21 رمضان 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا متزوجة وأنا عندي 22 سنة، ولي ستة حفظهم الله، وقبل 5 سنوات تزوج علي زوجي، بعدما أذاقني ألوانا من التجريح، والتهديد المتكرِّر بالزواج علي، وتدخُّل أسرته في كل مشكله تحصل بيننا، بعدها طلقني طلقة وحدة وأنا حامل في الشهر التاسع، ثم رجعت إليه فتزوج بغيري ولم يعدل بيننا، وهذا أتعب نفسيتي وقهرني أكثر أن كل وقته وهو يراسل زوجته الثانية حتى وهو معي، وحاولت أن أكلمه وأناقشه بهذا الأمر بكل الوسائل، إلا أنه لا يعيرني اهتماما ولا يبالي بمشاعري كزوجة ويعتبرني كخادمة، وفي مرة احتدَّ بيننا النقاش، فقال لي: اعتبريها ليلتها، فغضبت غضبا شديدا، واعتزلته في غرفة نومي وأقفلت علي الباب وجلست أبكي، بعدها طلب مني أن أفتح له فرفضت، فأخذ يصرخ بأعلى صوته فخشيت على أبنائي أن يستيقظوا ففتحت، فأخذ يضربني بكل قوته، ولم تكن المرة الأولى التي يضربني فيها، وأنا حاليا قد ضقت به ذرعا، وكرهته، وهجرته في الفراش، إلا إذا طلبني فألبِّي حاجته مخافة أن تلعني الملائكة، إلا أنني نفسيا أكون كارهة ومقهورة، ولا أشعر بأي رغبة اتجاهه، فهل هجري له وجلوسي مع بناتي، وقيامهن بخدمته وتلبية طلباته نيابة عني، فيه إثم ومعصية.. انصحوني بارك الله فيكم.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما مشكلتك فتعاني منها كثير من النساء في حالات تعدد الزوجات، بسبب عجز أزواجهم عن تحقيق العدل بينهن، وأداء حقوقهن بإنصاف..
وأنا مقدرِّة جدا لظروفِ معاناتك من حياة زوجية غير مستقرة، وسوءِ معاملة زوجك بالتَّجريح، والإهانة، والضَّرب، والتَّهديد بالزواجِ عليك، وعدم احترامِه لمشاعرك، ولاحتياجاتِك العاطفِيَّة والنفسِيَّة، بالإضافة إلى طلاقك وأنت حامل في الشهر التاسع، وتقصيره في حقوقِك الزوجية، وعدم التوفيق والعدل بينك وبين زوجته الثانية، حتى في الأيام المخصصة لك، ثم تحكُّم أهله وتدخُّلهم في المشاكل التي بينكما..
ومن الحلول التي تساعدك في تحقيق الاستقرار والسعادة الزوجية ما يلي:
أولا: عليك ــ أختي الكريمة ــ أن تتحمَّلي مسؤولية اختيارك.. فقد تكوني أسأتِ لنفسك بقبولك الزواج بمن لم تحيطي بظروفه ولا ظروف أسرته، أو ربما لم تفْسِحي لنفسك مساحة من التفكير خلال مرحلة الخطوبة، بحيث تسمح لك بوضع تصوُّرٍ كامل حول طباع من ستتزوَّجين به، من خلال التعرُّف على عاداتِه، واهتماماته، وسلوكِه العام، لتحكمي بعدها على شخصيتِه ثم على مصيرٍ حياتِك معه، أو لعلك اقتصرت على ما عرفت من طباعه الظَّاهرة، ولم تحيطي علمًا بأحواله الباطنة الخفيَّة، أو توهَّمت أنَّكِ قادرة على أن تتحمَّلي مساوِئه وسلبياته وطباعه الشديدة، على أساس أنه سيتغير بعد الزواج أو ستتحسَّن أحواله وطباعه فكان العكس..
إنما لا نقول.. إلا قدَّر الله وما شاء فعل، وعليك بالرضا بنصيبك والإذعان لما قسمه الله لك في هذا الزواج، ولعله خير..
ثانيا: عليك أن تتعوَّدي على وجود زوجة ثانية في حياة زوجك، وأنها ربما تكون ما زالت جديدة ولها جاذبية وبريق، فيميل إليها عاطفيا ونفسيا..
فتسلَّحي بالصبر والمجاهدة، وأَحْسِني التعامل مع زوجك بأناة وهدوء وحكمة، حتى وإن أساء إليك أو أهانك، وستكشفين بعد فترة أنه سيعتاد على زوجته الثانية، وسيعاملها كما كان يعاملك، إلا لو وجد راحته وسعادته معها، في حين لم يجد منك إلا الصُّدود والإعراض، والنُّفور والجَفاء، وفي هذه الحالة فأنت تتنازلين عن حقِّك الشرعي في الحفاظ على كيانك ووجودك وتأثيرك على زوجك، وتدفعينه بالتدريج ليعاملك بالعنف والشدة والضرب انتقاما لرجولته وكرامته..
ولو صممت على هجره والابتعاد عنه، وعدم خدمته بنفسك، فأنت بذلك تساهمين في تفسُّخ العلاقة بينك وبينه، حتى تصِلي إلى مرحلة يختار فيها الانفصال عنك، أو هجرك معاملة بالمثل، والانتقال للعيش مع زوجته الثانية ما دامت تلبِّي طلباته واحتياجاته وتدخل على قلبه المسرَّة والغبطة..
ثالثا: مهما أساء إليك زوجك فهو يظل زوجك، وعليك أن تحافظي على أواصِر المودة، والرحمة، والسكن لأنها من مقاصد الزواج وغاياته النبيلة، كما أنه يظل هو والد أبنائك، وعليك أن تحافظي على هيبته ومقامه ومكانته داخل البيت، مهما كان ظالما مستبدًّا، ومُهْمِلاً لمشاعرك وأحاسيسك..
وكوني أنت الزوجة الصالحة التي تحسن إليه، وتعامله بالمعروف، والوُد، والصَّفاء بلا كره أو ضغينة، فإن لم يكن لأجله فليكن لأجل التقرُّب إلى الله تعالى بطاعة الزوج ونيل رضاه، وادْفعي جوره بعدلِك وإنصافِك لحقوقه..
ولا تعامليه بالمثل إنما بالفضل والكرم ونبل المشاعر، وعلِّميه كيف تُقابِلي السَّيئة بالحسنة، وكيف تقابِلي معاملته القاسية بالمعاملة الطِّيبة، وبالرحمة والرِّفق، امتثالا لحكم الله الذي أمر بالإحسان والمعروف، ودفع السيئة بالحسنة، مصداقا لقوله تعالى في سورة النحل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)، وقوله تعالى في سورة فصلت: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)..
وما أجمل ما قاله السعدي في شرحها في " تيسير الكريم الرحمن": " ثم أمر بإحسان خاص له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك كالأقارب والأصحاب ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا فلا تقابله، بل اعف عنه وعامله بالقول اللين، وإن هجرك وترك خطابك فَطيِّبْ له الكلام وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان حصل فائدة عظيمة، (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) أي: كأنه قريب شفيق، (وَمَا يُلَقَّاهَا) أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة (إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا) نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان، فإذا صبر الإنسان نفسه وامتثل أمر ربه وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذًا مستحليًا له.."
خامسا: عليك أن تعالجي الموقف بينك وبين زوجك بحكمة ورجاحة عقل، لتخفِّفي من حدَّة المشاكل وتوثُّر العلاقة بينكما، وكوني الزوجة العاقلة التي تؤثِّر على زوجها وتكسب مودته ومحبته، بمكارم أخلاقها، وحسن عشرته، والتغاضي عن طباعه السيئة، وتصرفاته الفظَّة، وامتصاصِ غضبه وانفعالاته، ومعاملته بخصال الخواص، ممَّن يرجون حظا وافرا من الثواب، والرفعة في الدنيا والآخرة، فهذا من شأنه أن يؤلِّف بينكما ويبدل الوحشة أنسا ومودة..
سادسا: لا يصح شرعا ولا عرفا أن تهجري زوجك حتى في المبيت، وتختاري أن تنفصلي عنه في مكان منعزل عنه مع بناتك، ولا تقومي بخدمته ولا تلبية طلباته بنفسك، لأنك بهذا أنت تقدِّمين صورة مشوهة لأبنائك عن الحياة الزوجية وعن طبيعة العلاقة بين الزوجين، وتهدِّدين بهذا التصرف مستقبل حياتهم الزوجية والأسرية، وترسِّخين في ذاكرتهم صورا ومشاهد ومواقف سيكون لها آثار سلبية على طباعهم وأخلاقهم، وانحرافِ سلوكهم العام داخل البيت، والعمل، والمجتمع، وبالتالي ستساهمين في تخريج أبناء غير فاعلين ولا منتِجين، وأبناء عاجزين عن البناء وتحقيق التنمية..
فاحذري - أختي الكريمة - أن يجرفك الكبرياء والكرامة والعناد إلى أبعد مدى، فتسيئي لنفسك، ولحياتك الزوجية، ولأبنائك بتحطيم أحلامهم وإحباطهم نفسِيًّا، وعاطفِيًّا، وسلوكِيًّا، وحرمانهِم من العيش داخل أسرة مترابطة ومتماسكة، يجمع بين أفرادها الحبُّ والوئام، والتآلف والانسجام..
وفي الختام..
إذا قصر زوجك فيما يجب عليه لا تقابلي تقصيره بالمثل، بل اسْعَي جاهدة لكي تؤدِّي ما عليك من حقوق وواجبات كزوجة صالحة وكأم بارَّة بأبنائها، امتثالا لأمر لله تعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، واعْمَلي على إشاعة الوفاق، وكفِّ الأذى، والإعراض، والنزاع، والنفور الذي بينك وبين زوجك، حتى يلتئم شمل الأسرة، وستجدي في ذلك ثوابا عظيما وخيرا وفلاحا وسعادة إن شاء الله..
أسأل الله العلي القدير أن يوفق ما بينكما، وأن يصلح حالك ويلُمَّ شملك بزوجك، ويؤلف بينك وبينه، ويصل ما انقطع بينكما بالمودة والمحبة والوئام..