تداعيات اتهام المسلمين بهجوم باريس
25 ربيع الثاني 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

كثيرون الذين توقعوا حملة جديدة من الكراهية والعداء والاضطهاد ضد المسلمين في الغرب بعد اتهامهم بالمسؤولية عن هجوم باريس , تماما كتلك التي تلت أحداث 11 من سبتمبر 2001م , وعلى الرغم من أن كثيرا من الإشارات والقرائن تؤكد براءة المسلمين من هذه الحادثة , بل إن اتهاما صريحا من بعض وسائل الإعلام الأمريكي وجه للموساد "الإسرائيلي" بالضلوع في هذه الحادثة , إلا أن ذلك لم يحل دون طمس فرنسا لجميع معالم وأدلة الهجوم , لإلصاق التهمة بالمسلمين تمهيدا لمزيد من الاضطهاد والتنكيل بهم , عل ذلك يخفف أو يوقف المد الإسلامي الجارف فيها خصوصا وفي أوربا وأمريكا عموما .
نعم ... لقد نشرت صحيفة انترناشونال بيزنس تايمز الأمريكية على موقعها مقالا اتهمت فيه معهد الاستخبارات والمهمات الخاصة "الإسرائيلي" الموساد بالتخطيط لعملية شارلي ايبدو , إلا أن الخبر سرعان ما حذف بعد ساعتين فقط من نشره , وتعرض الموقع لهجوم من وسائل الإعلام "الإسرائيلي" , حيث اتهمت صحيفة معاريف "الإسرائيلية" الموقع بالعداء للسامية .
لم يعد الغرب - فيما يبدو - بحاجة لإتقان فبركة إلصاق تهمة "الإرهاب" بالمسلمين على نحو يقنع العالم بتبرير اضطهاده لهم فيما بعد , فضعف المسلمين وتفرقهم من جهة , ونمو انتشار الإسلام مع ذلك في أوروبا من جهة أخرى , جعل الحرب على هذا الدين من قبل أعدائه خالية من الأقنعة التي كانت تسترها من قبل .
لا يمكن حصر حوادث الاعتداء على المسلمين بعد هجوم باريس – وهذا لا يعني أنه لم يكن موجودا قبل ذلك – ففي فرنسا أفاد رئيس مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا "عبد الله زكري" أنَّ الاعتداءات ضد المسلمين في فرنسا زادت بعد هجوم باريس ، لافتاً إلى تعرض المسلمين لـ 116 اعتداء في الأسبوعين الأخيرين.
وأشار زكري أنَّ الاعتداءات استهدفت 28 مكانَ عبادة للمسلمين بالإضافة إلى 88 عملية تهديد وتخويف، قائلاً "إنَّ الاعتداءات ضد المسلمين وصل لدرجة لا يمكن قبولها، ولا نريد من المسؤولين الفرنسيين الكلام فقط، بل تدابير فعالة لحماية المسلمين" .
وفي السويد تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر نطق طفل مسلم بالشهادتين أثناء محاولة خنقه من قبل رجل أمن في مدينة مالمو السويدية بحجة أنه لم يدفع ثمن تذكرة القطار .
وفي بريطانيا ازدادت عبارات الكراهية بحق المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي ؛ بدءا من تعرض المسلمات المستمر للإساءات عبر تويتر بسبب ارتدائهن الحجاب , وصولا إلى التهديد بالقتل حسب ما نقلت وكالة أنباء الأناضول التركية عن إحدى المسلمات قولها : "تتلقى عدة رسائل بشكل شبه يومي، عبر تويتر مفادها: يجب قتل جميع المسلمين" .
وفي أمريكا قام مسلح أمريكي يدعى " كريغ ستيفن " منذ أيام بإطلاق النار بدم بارد على عائلة مسلمة داخل شقتهم قرب جامعة نورث كارولينا، ما أدى إلى وفاة أفراد العائلة بالكامل , وهم شاب سوري من أصل فلسطيني وزوجته وشقيقتها .
وعلى الرغم من التكتم الإعلامي الغربي الشديد على هذه الجريمة الإرهابية , حيث منعت الشرطة الأمريكية بقرار قضائي نشر الخبر في وسائل الاعلام الأمريكية وقامت بالتحفظ عليه , ناهيك عن محاولة التغطية على دوافع الجريمة العنصرية المعادية للمسلمين, من خلال محاولة الشرطة نفي اعتقاد كون الحادث ذو أبعاد عنصرية أو خلفيات إيديولوجية , إلا أن جميع المؤشرات تؤكد الأبعاد العنصرية والرهاب من الإسلام في هذه الجريمة .
وهل هناك أوضح من خصوصيات الجاني التي تشير إلى كراهيته للإسلام والمسلمين كمؤشر على دوافع جريمته , فحسابه على فيسبوك يؤكد أنه يناهض الديانات ، حيث كتب عبارة "ملحدون من أجل المساواة"، وكان ينشر باستمرار اقتباسات تنتقد الدين ، كما أنه أحد معجبي المذيع الأميركي "بيل ماهر" الذي عُرف بمواقفه المحرّضة على المسلمين .
والحقيقة أنه لولا مواقع التواصل الإجتماعي "تويتر" و "فيس بوك" التي اشتعلت بالتنديد بصمت الإعلام الأمريكي والغربي على هذه الجريمة لمجرد أن الضحايا من المسلمين والجاني من غيرهم , لما علم كثير من الناس في هذا العالم عن خبر هذه الجريمة العنصرية , ولما خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد عدة أيام من الجريمة ليدينها مكرها وبخجل , وهو ما يشير بوضوح إلى أن هجوم باريس ما هو إلا حادث مفبرك ليكون ذريعة لتبرير حملة جديدة شرسة على الإسلام والمسلمين في العالم أجمع عموما , وفي الغرب على وجه الخصوص.
وأخيرا وليس آخرا ألحق حريق أضرارا جسمية فجر أمس الجمعة بمركز إسلامي في ضواحي مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية ، وقال إمام مسجد مركز قباء الإسلامي زاهد عبد الله : إن المحققين أبلغوه أنهم عثروا على أدلة على استخدام مواد كيميائية لإضرام الحريق , وأنه شوهد مساء أول أمس الخميس رجل مشتبه به أمام المركز يستهزئ بالشعارات الإسلامية , وهو ما يشير إلى الدوافع العنصرية العدائية للإسلام والمسلمين لهذا الحادث أيضا .
لم يكن التكتم الإعلامي الغربي على أمثال هذه الجرائم البشعة بحق المسلمين هو المستهجن فحسب , بل هناك ما هو أجدر بالاستهجان والاستنكار , ألا وهو تناقض تصريحات المسؤوليين الغربيين مع أفعالهم تجاه هذه الحوادث , فبينما ينددون بحدوثها في الظاهر إن اضطروا لحفظ ماء وجه شعار الحرية الدينية المزعوم في بلادهم , لا يقومون بأي تحرك لحماية المسلمين من تكرارها على أرض الواقع , بل ليس بمستبعد أن يكونوا متورطين ببعض هذه الحوادث .
و إذا كانت هذه بعض تداعيات اتهام المسلمين بهجوم باريس , فما خفي كان أعظم ؟!