المشهد اليمني بعد استقالة هادي
4 ربيع الثاني 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

حدث ما كان متوقعا ويحذر منه كثير من الباحثين والمهتمين بالشأن اليمني – ومنهم موقع المسلم الذي حذر كثيرا عبر مقالاته وتقاريره الإخبارية من خطر الحوثيين ليس على اليمن فحسب بل وعلى المنطقة بأسرها – فها هم الحوثيون يسيطرون على عاصمة اليمن صنعاء , ويحاولون الوصول إلى السلطة عبر مسميات "المجلس الرئاسي" أو غيره بعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي أول أمس .
وما كان في متناول وقدرة الدول السنية أن تفعله وتقوم به للحد من خطر هذه الجماعة منذ سنوات , حين كانت مجموعة الحوثي قلية العدد والعتاد والنفوذ , لا يمكن أن يدرك الآن بعد كل هذا التغول في البلاد , وبعد سيطرة الجماعة على كثير من عتاد وسلاح الجيش اليمني , في ظل غفلة إسلامية سنية منقطعة النظير عن هذا الخطر الظاهر للعيان طوال الفترة الماضية .
لقد أضحى اليمن بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية وما يسمى "مخرجات الحوار الوطني" أو "وثيقة السلم والشراكة" على مفترق طرق , وباتت سيناريوهات المستقبل مفتوحة على جميع الاحتمالات , ولا بأس بذكر هذه السيناريوهات المتوقعة باختصار :
1- السيناريو الأول يتمثل في سيطرة الحوثيين على الحكم – على الأقل في المناطق والمحافظات التي تسيطر عليها - من خلال ما يسمى "المجلس الرئاسي" التي تنوي الجماعة تشكيله حسب ما صرح به قيادي حوثي , خاصة وأن الجماعة قد رفضت الاعتراف بشرعية مجلس النواب اليمني الذي أعلن عن اجتماع غدا الأحد مع مجلس الشورى لبحث مسألة استقالة هادي ووضع البلاد .
2- أما السيناريو الثاني فيتمثل في عودة الدولة العميقة التي يتزعمها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح إلى الحكم من جديد , من خلال ما يسمى "المجلس العسكري" لإدارة شؤون البلاد , حيث يطمع صالح في دفع نجله أحمد علي عبد الله صالح قائد الحرس الجمهوري السابق للوصول إلى سدة الحكم من خلال ذلك المجلس العسكري المزعوم , لا سيما وأن ألوية الحرس الجمهوري ما زالت على ولائها له ولنجله أحمد .
3- لا يمكن إغفال الصراع المتوقع بين كل من جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على حكم اليمن بعد استقالة هادي , بعد أن كان فيما قبل الاستقالة الحليف الأول والأهم للحوثيين في تسهيل عملية توغلهم في البلاد وسيطرتهم على العاصمة صنعاء .
4- أما سيناريو إعادة مجلس النواب المسار السياسي للبلاد من خلال قبول استقالة هادي وتولي رئيس المجلس الحكم لمدة 60 يوما ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد بطريقة الانتخاب , نظرا لعدم وجود نائب للرئيس يحل محله حسب المادة 116 من الدستور اليمني , أو من خلال رفض استقالة هادي بعدم موافقة أغلبية مجلس النواب على طلب الاستقالة , وهو الأمر الذي يعيد الرئيس إلى منصبه ويعطيه حق إعادة تقديم الاستقالة خلال 3 أشهر من رفضها في المرة الأولى .
فهو في الحقيقة لا يملك مقومات نجاحه بوجود المليشيات الحوثية التي تسيطر على كل شيء في العاصمة صنعاء , وإذا أضفنا إلى ذلك اقتحام الجماعة لمبنى مجلس النواب حسب ما أفادت الكثير من وسائل الإعلام أمس , وتصريح القيادي الحوثي محمد المرتضى : "إن الشرعية هي لثورة 21 سبتمبر 2014م , ومجلس النواب لا شرعية له، والشرعية هي للثورة واللجان الشعبية (التابعة للحوثيين)، وهي من ستقود البلد".
فإن ذلك يرسل رسالة مفادها أن الجماعة ترفض أي حل يمكن أن يبعدها عن السلطة والسيطرة , ناهيك عن أن مجلس النواب لا يملك في الحقيقة أي قوة تنفيذية لقراراته التي سيصدرها , مما يفقدها أي معنى أو أثر على فرض صدورها .
5- وفي ظل الفراغ السياسي الذي يشهده اليمن بعد استقالة هادي لا يمكن إغفال سيناريو انفصال الجنوب عن الشمال في اليمن , خاصة مع قرار اللجنة الأمنية في عدة محافظات جنوبية وقف تلقي الأوامر من العاصمة صنعاء؛ احتجاجًا على الانقلاب على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي , وفي مقدمتها محافظة مأرب وشبوة وحضرموت وعدن , وهو ما يعني استقلال الجنوب عن الشمال بصيغة أو بأخرى .
6- يبقى أن نشير إلى السيناريو الأخير المتوقع في المشهد اليمني بعد استقالة هادي , ألا وهو عودة الثورة اليمنية إلى نقطة البداية في مواجهة الثورة المضادة التي يقودها الحوثيون وصالح , وهو سيناريو تبدو ملامحه واضحة اليوم .
فقد خرجت حشود كبيرة من اليمنيين اليوم السبت في العاصمة صنعاء، رفضا لانقلاب جماعة الحوثي على الشرعية , كما شهدت مدينتا "تعز" و "إب" وسط البلاد تظاهرات مماثلة رافضة للتصعيد الحوثي في اليمن والانقلاب ضد هادي , مما يشير إلى شرارة ثورة جديدة ضد ما جرى ويجري في اليمن مؤخرا .
كما دعا مجلس شباب الثورة في اليمن اليوم السبت قوى ثورة 11 فبراير/شباط 2011 إلى تدارس إعلان مجلس رئاسي انتقالي وحكومة انتقالية، لإدارة البلاد مؤقتًا حتى استعادة العاصمة من المليشيات الحوثية ، لافتًا إلى أن هذا المجلس والحكومة سيعملان على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والذهاب إلى الانتخابات المختلفة.
وفي بيان أصدره السبت وصف المجلس (غير حكومي ترأسه الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان)، سيطرة الحوثيين على العاصمة وقصر الرئاسة بأنها "انقلاب دموي عنصري قامت به فئة صغيرة تريد المحافظة على الثروة والسلطة دون كل اليمنيين".
كثيرة هي السيناريوهات المتوقعة في اليمن بعد استقالة هادي , فقد فتح الحوثيون بتصرفاتهم الطائفية البغيضة الباب على مصراعيه للفوضى أن تنتشر في البلاد .
وإذا كان التعامل مع الأمر الواقع هو ما تفرضه العقول السليمة والحكمة , وإذا كان تطبيق الحكمة التي تقول : "ما لا يدرك كله لا يترك جله" صحيحا في مثل هذه الأوقات العصيبة , فإنه ما زال بإمكان الدول الإسلامية السنية إدراك ما يمكن إدراكه في اليمن , ومحاولة التقليل من حجم المخاطر المتوقعة من الحوثيين في المستقبل القريب على أمن المنطقة عموما ودول الخليج بشكل خاص , وذلك من خلال التدخل الجاد والعاجل في اليمن لوقف التغول الشيعي على المنطقة بأسرها .