محاولات لتصفية الثورة السورية
17 صفر 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

مع النجاح النسبي الذي حققه الغرب بالتعاون مع القوى الموالية له في دول ما سمي "بالربيع العربي" في تصفية الثورات العربية واحدة تلو الأخرى , من خلال دعم الثورات المضادة التي أجهضت أحلام الشعوب العربية في اختيار نظام الحكم الذي يريدونه ويرغبونه في دولهم , لم يبق أمام الغرب فيما يبدو سوى ثورة الشعب السوري والليبي التي لم تنجح مساعيه بعد في إجهاضها , فهو يحاول الالتفاف عليها وتصفيتها من خلال خديعة ما يسمى "الحوار" .
وإذا كنا قد تحدثنا في تقرير سابق عن حقيقة الحوار المراد بليبيا , فإن حديثنا في هذا التقرير عن التطورات الأخيرة على المشهد السوري , حيث الحراك الروسي المشبوه للوصول إلى ما تصفه موسكو بجولة مفاوضات جديدة بين النظام السوري وجميع أطياف المعارضة السورية دون أي شروط مسبقة .
والمتأمل فيما يجري من زيارات لبعض وفود المعارضة السورية للعاصمة موسكو مؤخرا , ومن ثم لقاء رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة وبعض أعضاء الهيئة التأسيسية للائتلاف بالمبعوث الروسي إلى المنطقة "ميخائيل بوغدانوف" والذي طرح فيه سبل إحياء عملية سياسية تفاوضية بين النظام السوري والمعارضة .
بالإضافة لزيارة وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم لموسكو , ومن ثم زيارته اليوم لطهران , وتصريحه في المؤتمر الصحفي مع وزير خارجية إيران بالقول : إنه اتفق مع نظيره الروسي سيرغي لافروف على إجراء مشاورات لإنجاح المبادرة الروسية لإجراء حوار بين النظام السوري والمعارضة في العاصمة الروسية موسكو .
والجدير بالذكر في تصريح المعلم أنه أشار إلى أن القيادة الإيرانية لن تتردد في إنجاح الحوار السوري والتوصل إلى حل سياسي ، مما يشير إلى موافقة طهران ومباركتها لهذه الجهود .
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كل من روسيا وإيران هما الداعم الأهم للنظام السوري , فهذا يعني بلا ريب أن هناك صفقة تعد لتصفية الثورة السورية , من خلال حوار ينتهي بإعلان هزيمة الثوار وانتصار بشار , وإن جاء هذا الإعلان بطريقة غير مباشرة .
ومما يؤكد هذا الرأي اقتراح المبعوث الدولي إلى سوريا "ستيفان دي ميستورا" بشأن ما يسمى تجميد القتال في حلب , والذي بحثه رئيس الائتلاف السوري البحرة في مدينة إسطنبول التركية مع "ميستورا" , والذي يمهد الطريق للمفاوضات بين النظام والثوار مستقبلا حسب زعمه .
لقد أعلنت أمريكا صراحة عبر مسؤول رفيع المستوى في "مجلس الأمن القومي" الأميركي تسليمها الملف السوري للروس والإيرانيين , حيث ذكر المسؤول الأميركي متحدثا لضيوفه السوريين المعارضين : "أي حل تريدون أن تقدموه لنا يتعلق بسورية، يجب أن يتضمن كلمتي إيران وروسيا".
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تراجع الدور العربي الداعم للثورة السورية بشكل واضح , ليس على المستوى المادي فحسب , بل وعلى المستوى السياسي أيضا , حيث صدرت بعض التصريحات مؤخرا بما يوحي بقبول بقاء النظام أو جيشه , فإن روسيا وطهران ربما وجدت الفرصة المناسبة الآن لإطلاق ما يسمى "الحل السياسي للأزمة السورية" وهو ما يعني "تصفية الثورة السورية" .
وعلى الرغم من يقين جميع المعارضين السوريين بأن روسيا وطهران لن تقدم شيئا يذكر للثوار من خلال هذا الحوار المزعوم , وقد أشار عضو الهيئة السياسية للائتلاف محمد خير بنكو إلى ذلك من خلال قوله : إن "بوغدانوف" لم يقدم أي جديد في الملف السوري ، وأنه تحدث عن الحوار بين الأطراف السورية لكنه لم يقدم أي مبادرة" إلا أن البعض قد ينخدع فيرضى بالحوار , أو يرضخ لرغبات الغرب ويقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات .
إن مزاعم "مؤسسة الحوار الإنساني" - التي تتخذ من جنيف مقرا لها وتعمل في مجال حل النزاعات – أنها تنطلق في مساعيها لحل الأزمة السورية من فرضية أنه لا النظام قادر على هزيمة المعارضة , ولا المعارضة قادرة على هزيمة النظام , وهو ما يخلق بيئة ملائمة لنمو تنظيمات مثل "داعش والنصرة" كلام غير صحيح .
فهزيمة النظام كانت ممكنة في بدايات الأزمة لولا الضوء الأخضر الغربي والأمريكي بالإبقاء على بشار وعدم إنهاء حكمه , ناهيك عن إضعاف الثوار المقصود من خلال عدم السماح بتزويدهم بالسلاح النوعي الذي كان من الممكن أن يحسم المعركة قبل نشوء ما يسمى "داعش أو النصرة" .
إن الحقيقة التي تبدو واضحة من خلال هذه التحركات , أن هناك خطة لتصفية الثورة السورية وإنهائها , من خلال ما يسمى "الحوار" والمفاوضات , إذ كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن نظاما قتل من الشعب السوري مئات الآلاف , وشرد وهجر منه الملايين داخليا وخارجيا , ودمر البنية التحتية بشكل رهيب , يمكن أن يفهم لغة الحوار أو التنازل أو الإصغاء لمطالب هذا الشعب ؟!!