
أعلن مساء الخميس 2 أبريل/نيسان الحالي عن التوصل الى اتفاق أوّلي بين الولايات المتّحدة وايران حول الملف النووي رغم تخطّيهما للموعد النهائي المحدد ذاتيا من قبلهما سابقا والمتمثل بنهاية شهر مارس الماضي. ونشر البيت الأبيض ورقة "معايير خطة العمل المشتركة الشاملة" (JCPOA) بخصوص البرنامج النووي الايراني، والتي ترسم اطار الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران بانتظار وضع التفاصيل النهاية والتوقيع على الاتفاق النهائي الشامل في حزيران القادم.
وقبل الحديث عمّا ورد في الاتفاق الاوّلي، لا بد لنا من أن نسجّل بعد الملاحظات العامة:
· يجب ان نعي بداية انّ تقييم هذا الاتفاق الذي تم التوصل اليه يختلف باختلاف الجهة التي تنظر اليه، فحتى اولئك الذين ينظرون اليه بايجابية يختلفون في أسباب ودوافع هذه الرؤية الايجابية، وكذلك الامر بالنسبة الى الذين ينظرون بسلبيّة، تختلف دوافعهم وأسبابهم في النظر اليه بهذا الشكل.
· هذا ليس اتفاقا نهائيا، لذلك لا يجب ان نستعجل ايضا ونحسم الامر، اذ انّ هناك الكثير من التفاصيل الغائبة أو المغيّبة عمدا عن الاتفاق الاطاري الحالي، وحتى لو افترضنا انّه قد تمّ التوصل الى اتفاق نهائي في شهر حزيران، يجب ان نرى كيف سيكون التطبيق وهل سينجح أم لا وهذه مرحلة اخرى مختلفة تماما.
· يحاول البعض ان يطمئننا الى ان هذه الصفقة تتناول الموضوع النووي الايراني حصرا ولا تشمل صفقات اخرى، والحقيقة انّ هذا الطرح بحد ذاته غير مطمئن يزيد الشكوك ولا يبددها، لا وبل يبعث على القلق. في الصفقة الشاملة يكون كل شيئ واضحا حيال كل القضايا الخلافية، لكن ان يتم اتفاق حول الملف النووي حصرا وتترك الامور الاخرى تماما فهذا الامر قد يدفع الى التساؤل عن امكانية وجود صفقات اخرى غير معلنة تمت بموازاته بين اطرافه المعنيين ومقابل ماذا بالضبط؟ "كنفوذ ايران الاقليمي على سبيل المثال ودعمها للارهاب وتوسعها في العالم العربي".
على كل حال، عندما فتحت ورقة الوقائع التي نشرها البيت الأبيض أول أمس، وفي قراءة سريعة لما ورد، بدا النص لي مثاليا لدرجة أنّه من غير الممكن ان يكون حقيقيا، لكن عندما اعدت القراءة مرّة ثانية بتمعن بدا الامر لي مختلفا تماما.
هناك عدّة نقاط أساسية وردت في اتفاق الاطار الشامل، أهمها:
1) سيتم تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي لدى ايران من 19 ألف (10 آلاف تعمل الآن) الى 6140 جهاز طرد مركزي على ان يسمح لـ 5060 جهاز منها بالعمل على تخصيب اليورانيوم لمدة 10 سنوات.
2) لن يتم ايقاف تخصيب اليورانيوم كما تنص عليه قرارات مجلس الأمن وسيسمح لايران بالتخصيب حتى نسبة 3.67%، وهي نسبة كافية للأغراض السلميّة ولا تسمح بانتاج قنبلة نووية. وسيتم التخصيب فقط في منشأة ناتانز حصرا.
3) لن يتم اغلاق منشأة فوردو المحصّنة (التي بنيت سرّا دون معرفة العالم على عمق 200 متر تحت الارض حتى تم الكشف عنها عام 2009 من قبل امريكا) ولا تفكيك منشأة أراك. وبدلا من ذلك سيتم ايقاف عمليات التخصيب في فوردو لمدة 15 عاما ولن يسمح بالابقاء على مواد انشطارية في المنشأة ولكن سيتم الاحتفاظ في داخلها على 1000 جهاز طرد مركزي. كما سيتم تغيير قلب مفاعل آراك للمياه الثقيلة كي لا يتمكن من انتاج بلوتونيوم لسلاح نووي، أو شحنه الى الخارج.
4) سيتم بموجب الاتفاق توسيع الفترة الزمنية اللازمة لايران لانتاج قنبلة نووية واحدة وتسمى "فترة الاختراق" الى سنة واحدة، وذلك طوال فترة الاتفاق البالغة 10 سنوات.
الى هنا، يبدو الأمر مثاليا، لكن لحظة لو سمحتم! نحن نقيّمه استنادا الى ماذا بالضبط؟ ومقارنة بماذا؟ هل هذه مكاسب لايران أم تنازلات؟ دعونا نأخذ بعض المعايير للمقارنة.
1) بالمقارنة مع مقرارات مجلس الأمن السابقة ذات الصلة: فان ما ذكر اعلاه يعد مكسبا لايران ولا يوجد فيه تنازلات على الاطلاق. هناك 6 قرارات لمجلس الامن تطالب بايقاف تخصيب اليورانيوم بشكل تام، كما تم التراجع عن مطلب اغلاق وتفكيك مفاعل أراك ومنشأة فوردو .
2) بالمقارنة مع تصريحات اوباما وخطوطه الحمراء: فان ما ذكر اعلاه يعد تنازلات لصالح ايران. في تصريحاته في عام 2012، قال اوباما انّ "الاتفاق الذي يمكن لنا ان نوافق عليه هو الاتفاق الذي ينهي برنامج ايران النووي ويلزمها بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة "المذكورة اعلاه"!
عل كل حال، لن نتوقف عند هذه النقاط، فالنقاط الأربع التي ذكرت اعلاه لاقيمة لها على الاطلاق ما لم نناقش موضوعين أساسيين وردا في النص ايضا:
1) التفتيش: وفقا للنص، سيسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش في كل المنشآت ذات الصلة وستعطى صلاحيات واسعة ايضا في مراقبة كل خطوط الامداد المتعلقة بالبرنامج النووي، وذلك لضمان التزام ايران.
2) العقوبات: يذكر النص انّه في مقابل ما ذكر سيتم رفع كل العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن على ايران اذا التزمت بمضمون النص ونفذته كما سيتم تعليق العقوبات الامريكية والاوروبية وسيصار الى اعادتها حال تبيّن انّه ليس هناك من اداء مقنع.
الشياطين كلها تكمن في هاتين النقطتين. فأن تعطى الضمانة في مراقبة تنفيذ مثل هذا الاتفاق الى وكالة تابعة لمنظمة مهترئة لم تثبت يوما فعاليتها لا سيما في العقد الاخير هو أمر غير مطمئن ولا يمكن الركون اليه. ايران دولة اشبه بقارة، ومهما كانت قدرات فرق التفتيش التي سيتم نشرها فانها ستكون قاصرة في احسن الاحوال، وهذا يجعل كا ما ذكر اعلاه غير ذي جدوى في حال امتلكت ايران منشآت سرية لا يعرفها العالم او خطاّ آخر لبرنامجها النووي أو قررت خرق الاتفاق أو انّ التزامها كان مشكوكا فيه في مرتبة بين المرتبتين (الالتزام وعدم الالتزام).
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا اذا قررت ايران خرق الاتفاق بعد مدة من تطبيقه، ماذا سيكون الرد؟ وهل ستكون المهلة كافية أصلا لتطوير رد عليها قبل ان تمتلك القنبلة النووية، هذا السؤال من الأهمية بمكان توازي كل ما ورد في الاتفاقية، وللأسف فان الجواب عليه يظهر حجم الثغرة في الاتفاق.
في حال خرق ايران للاتفاق سيتم الرد عليها باعادة فرض العقوبات، وموضوع اعادة فرض عقوبات على ايران والوارد في النص هو مهزلة حقيقة بكل المعايير، وذلك للأسباب التالية:
1) رفع العقوبات من المتوقع له ان يؤمن دخلا اضافيا لايران وفق التقديرات الاوّلية يبلغ حوالي 110 مليار دولار سنويا، وقد يزداد بازدياد الوقت، فلو افترضنا ان ايران التزمت لخمس سنوات وقررت لسبب ما عدم الالتزام، فهذا يعني انّه سيكون قد دخل اليها اكثر من نصف تريليون دولار، فهل يمكن لعقوبات مهما بلغت من قوّة ومهما فرضت في وقت قياسي خلال اشهر او حتى ايام ان تؤثر بشكل سلبي على الوضع الايراني لدرجة تدفعها الى الانصياع؟!
2) اضف الى ذلك انّ نظام العقوبات المطبق حاليا لزم الاعداد له سنوات طويلة جدا، واعادة تطبيقه بعد رفعه مسألة صعبة للغاية وقد تستغرق ايضا وقتا طويلا جدا وستكون ايران قد تجاوزته ربما وامتلكت القنبلة النووية قبل ان يتم الاتفاق على اعادة فرضه او تطبيقه عمليا!
ولذلك فان موضوع اعادة فرض العقوبات لا يمكن اعتباره ضمانة على الاطلاق. المثير للسخرية انّ اوبما وكعادته في التلاعب بالألفاظ، عرض عبر موقع البيت الأبيض فور الاعلان عن الاتفاق ورقة الوقائع "Fact Sheet" وقد قدّم لها بعنوان "إطار عمل منع ايران من إمتلاك سلاح نووي"، والحقيقة التي لا يشير اليها انّ الاتفاق باختصار هو بمثابة عملية "غسيل نووي"، يعني عملية "تبييض نووية" بامتياز ، نتيجتها تشريع غير الشرعي.
الاتفاق يعترف بايران قوة شبه نووية ويسمح لها قانونا بالتحول الى قوة نووية بعد 10 سنوات، ويحدد علنا وجود امكانية دائمة لان تتحول ايران الى امتلاك سلاح نووي خلال عام فقط اذا ما قرر الملالي في اي مرحلة من المراحل كسر الاتفاق، وفي مدّة اقل بكثير اذا ما سرّعوا من برنامجهم النووي وربما في فترة أقصر من الزمن اذا كانوا يمتلكون مسارا سرّيا.
على كل، هذا التحليل ليس كافيا لمناقشة الاتفاق من كل جوانبه ، ولذلك سيكون لي ان شاء الله سلسلة من المقالات حول الموضوع خلال الايام القادمة.