خفايا الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية
3 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

من حقنا كعرب ومسلمين أن نشكك في أي خطوة تقوم بها الدول الغربية تجاه القضية الفلسطينية , وكيف لا وهي التي كانت السبب الأبرز في زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي , وفي ثالث أطهر بقعة في الأرض بعد الحرم المكي والنبوي , من خلال وعد بلفور المشؤوم .
ومن هذا الباب فإن المتابع لما يجري من تواتر اعترافات البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية وإن بشكل رمزي , ينتابه الكثير من الفضول لمعرفة سر هذا الاهتمام بالشأن الفلسطيني في هذا الوقت بالتحديد , والبحث عن خفايا المصالح والأهداف الغربية من وراء هذه الاعترافات المتتالية .
لقد صوت البرلمان البرتغالي مؤخرا بالغالبية على مشروع القرار الذي يدعو الحكومة البرتغالية للإسراع في الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين ، على أساس حدود الرابع من يونيو 1967م , ليكون بذلك خامس هيئة تشريعية أوروبية تعترف رمزياً بفلسطين خلال بضعة أسابيع ، إذ سبقته برلمانات بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وأيرلندا, فضلاً عن السويد التي اعترفت الحكومة فيها بالدولة الفلسطينية ، لتصبح أول دولة في أوروبا الغربية تعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية ، والثامنة في الاتحاد الأوروبي .
وعلى الرغم من كون هذه الاعترافات لا تعدو أن تكون توصيات قدمتها تلك البرلمانات لحكوماتها تطالبها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م؛ وبالتالي فهي توصيات ومقترحات غير ملزمة لتلك الحكومات، ولن يكون لها تأثير كبير , غير أنها على كل حال تمثل خطوة رمزية لحقوق الفلسطينيين بإنشاء دولة على أرضهم بغض النظر عن مسألة حدود عام 1967م , وهو ما يستدعي بحث خفايا هذه الاعترافات من خلال ما يلي :
1- قد يكون الأمر متعلقا بمحاولة طمس آثار الهزيمة النكراء التي منيت بها "إسرائيل" في عدوانها الأخير على غزة , ومحاولة تفويت الفرصة على المقاومة الإسلامية "حماس وغيرها " في جني ثمار انتصارها المبهر على آلة القمع "الإسرائيلية" , وارتفاع رصيدها على المستوى المحلي الفلسطيني والإقليمي العربي والإسلامي , ناهيك عن ارتفاع رصيد المقاومة في مقابل رصيد المفاوضات التي يقودها محمود عباس , الأمر الذي دفع الغرب – ربما – لمحاولة تلميع صورة عباس وتقديمه إلى الواجهة الفلسطينية من جديد , من خلال موجة الاعترافات هذه , التي تقود إلى عودة زخم المفاوضات لإنشاء دولة فلسطينية موعودة وموهومة على حدود عام 1967 .
ولعل ما يجري الآن في أروقة مجلس الأمن , من خلال طرح مشروع "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بحلول عام 2016م" وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967م , ومراوغة الجانب الأمريكي من خلال طلب تأجيل التصويت على المشروع , ناهيك عن الرفض "الإسرائيلي" ما يؤكد هذه الرؤية , حيث يبدو أن الأمر لا يعدو محاولة لكسب الوقت لتفويت الفرصة على المقاومة الفلسطينية من جني المزيد من مكاسب انتصارها الأخير , من خلال إشغال الفلسطينيين بوهم الدولة الفلسطينية الموعودة , واستدراجهم لنبذ منطق استراجاع فلسطين كاملة بقوة السلاح , والذي يعتبر الإنجاز الأهم لانتصار المقاومة الأخير على الكيان الصهيوني .
ولعل ما يدعم هذا التوجه محاولة تضخيم سلطة رام الله لمسألة اعترافات البرلمانات الأوروبية الرمزي بالدولة الفلسطينية , وخطوة التوجه لمجلس الأمن لوضع سقف زمني للمفاوضات مع الكيان الصهيوني , وتصويره على أنه إنجاز عظيم يفوق إنجاز المقاومة وانتصاراتها .
2- ولعل من خفايا تلك الاعترافات الحكومية والبرلمانية الأوروبية أيضا , أنها تتضمن اعترافا رسميا بالكيان الصهيوني , وهو الأمر الذي لا يزال يشكل أرقا لدى المسؤولين "الإسرائيليين" , رغم من يزعم بأن هذا الاعتراف قد أصبح حقيقة واقعية لدى كثير من الدول العربية وإن لم تصرح به رسميا .
كما أن الحقيقة أن أي اعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967م يقابله تأكيد على شرعية الاحتلال "الإسرائيلي" للمناطق المحتلة عام 1948م، مما يعني أن هذه الاعترافات الأوروبية وإن شكلت ضغا وهميا وشكليا وآنيا على "إسرائيل" التي لا تريد التنازل حتى عن ربع فلسطين – أو ما يسمى الدولة الفلسطينية الموعودة – إلا أنها أخرجت ثلاثة أرباع فلسطين من دائرة النقاش لصالح لليهود , الأمر الذي يعني أن "إسرائيل" أضحت المستفيد الأول من هذه الاعترافات والمفاوضات .
هذا إن حصلت السلطة الفلسطينية على قرار من مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال بحلول عام 2016م – وهو أمر مستبعد بوجود الفيتو الأمريكي – وضمنت إقامة الدولة الفلسطينية بحدود 1967م – وهذا أمر شبه مستحيل في ظل التعنت الصهيوني على مجرد وقف الاستيطان فكيف بالدولة الفلسطينية ؟!!
إن الحقيقة أن ما أخذ بالقوة لا يمكن أبدا أن يسترد بالمفاوضات واللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن , وإنما يسترد بالمقاومة المستمرة , فالعدو الصهيوني لا يفهم لغة الحوار , وإنما يفهم لغة الرصاص والبندقية , وهو ما أثبتته التجارب الكثيرة الطويلة مع هذا العدو الغاشم .