أمريكا ...مع مَن وضد مَن في سورية ؟!
22 ربيع الثاني 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

على الرغم من التصريحات الصريحة والمباشرة من قمة ساسة الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مصير رأس النظام السوري بشار الأسد , حيث طالبه "أوباما" مرارا بالتنحي والتخلي عن السلطة , كما أكد أن لا مستقبل له في هذا البلد أكثر من مرة , إلا أن المواقف الأخيرة تشير بوضوح إلى إمكانية غض الطرف عن بقاء هذا الطاغية مقابل منع الإسلاميين من الوصول إلى سدة الحكم , حفاظا على مصالح اليهود وأمريكا والغرب عموما , بل لا مانع عند أمريكا من التنسيق مع من تؤكد التقارير الدولية بأنهم ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية , إذا كان ذلك مفيدا وناجعا في القضاء على من تصفهم أمريكا "بالإرهابيين" , وإن كانوا لا يقارنون بإرهاب وجرائم النظام السوري .
وعلى الرغم من أن نفاق الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة السورية قد انكشف منذ أن أحجمت واشنطن عن شن ضربات ضد مواقع النظام السوري بعد تجاوزه الخط الأحمر باستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين والأبرياء , إلا أن أحدا لم يتصور أن يصل هذا النفاق والخذلان للثورة السورية إلى حدود التنسيق والتعاون مع أعداء الإنسانية والحرية في سبيل القضاء على ما يسمى "تنظيم الدولة" .
لقد حاولت أمريكا مرارا منذ إنشاء التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة نفي وجود أي تنسيق مع رأس النظام السوري , إلا أن الوقائع على الأرض كانت دائما تثبت عكس ذلك , ليأتي حديث الطاغية الصحفي أمس ليؤكد وجود هذا التنسيق .
نعم ...لقد كشف بشار الأسد في مقابلة صحفية حصرية أجراها "جيريمي بوين" محرر شؤون الشرق الأوسط في "بي بي سي" يأن حكومته تتلقى رسائل غير مباشرة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" , وأنه وإن لم يوجد تعاون مباشر مع التحالف منذ بدء الغارات الجوية ضد التنظيم داخل سوريا في سبتمبر/ ايلول الماضي , إلا أن أطرافا أخرى - بينها العراق - تنقل "رسائل عامة... معلومات" إلى حكومة النظام السوري .
لم يكن ما كشفه طاغية الشام عن وجود تنسيق مع أمريكا غريبا أو مفاجئا , فمن المعلوم أن أمريكا تخضع لرغبات وأهواء "إسرائيل" المدعومة من اللوبي الصهيوني المتحكم بشكل كبير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية , ومن المعلوم أن اليهود والصهيونية العالمية لا ترغب بإسقاط النظام السوري حتى الآن , لا لشيء سوى أنها لم تجد بديلا يقدم التنازلات والخدمات التي قدمها هذا النظام للكيان الصهيوني طوال أربعة عقود مضت .
كما أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تتأثر إن سقط هذا النظام – على ما يبدو – دون أن يوجد بديل يحفظ هذه المصالح ويراعاها كما كان هذا النظام يفعل .
إن الغريب والعجيب في موقف كل من النظام السوري وأمريكا هو النفاق والتغابي المستمر , حيث ما زال الطرفان - رغم انفضاح العلاقة بينهما للقاصي والداني – يتبادلان عبارات العداء والتجافي , وينفيان إمكانية التعاون أو التنسيق المباشر بينهما مستقبلا , بل ويتهمان بعضهما بما لا يليق بين الأصدقاء والمتحالفين .
فها هو الطاغية يجيب حين يُسأل عن إمكانية الانضمام إلى التحالف الدولي : "لا، بالطبع لا نستطيع وليس لدينا الرغبة ولا نريد، لسبب واحد بسيط - لأننا لا نستطيع التحالف مع دول تدعم الإرهاب."
بل وصل الكذب وإظهار العداء مع أكبر الداعمين لبقاء هذا النظام إلى رفض اغية الشام الحديث مع مسؤولين أمريكيين , لأنهم – حسب وصفه - يدوسون القانون الدولي , إضافة إلى سبب آخر مضحك ومبك بنفس الوقت ألا وهو : "لأنهم لا يتحدثون لأي أحد، إلا إذا كان دمية"، متناسيا أنه بات دمية بيد الروس والرافضة في طهران !!
في المقابل ما زال الأمريكان والغرب عموما ينفون وجود أي تعاون أو تنسيق أو حتى اتصال بالنظام السوري فيما يتعلق بالحملة الدولية ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" , في إصرار عجيب على الكذب والتغابي وطمس الحقيقة !!
إنها نفس لعبة التظاهر بالعداوة المكشوفة التي مارسها الأمريكان مع طهران طوال السنوات السابقة , وعلى الرغم من التقارب الأمريكي الإيراني الأخير الواضح والصريح , إلا أن مقتضيات وضروريات اللعبة تقتضي بقاء شيء من ذلك العداء المعلن وعدم الوفاق بين الطرفين في الظاهر , وهو ما يفسر عدم انضمام طهران رسميا فيما يسمى "التحالف الدولي ضد التنظيم" , بينما الحقيقة أنها تخوض المعركة في كل من العراق وسورية بجيشها وكافة أسلحتها , ولكن ليس ضد التنظيم كما يعتقد البعض , بل ضد الثورة السنية السورية والعراقية .
وإزاء هذا الموقف الأمريكي الذي يتظاهر بأنه ضد طاغية الشام , بينما الحقيقة تظهر انه معه قلبا و قالبا , نجد موقفا معاكسا للأمريكان من الثورة السورية , فبينما تزعم منذ أربع سنوات أنها مع مطالب الشعب السوري , وأنها تدعم الجيش السوري الحر وبعض الفصائل المقاتلة التي تصفها "بالمعتدلة" , تثبت الأيام أنها ضد هذه الثورة المباركة , وانها تعمل جاهدة على إجهاض آمالها و إحباط إمكانية تحقيق مطالبها المشروعة .
ولكن الله غالب على أمره , { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } الأنفال/30