تفشي الأمية في أمة "اقرأ" !!
24 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

على الرغم من أن الدين الإسلامي من أكثر الأديان حضا على طلب العلم وأشدهم ترغيبا في الاستزادة منه , كما أن كثيرا من آيات القرآن الكريم تشير إلى رفع الذين أوتوا العلم درجات , وتؤكد عدم تساوي العالم والجاهل , قال تعالى : { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } طه/114 , وقال تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } الزمر/9 , وقال تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة/11 وعلى الرغم من الأحاديث النبوية الكثيرة التي تبين للمسلمين مكانة العلم في الإسلام , ولعل أوضحها قوله صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) صحيح الألباني برقم 3913 , وتبين فضل العلم وثوابه عند الله تعالى , ناهيك عن دروس السيرة النبوية التي تبين بجلاء اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الموضوع بشكل واضح ولافت . وعلى الرغم من التاريخ الإسلامي الحافل بسيرة الآلاف من العلماء في جميع المجالات والاختصاصات , والذين صدروا العلم والحضارة إلى جميع أصقاع الأرض , بما ألفوه من كتب وما تركوه من كنوز وذخائر لا تزال البشرية تنهل منها إلى يومنا هذا . على الرغم من كل ذلك فإن الإحصائيات والتقارير التي تصدر بين الحين والآخر عن المؤسسات العربية الإسلامية و الدولية , تشير إلى حقائق مذهلة ومفجعة بشأن انتشار الأمية بين صفوف أبناء أتباع هذا الدين الحنيف , بشكل يدفع كل باحث ومهتم بمصير هذه الأمة للتنويه لخطر هذه الآفة القاتلة , ولاستنهاض مراكز الدراسات للبحث عن أسباب هذه الظاهرة المرضية , واقتراح الحلول الناجعة لها ليصار إلى تطبيقها وإزالة كافة مظاهرها من قبل الحكومات والمنظمات الإسلامية . لم يكن جديدا ما كشفه تقرير حديث عن "تفش مذهل" للأمية في العالم الإسلامي، لا تقل نسبتها عن 40% - مع تفاوت النسب في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي - وهو ما يعني وجود مئات الملايين من الأميين في الدول الإسلامية، فظاهرة الأمية متفشية في الدول الإسلامية منذ عقود , إلا أن المفجع والخطير في التقرير ثبات نسبة الأمية إن لم نقل زيادتها في العالم الإسلامي , رغم أننا في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة . لقد ذكر التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الإسلامية الدولية (إينا) : أن دول "التعاون الإسلامي" تأتي في مراكز متأخرة جداً عن المعدل العالمي لمحو أمية البالغين بـ73%، وهو أقل من المتوسط العالمي 82%، ومعدل الدول النامية غير الأعضاء في المنظمة 85%، وفقاً لإحصاءات 2013م. وأوضح التقرير أن معدلات الأمية في العالم الإسلامي تتراوح بين 40% بين الذكور، و65% بين الإناث، وأن نسبة الأمية في البوادي والأرياف تزيد عليها في المدن والحواضر بما يزيد على 10%؛ وهي أرقام مخيفة ومرعبة إذا ما قورنت بانخفاض نسبة الأمية في كثير من الدول المتقدمة , وانعدامها نهائيا في دولة مثل اليابان . ولا يشك عاقل أن الأمية معضلة كبيرة تعوق التنمية ، وتؤثر إلى حد بعيد في إضعاف قدرات المجتمع على النهوض، وبناء الاقتصاد القوي المتنامي وتحقيق الأهداف الإنمانية ...ولها من السلبيات ما لا يمكن حصره في هذه العجالة . ومن الأمور المخيفة والمرعبة في التقرير أن خمس دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي توجد ضمن قائمة 2011م لـ10 دول تشكل مجتمعة ما نسبته 72% من العدد الإجمالي للأميين الكبار في العالم، وتلك الدول الخمس يتواجد فيها ما يزيد على 160 مليوناً، بالإضافة إلى تفشي الأمية في عشرات الملايين من المسلمين في دول تضمنتها القائمة غير أعضاء في المنظمة. وعن عدد الأميين في الدول العربية (وكلها أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي) حسب بيانات "اليونسكو"، فإنه انخفض من 52 إلى 48 مليون نسمة خلال الفترة من 2005 إلى 2011م، وهي أسرع زيادة في معدلات محو الأمية بين الكبار منذ عام 1990م. وفي مجال التكافؤ بين الجنسين، أشار التقرير إلى أنه يتوقع أن ينجح 30 بلداً فيها دول في منظمة التعاون الإسلامي من أصل 61 تتوافر عنها بيانات في هذا المجال، في تحقيق التكافؤ بين الجنسين فيما يتعلق بمحو أمية الكبار في عام 2015م، رغم عدم إحراز أي تقدم باتجاه خفض نسبة النساء منذ عام 1990م والتي تشكل ثلثي العدد الإجمالي للأميين الكبار. وإذا تحدثنا عن تفشي الأمية عند الأطفال فيبدو أن المؤشرات لا تزال غير مشجعة، فقد أشار التقرير إلى ان هناك 57 مليون طفل في العالم (منهم عدد كبير في العالم الإسلامي) خارج صفوف الدراسة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأحداث الجارية في العالم العربي من حروب واضطرابات وخروج عدد كبير من أطفال سورية والعراق وليبيا من مدارسهم , فإن العدد لا شك يزداد ويتفاقم , وهو ما يشكل عبئاً قادماً على معدلات الأمية على المدى البعيد . إن الأمية لا تزال تشكل تحدياً حقيقياً للعالم الإسلامي ؛ وتعرقل النهوض بالمجتمعات الإسلامية من النواحي كافة، وهي في جل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي تبلغ مستويات خطيرة تعوق التنمية المستدامة , حسب تصريحات مدير "الإيسيسكو" د. عبدالعزيز التويجري . وإذا كان محو الأمية تحديا اجتماعيا في الدول غير الإسلامية , فإنه بالنسبة للدول الإسلامية واجب شرعي والتزام أخلاقي ورسالة حضارية ومسؤولية دينية , تتطلب تضافر الجهود كافة وعلى جميع المستويات , الحكومية منها والخيرية والمدنية والإغاثية , القطرية منها والإقليمية والدولية , لطي هذه الصفحة المظلمة في تاريخ هذه الأمة التي تتشرف بكون أول آيات قرآنها "اقرأ" .