هل يتحقق ما تخشاه "إسرائيل" ؟
12 جمادى الثانية 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

إذا كنا نعلم بأن الكيان الصهيوني إنما زُرع في المنطقة العربية بُعيد فترة الاحتلال الفرنسي والانكليزي , اللذين كرسا حالة الفرقة والخلاف بين الدول العربية والإسلامية بناء على اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة , وأن استمرار هذا الكيان مرهون باستمرار الفرقة والتمزق والتشرذم العربي والإسلامي , علمنا سبب خشية "إسرائيل" من أي تقارب أو توافق بين الدول الإسلامية من أي نوع , وخصوصا الكبرى منها وذات الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري كتركيا والمملكة العربية السعودية .
لقد كانت تلك الفرقة هي الورقة الرابحة دائما بيد الكيان الصهيوني , وقد عمل على طول الخط على تعزيز أسباب تلك الفرقة وتضخيم اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا , لانه يعلم تمام العلم أن أي توافق وتصالح بين بعض الدول العربية والإسلامية - فضلا عن كلها – كفيل بتهديد مصالحه في المنطقة , بل وتهديد وجوده على المدى المتوسط و الطويل .
ومن هنا يمكن فهم إطلاق أهم مركز أبحاث صهيوني تحذيرا من التداعيات الكارثية لأي تقارب بين السعودية وتركيا ، على خلفية مصلحة البلدين في الوقوف ضد التمدد الإيراني في المنطقة .
لقد قالها "مركز أبحاث الأمن القومي" "الإسرائيلي" صراحة : إن التقارب التركي السعودي "لا يبشر إسرائيل بخير"، ويؤثر سلبًا على البيئة الإقليمية للكيان الصهيوني , كما حذر التقرير من أن انضمام تركيا للمحور السني الذي تقوده السعودية يعني زيادة المجال للاحتكاك بين هذا المحور و"إسرائيل" .
والحقيقة أن هذا التقارب وإن كان ضروريا منذ فترة طويلة لمنع ما نراه اليوم من توسع المشروع الصفوي المدعوم أمريكيا وصهيوينا وغربيا , فهو في هذه الأيام أشد ضرورة بعد ان أضحى الخطر الرافضي ليس في قلب العواصم العربية الإسلامية العريقة كبغداد ودمشق وبيروت فحسب , بل وفي صنعاء وعلى مشارف الحدود الخليجية الجنوبية .
ومع انطلاق عملية التحالف العشري "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية ضد المليشيات الحوثية الموالية لطهران , وتأييد تركيا لهذه العملية وإعلان استعدادها تقديم الدعم اللازم لها , أضحت "إسرائيل" أشد خوفا وهلعا من هذا التقارب السعودي التركي .
لم يكن هذا التقرير هو الوحيد الذي عبر عن هواجس ومخاوف "إسرائيل" من التقارب التركي السعودي , بل سبقته تصريحات مسؤولين "إسرائيلين" على كافة المستويات , وعلى رأسهم وزير الاستخبارات "يوفال شطاينتس ", و" تسفي مزال" السفير "الإسرائيلي" الأسبق في القاهرة .
كما سبقه استشهاد موقع "ميدل إن" "الإسرائيلي" بشاهدين على التقارب التركي السعودي في الآونة الأخيرة ، الأول قطع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرحلته الدبلوماسية لعدد من الدول الإفريقية لتقديم واجب العزاء للملك سلمان في رحيل العاهل السعودي ، والشاهد الثاني إرسال أنقرة سفينة حربية إلى ميناء جدة للمشاركة في مناورات عسكرية مع بعض دول البحر الأحمر , ناهيك عن الزيارة التي قام بها الرئيس التركي مع وفد مرافق له بداية الشهر الماضي للرياض .
لقد عبر الباحثان اللذان أعدا التقدير : "يوئيل جوزينسكي" و "جليا ليندشتراوس" ، عن بعض مخاوف "إسرائيل" من ذلك التقارب وأهمها :
1- سياسية : تتمثل في مخاطر انضمام تركيا للمحور السني الذي سيهدد العلاقات التي تمكنت "إسرائيل" من مراكمتها مع عدد من الدول السنية خلال الفترة الماضية حسب قولهما , ناهيك عن توجس "إسرائيل" من إعادة نظر المملكة علاقتها مع حركة المقاومة حماس .
2- اقتصادية : تتمثل في هواجس الصهاينة من مؤشرات تعزيز العلاقات الاقتصادية بين السعودية وتركيا , حيث وصلت قيمة التبادل التجاري بين السعودية وتركيا خلال العام 2014، إلى سبعة مليارات دولار، و أن الأتراك يأملون في أن تقفز هذه القيمة إلى 20 مليار دولار بحلول العام 2018 .
لا يبدو أن هذه الهواجس "الإسرائيلية" المعلنة من هذا التقارب , تتوقف عند حد تمني فشله كما صرح بذلك الباحثان اللذان أعدا التقرير , بل تعداه إلى العمل على عدم نجاحه بكل السبل والوسائل المتاحة , وهم يعولون على ذلك الفشل المنتظر على العلاقات السيئة بين تركيا والنظام المصري الحالي ، على اعتبار أن أي محور يجب أن يشمل مصر وتركيا والسعودية , وانه من الصعب جدًا على السعودية تحسين العلاقة مع تركيا دون أن تمس بعلاقاتها مع النظام المصري الحالي .
إلا أن الإصرار الذي تبديه المللكة في عهد الملك سلمان على مواجهة المشروع الصفوي في المنطقة , والذي ظهر جليا في عملية "عاصفة الحزم" المستمرة حتى الآن , بالإضافة إلى السياسة التي تنتهجها المملكة , والتي تضع إيقاف المد الرافضي وتقليم أظافر مشروعه التوسعي في المنطقة كأولوية , مع ما يستتبع هذه السياسة من ضرورة التغاضي والتسامي على بعض اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا الإقليمية مع تركيا , وضرورة التقارب والتحالف معها لمواجهة الخطر المحدق بالأمة كلها ..... سيذلل بلا شك جميع تلك العقبات والعراقيل التي تضعها "إسرائيل" في وجه هذا التقارب .
فهل سنشهد قريبا – بإذن الله – تحقيق ما تخشاه "إسرائيل" على أرض الواقع ؟!