دلالات تحرير إدلب
10 جمادى الثانية 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

لم تكن معركة تحرير إدلب بالكامل نزهة أو سهلة كما قد يظن البعض , ولم تكن الأيام الأربعة الأخيرة هي فقط ثمن استخلاص مدينة بتلك الأهمية من يد النظام السوري , بل كانت تلك الأيام بمثابة اكتمال نضوج ما زرعوه منذ أسابيع وأشهر في الإعداد والعمل لهذا اليوم الموعود .

قد يستغرب البعض من فرار جنود النظام السوري أمام المجاهدين الأبطال , وسقوط المدينة خلال أيام بيد الثوار , إلا أن من خَبَرَ الهزيمة النفسية وانهيار العنويات لدى جنود وأتباع النظام , مقارنة بالعقيدة والعزيمة في قتال المجاهدين الأبطال , زالت عنه الدهشة , وأيقن بصدق قوله صلى الله عليه وسلم : ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ) صحيح البخاري برقم /335

ومن جهة أخرى لم تكن جبهة النصرة وحدها هي من حرر المدينة كما يحلو لبعض وسائل الإعلام الترويج لذلك , إمعانا في بث روح الفرقة والخلاف بين الفصائل المقاتلة في سورية من جهة , ورغبة في نسبة أي نصر أو إنجاز يتحقق على أرض الشام إلى "تنظيم الدولة" سابقا , أو جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة حاليا , والمدرجة "إرهابية" عند كثير من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .

ليس معنى ذلك أن جبهة النصرة لم تكن مشاركة أو فاعلة في تحقيق هذا النصر او التحرير , ولكن لا ينبغي نسبة النصر الذي تحقق لفصيل أو راية أو اسم بعينه , فالحقيقة تأكد أن "جيش الفتح" هو من حرر إدلب , وهو على كل حال ليس جبهة النصرة وحدها أو أحرار الشام أو أو جند الأقصى أو جيش السنة أو فيلق الشام أو لواء الحق أو أجناد الشام , وإنما جمييع هذه الفصائل معا وتحت راية واسم واحد هو "جيش الفتح" .

والحقيقة أن أهمية هذا النصر والتحرير تنبع من عدة وجوه أهمها :

1- أن هذه ثاني مدينة تخرج كاملا من يد النظام بعد الرقة , مع ما في ذلك من بث الروح المعنوية لتحرير باقي المحافظات وسورية بالكامل من يد النظام بإذن الله , ومع ما في ذلك من خطر استهدافها من قبل النظام بعد التحرير بكافة الأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليا , وعلى رأسها الغازات السامة والسلاح الكيماوي , والذي يبدو أنه قد بدأ بالفعل فجر أمس الأحد , حيث أكد اتحاد تنسيقيات الثورة أن النظام قصف مدينة إدلب ببراميل متفجرة محملة بغاز الكلور السام .

2- أهمية مدينة إدلب التي تعتبر مركز المحافظة الواقعة في شمال سوريا ، والتي يطلق عليها إدلب الخضراء لكثرة أشجار الزيتون فيها , والتي تبعد عن حلب 60 كم فقط , وعن اللاذقية 132 كم , وعن حماة 105 كم ,

بما يجعلها واسطة العقد بين هذه المدن التي يحتدم القتال ببعضها بين المجاهدين والنظام كحلب , ويمكن أن تلعب دورا في مساندة المجاهدين هناك لتحريرها , ويحتاج إلى مزيد من الدعم في اللاذقية وحماة .

3- وبالإضافة إلى ما سبق فإن المدينة كانت تحوي على جميع الأفرع الأمنية ، التي تعتقل وتعذب السوريين كل يوم ، وتجمع كبير لقوات النظام ، ومركز لقصف الريف المحرر بالمدفعية الثقيلة والصواريخ ، فضلاً عن كون التحرير قد قطع الطريق على خط الإمداد لبلدتي "كفريا والفوعة" المواليتين في الريف الإدلبي ، واللتين تعتبران خزانا كبيرا للمليشيات الطائفية الشيعية من جنسيات أجنبية .

وأما عن دلالات هذا التحرير فيمكن اختصارها في :

1- أن وحدة الفصائل المقاتلة في الشام هو الحل الوحيد لتحرير كافة المدن والتراب السوري من قبضة النظام المدعوم من المليشيات الفارسية , وأن استنساخ تجربة اجتماع جميع الفصائل المقاتلة في إدلب , والذي كان له أثر واضح في تحرير المدينة , سيكون البوابة لانضمام محافظات سورية كاملة إلى لائحة المدن المحررة , وتمهيدا لوحدة واجتماع جميع المجاهدين في الشام لتحريرها سريعا أسوة بإدلب .

ولا بد هنا من التنويه على أن النظام والمليشيات التابعة له تعول في بقائها واستمرارها ليس على قوتها العسكرية وتأييد العالم لها فحسب , بل تعول على فرقة وانقسام الفصائل المقاتلة أكثر من أي شيء آخر , فلا بد من سحب هذه الورقة من يد العدو , واستخدام نفس السلاح ضده , فما يجمع المجاهدين أكثر مما يجمع النصيرية والرافضة , ولا مبرر لتفرقنا في القتال على جبهة الشام , في الوقت الذي تكثر الأسباب التي تفرقهم عن الاستمرار في هذا القتال .

2- أن بعض الدعم العسكري النوعي للفصائل المقاتلة في سورية كاف لإنهاء هذه المعركة لصالح المجاهدين , وأن التقاعس عن هذا الدعم من الدول العربية والإسلامية - والذي سيؤخر التحرير الكامل لأرض الشام - سيكلف الجميع أضعاف ما تقاعسوا عن تقديمه الآن .

إن القضية التي لا بد أن يدركها العالم أجمع عموما – والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص – أن مسألة تحرير الشام من الطاغية مسألة وقت , فالمجاهدون عازمون على هذا الأمر منذ انطلاق ثورتهم المباركة منذ أكثر من أربع سنوات , وأن تأخير الدعم والمساندة لن يغير من أهداف مجاهدي الشام , وإنما سيطيل عمر النظام قليلا , ليعيث فسادا ليس في الشام فحسب , بل و في كل الدول الإسلامية السنية .

ومن المعلوم أن حل الأزمة السورية مفتاح لحل كثير من الأزمات في المنطقة , وأن قطع رأس الأفعى الصفوية الرافضية في الشام سيصيب المشروع الرافضي الصفوي في مقتل , ولكن الأمر يحتاج فقط إلى إرداة سياسية لإقرار وتنفيذ هذا الدعم .

فهل سنشهد قريبا هذا الدعم لتحرير كامل الشام بمعزل عن رضا أو غضب العالم الغربي , خصوصا بعد مبادرة التحالف العشري عبر "عاصفة الحزم" لتأديب الحوثيين باليمن ؟!