الإصلاح بين الزوجين بالشِعر.. قصة معاصرة
2 ربيع الثاني 1436
محمد المهنا

بسم الله الرحمن الرحيم

اطلعتُ على أصل هذا الخبر الأدبي الطريف في كتاب (طرائف ومسامرات) للأديب الكبير د. محمد رجب البيومي رحمه الله ثم أعدتُ صياغته وزدتُ عليه بعض الزيادات من مصادر أدبية أخرى

قال الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي رحمه الله:

من أرقِّ ما قرأتُ من المساجلات الأدبية النبيلة، ما دار حول الشاعرة المصرية منيرة توفيق "رحمها الله" وبين زوجها

 ومن حديثها أن زوجها المرموق ذا المنصب العالي، صاحَبَ جمعاً من الرجال وكأنهم خبّبوه على زوجته أو رغّبوه في غيرها فهجرها وقرر طلاقها، فكتبتْ هذه القصيدة ونشرتْها في إحدى المجلات الشهيرة

طَالَ السُّهَادُ وَأَرَّقَتْ = عَيْنِي الْكَوَارِثُ وَالنَّوَازِلْ

لمَّا جَفَانِي مَنْ أُحِبُّ = وَرَاحَ تَشْغَلُهُ الشَّوَاغِلْ

وَطَوَى صَحِيفَةَ حُبِّنَا = وَأَصَاخَ سَمْعًا لِلْعَوَاذِلْ

يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ الْكَرِيـ = ـمُ وَأَيُّهَا الْحِبُّ الْمُوَاصِلْ

مَا لِي أَرَاكَ مُعَانِدِي = وَمُعَذِّبِي مِنْ غَيْرِ طَائِلْ؟!

لَمْ تَرْعَ لِي صِلَةَ الْهَوَى = وَهَجَرْتَنِي وَالْهَجْرُ قَاتِلْ

هَلْ رُمْتَ أَنْ تَغْدُو طَلِيقًا = لَا يَحُولُ هَوَاكَ حَائِلْ

أَوْ رُمْتَ غَيْرِي زَوْجَةً = يَا لَلْأَسَى مِمَّا تُحَاوِلْ

إِنْ تَبْغِ مَالاً فَالَّذِي = تَدْرِيهِ أَنَّ الْمَالَ زَائِلْ

أَوْ تَبْغِ أَصْلاً فَالَّتِي = قَاطَعْتَهَا بِنْتُ الْأَمَاثِلْ

أَوْ تَبْغِ حُسْنًا فَالْمَحَا = سِنُ جَمَّةٌ عِنْدِي مَوَاثِلْ

أَوْ تَبْغِ آَدَابًا فَأَشْـ = ـعَارِي عَلَى أَدَبِي دَلَائِلْ

أَنَا مَا حَفِظْتُ سِوَى الْوَفَا = ءِ وَلَا ادَّخَرْتُ سِوَى الْفَضَائِلْ

وَأَنَا وَلِي شَرَفُ الْعَفَا = فِ أُعَدُّ مَفْخَرَةَ الْعَقَائِلْ

فَجَزَيْتَنِي شَرَّ الْجَزَا = ءِ وَكُنْتَ فِيهِ غَيْرَ عَادِلْ

أَنَسِيتَ عَهْدًا قَدْ مَضَى = حُلْوَ التَّوَاصِلِ وَالتَّرَاسُلْ؟

أَيَّامَ تَبْذُلُ مِنْ وَسَا = ئِلَ أَوْ تُنَمِّقُ مِنْ رَسَائِلْ

وَتَبُثُّ مَعْسُولَ الْمُنَى = وَتَمُدُّ أَسْبَابَ الْوَسَائِلْ

وَلَبِثْتَ تُغْرِينِي بِمَا = تُبْدِيهِ مِنْ غُرِّ الشَّمَائِلْ

فَحَسِبْتُ أَنَّ الخير دا = همنِي وَأَنَّ السَّعْدَ مَاثِلْ

ظَنًّا بِأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ = لَا بِالْعَقُوقِ وَلَا الْمُخَاتِلْ

مَاذَا جَرَى فَهَجَرْتَنِي = وَهَوَاكَ فِي عَيْنَيَّ آهِلْ

عَاشَرْتَ أَهْلَ السُّوءِ فَاقْـ = تَنَصُوكَ فِي شَرِّ الْحَبَائِلْ

وَمَضَيْتَ تَطْلُبُ بَيْنَهُمْ = عَيْشَ الْمُقَيَّدِ بِالسَّلَاسِلْ

وَرَضِيتَ هَجْرَ خَلِيلَةٍ = هِيَ لَمْ تَزَلْ خَيْرَ الْحَلَائِلْ

وَاللهِ مَا فَكَّرْتُ يَوْ = مًا فِي جَفَاكَ وَلَمْ أُحَاوِلْ

فَجَفَوْتَني يَا قَاسِي الطِّبَ=عِ وَلَمْ تُدَارِ وَلَمْ تُجَامِلْ

فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ قَاتِلِي = وَالْمَوْت فِيمَا أَنْتَ فَاعِلْ

أَيْنَ الْمَوَدَّةُ فِي الْهَوَى فِي الأُمْـ = ـسِياتِ تَبُثُّهَا وَمَعَ الْأَصَائِلْ

أَيْنَ الْحَدِيثُ الْعَذْبُ مِنْـ = ـكَ وَأَيْنَ وَلَّى سِحْرُ بَابِلْ؟!

إِنِّي أُسَائِلُ أَيْنَ عَهْـ = ـدُكَ فِي الْهَوَى إِنِّي أُسَائِلْ؟!

فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ وَانْهَهَا = وَارْجِعْ إِلَى زَيْنِ العَقَائِلْ

 ==

فلما قرأها المصريون والمصريات اهتزوا لها وعارضوا قصيدتها بقصائد كثيرة، منها قصيدة خيرية أحمد:

عجَبي لزوْجِك كيف غيَّر عهدَه بعد التَّواصُلْ

هل لِلخلال الباهِراتِ ولِلفضائل مِن مُماثِلْ

ولرُبَّ رأْيٍ قد رآه الزَّوجُ حقًّا وهو خائلْ

وأخالُ أنَّكِ تَحلُمين وأنَّ هذا الحلم زائلْ

سيعود زوجُكِ للوئام وليس عند الخلفِ طائلْ

وقالت ناهد فهمي:

إنِّي أرى بين السطورِ دموعَ قلبِك كالجداولْ

تَجري بألحانِ الأسى وخريرُها يشجي العقائلْ

لا تيْأسي فلرُبَّما عاد العَقوقُ إلى التَّواصُلْ

كم من ضحايا للرِّجال وكمْ نُعانِي من نوازل

 وقال محمد جاد:

رقَّت برقَّتك الشَّمائلْ * وجمعتِ أشتاتَ الفضائلْ

أدبٌ وعِلمٌ ضُمِّنا * حِكَمَ الأواخر والأوائلْ

ظرفٌ ولطفٌ أَنسَيا * نِي سِحْرَ هاروتٍ وبابلْ

لك من كمالِك غُنْيةٌ * عن قاطعٍ ودًّا وواصلْ

أوَلستِ مخلصةً؟ فما * لكِ تأْسفين على المُخاتِلْ؟

لا تعْجبي من مَيلِهِ * فالدهرُ يا أُختاهُ مائِلْ

لاطفتِه حتَّى استطا * لَ فجرِّبي معه التثاقُلْ

كلُّ السعادة في الحيا * ةِ عقيلةٌ في بيت عاقل

 

فلما قرأ الزوج أبياتها وقرأ ردود الناس عليها وانفعال المجتمع لقصتها راجع نفسه وعاد إلى صوابه وجاء نادماً إلى زوجته واعتذر إليها

فنشرتْ هذه الأبيات:

قد عادَ لي زوجي الكريمُ وجاء يقْرع سنَّ نادمْ

من بعدِ ما قدَّرتُ أنَّ رجوعَه أضغاثُ حالِمْ

هيَ غضْبةٌ شعريَّةٌ أدَّتْ إلى حُسنِ الخواتم