حقيقة الحوار المراد بليبيا
14 صفر 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

التلاعب بالمصطلحات سياسة غربية متبعة منذ فترة طويلة مع قضايا العالم الإسلامي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , فالربا يسمى فائدة , والزنا يسمى علاقة حميمية خارج إطار الزواج , وفصل الدين عن الدولة وحياة الناس يسمى مدنية , وهكذا استبدلت المسميات الحقيقية للمنهيات والمحرمات في الإسلام , بألفاظ وألقاب ومصطلحات غير مستهجنة ولا مستقبحة , تمهيدا لتكريسها في نفوس المسلمين وعقولهم دون أي انزعاج أو نفور .
ولم يقتصر موضوع التلاعب على تحسين المستقبح من تلك المصطلحات , بل تعداه إلى تشويه صورة بعض المصطلحات وإخراجها عن معناها ومضمونها الحقيقي , ولعل من بين أهم المصطلحات التي يتم التلاعب بها في هذا الإطار , لتنفيذ مآرب الغرب وأهدافه في المنطقة العربية والإسلامية مصطلح "الحوار" .
وإذا كان تعريف "الحوار" هو تداول الكلام بين شخصين أو فريقين بطريقة متكافئة ودون أن يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء للوصول إلى حل لمشكلة أو أزمة أو هدف معين , فإن الذي يقوم به الغرب مع المسلمين باسم "الحوار" مخالف لكل ما سبق .
فالغرب لا يلجأ إلى ما يسمى "الحوار" إلا حين تفشل جميع وسائله العسكرية وغيرها في الهيمنة على المسلمين , أما قبل ذلك فلا يجد داعيا لاستخدام لغة الحوار معهم , ناهيك عن عدم إصغائه لدعوات الحوار حين تصدر من التيار الإسلامي .
لقد استخدم الغرب هذا المصطلح أكثر من مرة في الفترة السابقة في دول ما سمي "بالربيع العربي" , وفي كل مرة يدعو فيها الغرب عبر المؤسسات الدولية أو القوى الليبرالية التابعة له إلى الحوار في تلك الدول , يكون ذلك مؤشرا لطبخة تعد ضد الثورات العربية , وذلك من خلال دعم ثورة مضادة تعد لتستلم زمام الحكم من جديد في تلك البلاد .
وقد حدث ذلك أكثر من مرة في دول الثورات العربية , وها هو نفس السيناريو يحاول الغرب تكراره في ليبيا , فقد دعم المجتمع الدولي ممثلا بالغرب وبعض الدول الإقليمية ثورة مضادة في ليبيا يقودها اللواء خليفة حفتر , والتي أطلق عليها زورا وبهتانا اسم "عملية الكرامة" , محاولا إضفاء الصفة الشرعية عليها من خلال اعتراف برلمان طبرق "المنحل" والحكومة المنبثقة عنه بهذا الكيان المصطنع والذي أطلق عليه زورا وبهتانا أيضا "الجيش الوطني" .
وطوال تلك الفترة التي شن فيها طيران "حفتر" العديد من الغارات على المدن والبلدات الليبية , و خاض فيها العديد من المعارك ضد الثوار , لم نسمع بمصطلح الحوار أبدا , وذلك لأن الغرب كان يظن أن معركته مع التيار الإسلامي – الذي يطلق عليه الإعلام الغربي والإعلام الموالي له عربيا "المليشيات المسلحة والإرهابيين" - قد شارفت على الانتهاء .
ولكنه وبعد الهزائم المتتالية التي مني بها جيش "حفتر" , و فشله عسكريا على الأرض , وبعد صدور قرار من المحكمة الدستورية العليا بعدم شرعية انتخابات مجلس نواب برق , وجد الغرب أنه لا بد من اللجوء إلى سلاحه الأخير ألا وهو "دعوة جميع الأطراف إلى الحوار" , وهو ما حصل بالفعل مؤخرا .
والحقيقة أن ألاعيب الغرب ومكره لم يعد ينطلي على التيار الإسلامي بشكل عام , والعلماء والمفكرين وتيار الحراك الثوري في الدول العربية بشكل خاص , فها هو مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني يتهم المجتمع الدولي بـ"الانحياز السافر"، لما أسماها "الثورة المضادة التي يقودها انقلابيون ليُعيدوا حكمَ العسكر في ليبيا"، حسب كلمة نشرت على الموقع الإلكتروني للمفتي أمس الجمعة.
كما أن وزير الإعلام الليبي في حكومة الإنقاذ "علي العرني" اتهم في وقت سابق أمس ، الدول الداعية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في البلاد، إسقاط الثوار ووأد الثورة في مهدها.
واعتبر الوزير أنه لا فرق بين حكومة الإنقاذ الوطني وحكومة الوحدة الوطنية التي تطالب بعض الأطراف بتشكيلها، وقال إن "حكومة الإنقاذ الوطني هي أول حكومة فيها وزير من مكون الطوارق، ووزير من التبو ووزيران من الأمازيغ".
هذه هي حقيقة الحوار الذي يريده المجتمع الدولي - المسطير عليه أمريكيا وغربيا - بليبيا , حوار يفضي إلى إسقاط حكومة الثوار والمؤتمر الوطني العام , الذي بات الجهة الشرعية الوحيدة في البلاد بعد قرار حل برلمان طبرق , والحوار الذي ينهي التيار الإسلامي في ليبيا , ويأتي بالتيار الليبرالي وبقايا النظام السابق ليستلم مقاليد حكم ليبيا من جديد , أسوة بكافة دول ما سمي "بالربيع العربي" .