخيك عن دينه، وكانت هي السبب الأول في انقلاب وانتكاس حاله بهذا الشكل، وبهذا لا تكون المعصية متمكنة في قلبه إلا تجاه هذه المرأة السيئة، وهذا مما يعظم الأمل أيضا في سرعة توبته.
- ووضح أيضا أن هذه العلاقة مع المرأة المتزوجة لا تتاح إلا في الوقت الذي يغيب فيه زوجها الغافل الذي لم يصل له هذا الخبر ولاشك أنه إذا علم بالأمر أو شك فيه سيكون له تصرف آخر، وبكل تأكيد أنه إذا علم ستتغير هذه الظروف بأي طريقة ولكنها لن تستمر بأي حال، فهذا مما يعجل أيضا بانتهائها وعودة أخيك إلى الطاعة والندم مرة أخرى.
- وأقتنع تماما بما قالته الأخت السائلة عن سوء الخلق الحالي لأخيها، فمن يبتعد عن سلوك طريق الهداية ويلج طريق الغواية لابد وأن يسوء خلقه، فكما أن الإيمان وحُسن الخلق قرينان، فإن المعصية وسوء الخلق قرينان، ولهذا يصعب على الأخت السائلة أن تناقش أخاها الواقع في المعصية ولا أن تنصحه لأنه ربما لا يسمع لها ولا يمنحها فرصة لذلك بل قد يسيء خلقه معها كذلك.
- وأنصح الأخت السائلة أن تستبقي هذا الحرص على أخيها، وأن تسلك طريقا آخر غير طريق نصحه مباشرة فلا تجلس معه بصورة الناصحة بل تجلس معه بصورة الأخت المحبة لأخيها الخائفة عليه التي تهتم لما فيه صلاحه، وأدعوها لعدم الابتعاد عنه فهو في هذه اللحظات أحوج ما يكون لكل محب ناصح مشفق عليه.
- ولكني لم يتضح لي من سؤال الأخت السائلة وجود أو عدم وجود إخوة ذكور لهما، حيث إن الدور المطلوب الآن يكون الرجال عليه أقدر، فإن لم يكن هناك أخ فليكن الأب أو من تأتمنون من الأقارب الرجال – ويفضل كبار السن فيهم - حيث يجلس معه أحدهم ويحدثه مباشرة بسوء عاقبة هذا الفعل في الدنيا وفي الآخرة، فيذكره بأنه بهذا الفعل قد يعرض هذا البيت المؤمن للانهيار، فالأب والأم لن يستطيعا الراحة في حياتهما وهما يعلمان بوجود هذه السقطة في حياتهما.
- ويجب على من يتحدث مع الشاب أن يستثير نخوته كرجل مسلم، حيث يذكره بأن الزنا جريمة بشعة وذَنْب عظيم وهو مِن الذنوب التي تُعجّل عقوبتها في الدنيا مع ما يكون في الآخرة إن لم يَتُب من فِعله هذا، فيمكن أن يؤذي محارمه ويعرضهم لوقوع نفس الجريمة فيهم، فيقول الشيخ السحيم حفظه الله "فقد يُعاقَب الرجل بأن تَقع محارمه بِمثل ما وقع فيه، فالذي كان يَزني ولم يَتُب ربما يُعاقَب بأن تكون زوجته ممن لا تتورّع عن الزنا، فيكون الجزاء مِن جنس العَمَل، وقد لا يُوفّق للزواج مِن امرأة عفيفة، فيُبتَلى الزاني بِعدم استعفاف مَحارِمه، خاصة إذا عَلمْن أن وليّهن أو قريبهن يرتكب هذه الفاحشة، فقد يكون هو الذي جرأهنّ على ذلك بِفعلته تِلك"[1].
وهذا من المنهج النبوي في مخاطبة الشباب – وخاصة أن أخاك يمتلك رصيدا إيمانيا سابقا - في إنهاء هذه الحالة الغريزية التي تصرف في الحرام، ففي مسند الإمام أحمد (أَنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِي الزِّنَا؟ قَالَ: فَصَاحَ الْقَوْمُ بِهِ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَقِرُّوهُ وَادْنُهْ " فَدَنَا حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ " فَقَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ " قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ " قَالَ: " فَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ " - ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ كَذَلِكَ - قَالَ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ: فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ بَعْدُ "، فهذا المنهج في المناقشة ذو اثر فعال في نفوسهم.
- وعليك – أختنا الكريمة – أن تجتهدي في الدعاء لأخيك بظهر الغيب وأن تكثري أيضا من الدعاء له في مواجهته بصلاح الحال وزيادة الإيمان والتقوى وتكثري من الكلام اللين الذي يرقق قلبه بتذكيره بما كنت عليه من السعادة والفخر به وهو في فترة صلاحه حيث كان معينا لك على الطاعة وغير ذلك من الكلمات التي تحدث داخله اهتزازات قد لا تدركين قيمتها داخله ولكنها حتما ستؤثر فيه لسابق صلاحه، كما أوصي والديك الفاضلين بأن يكثرا له الدعاء في سجودهما إلى الله وأن يلحا على الله سبحانه بسؤاله الهداية لأخيك، فدعوة الوالد لا ترد كما بيَّنت السنة النبوية حيث أخرج البيهقي بسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر"[2]
- وعليكم أن تخرجوا صدقات لله سبحانه لشفاء أخيكم وابنكم من بلائه الذي وقع فيه عملا بقول الله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا"، ويقول في تفسيرها العلامة السعدي رحمه الله: "أي تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة، وتزكيهم أي تنميهم وتزيد في أخلاقهم الحسنة وأعمالهم الصالحة وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي وتنمي أموالهم"، وجاء في الحديث "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ" وجاء أيضا أن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء.
أسأل الله أن يتوب على أخيك من ذنبه وأن يتوب علينا وعليك وعلى كل مسلم، كما أسأله سبحانه أن يثبتنا جميعا على دينه، وفقك الله وحفظك من كل سوء.
______________________
[1] من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم عضو مكتب الدعوة والإرشاد على موقع المشكاة.
[2] (صحيح الجامع: 3032).