أسباب العنف و"الإرهاب"
7 جمادى الأول 1436
خالد مصطفى

يصر عدد من الباحثين ذوي التوجهات الليبرالية واليسارية ومن ورائهم القوى الغربية على حصر أسباب تزايد جماعات العنف المسلح في المنطقة العربية وخارجها والتي تستند إلى مرجعية إسلامية إلى الانحراف الفكري للقائمين على هذه الجماعات وسوء فهمهم لنصوص القرآن والسنة وهو كلام صحيح في مجمله ولكنه يختصر القضية بشكل مخل ويستبعد أسبابا كثيرة هامة تدفع كثير من الشباب للانضمام لهذه الجماعات حتى ممن يعيشون في بلاد غربية..

 

إن الخلل في بحث جذور القضية وتهميش أسبابها الفعلية سيؤدي حتما إلى تعميقها واستفحالها في وقت بدأ العالم كله يتحدث عنها ويطرح نقاشا واسعا حولها ولكن للأسف الشديد دون جدية حقيقية لأنه يسعى لاستغلال هذه الظاهرة من أجل الاستفادة منها والترتيب لمصالحه في المنطقة..يغفل الكثيرون من الذين يتصدون لهذه القضية أن تنامي هذه الظاهرة دائما ما يأتي عقب موجة من انسداد الأفق السياسي والحوار ومحاولة إقصاء التيارات الإسلامية بكل أجنحتها وقمع السلطات لجميع أحزاب المعارضة إلا التي تدور في فلكها من الأحزاب الهامشية التي لا تأثير لها والتي تلعب دور "المحلل"...

 

لو عدنا سنوات إلى الوراء لوجدنا أن ثورات الربيع العربي التي كانت سلمية في مجملها ولم تخرج عن ذلك إلا بجنوح السلطات في ليبيا وسوريا للعنف الشديد تجاه المتظاهرين, أنتجت حالة من الجنوح للسلمية وقلت كثيرا حوادث العنف مع انفتاح الأفق السياسي وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة نزلت فيها الشعوب لتدلي برأيها وشاهدنا انضمام عدة تيارات إسلامية للعملية السياسية السلمية ولكن مع نكوص هذه العملية وحدوث انتهاكات حقوقية واسعة وإلقاء آلاف المعارضين في السجون والحكم على المئات منهم بالإعدام في محاكمات أدانتها العديد من المنظمات الحقوفية الدولية بدأ العنف يرجع بقوة...

 

وإذا شاهدنا صعود تنظيم داعش في العراق لوجدنا أن التنظيم كان موجودا منذ سنوات طويلة ولكنه لم يكتسب تعاطفا من الكثيرين من السنة في العراق وخارج العراق إلا بعد ما صنعه نوري المالكي ومليشياته الطائفية ضد الاعتصامات السلمية لأهل السنة التي كانت لها مطالب واقعية عادلة, ولم يتدخل المجتمع الدولي رغم مناشدات أهل السنة إلا بعد ظهور داعش ونفس الأمر جرى في في سوريا بعد أن ترك الغرب مليشيات الأسد وحزب الله والحرس الثوري الأإيراني يذبحون أهل السنة دون تقديم أي دعم حقيقي للمعارضة السورية حتى ظهر تنظيم داعش في سوريا أيضا ..

 

إن القمع والاستبداد وانسداد أفق الحوار والتعبير عن الرأي بشكل سلمي والإقصاء والفاشية تجاه المعارضين من أهم أسباب ظهور جماعات العنف وهو ما اكد عليه أمير قطر في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" حيث قال إن معالجة "الإرهاب" يجب ألا تكون مقتصرة على الرصاص والقنابل فقط، مؤكدًا أن هذه المشكلة تحتاج إلى نهج أعمق وأكثر استراتيجية على المدى البعيد، كما تحتاج أيضًا أن يتحلى القادة السياسيون بالشجاعة الكافية للتفاوض حول حلول تعددية وشاملة للنزاعات الإقليمية، بالإضافة إلى تقديم الطغاة للمحاسبة. ورفض ما يتجه إليه الكثيرون في الغرب بأن الإسلام هو أساس الإرهاب، مشيرًا إلى أن السبب الرئيس في ذلك هو اليأس الذي وصل إلى الفقراء والذي وجههم إلى الانضمام للجماعات المتطرفة، مضيفًا: "إنه نوع من اليأس الذي ينتشر في مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وفي بلدات وقرى أخرى أنهكتها الحرب في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغزة، إنه اليأس الذي نراه في الأحياء الفقيرة في المدن الأوروبية الكبيرة وحتى في الولايات المتحدة. ذاك هو اليأس الذي لا يعرف الدين أو الدولة. إننا بحاجة إلى معالجته إذا أردنا وقف موجة الإرهاب".