هل ستتذرع فرنسا بحادثة "شارلي" للتدخل بليبيا ؟
27 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

لا يبدو أن الغرب الاستعماري قادر على ترك أطماعه التوسعية خارج حدود أرضه , فإذا كانت حقبة الاحتلال العسكري الفرنسي لعدد من الدول العربية والإسلامية قد انتهى عصره وأوانه , فإن فرنسا - على ما يبدو - تفتتح عهدا جديدا من الاستعمار الناعم , من خلال تدخلاتها العسكرية في بعض الدول العربية والإفريقية باسم محاربة "الإرهاب" , لم تقتصر على مالي وإفريقيا الوسطى وغيرها , بل تمهد على ما يبدو لتدخل عسكري على ليبيا . وعلى الرغم من أن الغرب لا يحتاج عادة إلى ذرائع وأسباب لإظهار أطماعه التوسعية وموروثه الدفين القديم من الحقد على الإسلام والمسلمين , إلا أن ذلك لا يمنع من استغلال بعض الحوادث لتبرير التدخل العسكري في بلد عربي إسلامي لا يزال للتيار الإسلامي فيه بقية من قوة عسكرية لم تخمد بعد على أيدي العلمانيين الموالين للغرب , كما هو حاصل في دول ما سمي "بالربيع العربي" . وفي هذا الإطار يمكن فهم تصريح الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند" أمس الجمعة أمام السلك الدبلوماسي (فرنسيون وسفراء أجانب)، في قصر الإليزيه بباريس، بمناسبة العام الجديد , الذي مهد فيه لإمكانية التدخل العسكري بليبيا بعد هجوم باريس , حيث قال : "ليبيا عنصر مهم في انتشار "الإرهاب" وهذا يقلقنا، واجبنا يتمثل في أن نحشد الأطراف المعنية كي تتفاوض، وتشكل حكومة موحدة، وهذا أمر أساسي.. فعندما تحكم حكومتان في بلد واحد فهذا يعني المشاكل". وتابع: "يجب أن ندفع الأطراف المعنية إلى تشكيل حكومة موحدة، وأن ننزع سلاح الجماعات التي انتشرت في ليبيا، والتدخل ضد "الإرهابيين" الذين يتحكمون بجزء من الأراضي الليبية، وإن طُلب من فرنسا ذلك، فإنه لا يمكن أن تتدخل بمفردها، لذا نناشد الأمم المتحدة كي تتخذ مبادرات لتقديم الدعم". إنها الطريقة الاستعمارية الحديثة للتدخل العسكري الغربي في الدول العربية والإسلامية , تبدأ القصة بهجوم "إرهابي" مشبوه الأسباب والتوقيت , وغامض الأهداف والنتائج على بلد غربي , لتُطمس بعدها معالم المنفذ الحقيقي أو المسهل للعملية , وتلصق التهمة بالمسلمين شاؤوا أم أبوا , ثم تقوم الماكينة الإعلامية التي يمتلكها الغرب في جميع أصقاع الأرض بتضخيم هذا الحادث بشكل كبير , وجعله الحادث "الإرهابي" الأبرز في العالم رغم كونه لا يقارن أبدا بما يمارس ضد المسلمين في العالم من "إرهاب" منظم , ليصار بعد ذلك إلى اتخاذ هذا الحادث ذريعة لتجييش الجيوش و تشكيل التحالفات الدولية لغزو ومحاربة البقية الباقية من القوة الإسلامية في بعض الدول العربية والإسلامية . لم يكن الرئيس الفرنسي "أولاند" أول المستخدمين لهذه الطريقة لمحاربة الإسلام والمسلمين , بل استخدمها من قبله الرئيس الأمريكي "بوش الابن" بعد أحداث 11 من سبتمبر , والتي كانت ذريعة لشن حملة غير مسبوقة على المسلمين في العالم , ولاحتلال أمريكا لكل من أفغانستان والعراق , وإراقة دماء مئات الآلاف من المسلمين في كلا البلدين . ومن يدقق في محاولة "أولاند" استغلال حادثة "شارلي إيبدو" لتبرير التدخل العسكري بليبيا , والذي قال فيه : "إن المجرمين ارتكبوا جريمتهم باسم أيديولوجية همجية، أيديولوجية داعش والقاعدة، أيديولوجية الكراهية .... ليحاول بعدها تخدير المسلمين بقوله : "إن بلاده تشن حرباً ضد الإرهاب، وهذه الحرب ليست ضد ديانة بل ضد الكراهية" , وقوله : "إن الإسلام لا يتناقض مع قيم الديمقراطية ولا بد من أن نرفض الالتباس والغموض حول ذلك" ، مضيفا أن المسلمين "هم أول ضحايا التطرف والأصولية" . يجد الشبه كبيرا بين خطابه أمس وأول أمس وخطاب الرئيس جورج بوش الابن في الكونجرس الأمريكي في 21 سبتمبر 2001، عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث قال الأخير : "إن الولايات المتحدة تشن حربا على الإرهاب وليس الإسلام"، مضيفا : "إن الإرهاب تشويه للإسلام نفسه، رفضه عدد كبير من علماء المسلمين" . إنها نفس العبارات المخدرة لمشاعر المسلمين قبل تحميلهم المسؤولية كاملة عن هجوم ما زال يكتنفه الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول حقيقة منفذيه ومن يقف وراءه , ناهيك عن الأسباب التي أدت إليه أصلا من انتهاك واستهزاء لمقدسات المسلمين , ليصار بعدها إلى الانقضاض عليهم داخليا – في أوروبا – وخارجيا في العالم العربي والإسلامي . وهي كذلك نفس التبريرات والذرائع التي يحارب الغرب من خلالها الإسلام باسم "محاربة الإرهاب والتطرف" , ذلك الإرهاب التي يتجرعه المسلمون يوميا على مدار السنوات الماضية من الغرب أو من أزلامه من العلمانيين في البلاد العربية والإسلامية , والذي أدى لإراقة دماء مئات الآلاف وتشريد الملايين , ثم يتهمون به لمجرد حادثة أنكروها ونددوا بها قبل الغربيين أنفسهم !!