الثورة السورية.. السرقة الممكنة
18 رجب 1436
منذر الأسعد

من يعرف طبيعة العلاقة الحميمة بين دورية ( فورين بوليسي) ودوائر  صنع القرار الأمريكي في البيت الأبيض والاستخبارات بأصنافها، يحمل على محمل الجد،دخولها للمرة الأولى مخاض البحث في مصير طاغية الشام.

 

التسريبات التي تضمنها تقرير هذه المجلة الشهيرة،جاءت من خلال حوار أجراه آرون ديفيد ميلر مع اثنين من أبرز الخبراء في شؤون منطقتنا،هما: ، «جوشوا لانديس» من جامعة أوكلاهوما و«فريد هوف »من المجلس الأطلسي (مستشار أوباما الخاص سابقا للتحول السوري)!!ولانديس من أشد المطبّلين لمناصرة هولاكو العصر علانية،لكنه في هذه المرة بدا متشائماً من إمكان إنقاذ صاحبه من مصيره المحتوم.

 

وهذا الصهيوني القبيح لا يخفي استياءه من السياسة السعودية الجديدة، التي ينتهجها الملك سلمان، الذي جعل كبح جماح التغلغل الإيراني أولوية قصوى.

 

 

في الوقت نفسه، تحدثت المخابرات الروسية في سابقة عجيبة، عن انهيار وشيك في أركان النظام الأسدي!!

 

وعلى الأرض شهدنا متغيرات،تبدأ من تحرير إدلب وهروب 17 ألف من جنود النظام وحلفائه،ثم جسر الشغور التي تهدد طريق إمداداته من اللاذقية إلى حلب التي قد تسقط في أيدي الثوار بين عشية وضحاها.وفي الجنوب ثمة مؤشرات جلية على تبدّل جوهري في مسار المواجهات بعد تطهير بصرى الشام ومعبر نصيبين الحدودي مع الأردن- آخر نقطة كانت مع النظام على امتداد الحدود بين البلدين-....

 

 

هذه التحولات الواعدة بعد سنتين من تقهقر الثوار،لم تأتِ اعتباطاً، وإنما جاءت ثمرة لحالة نوعية مستجدة،تمثلت في انتهاء التناحر بين الفصائل  المقاتلة المختلفة، ودخول بعضها في اندماج تام كما حصل بين صقور الشام وأحرار الشام في الشمال، وجيش الفتح في القلمون، واتحاد البندقية الثورية في الغوطتين الغربية والشرقية بعد مرحلة مريرة لم يستفد منها سوى النظام وعصابات نصر الله وفلول القتلة الطائفيين من العراق وباكستان وأفغانستان.

 

 

في موازاة ذلك كله، وصل الإرهاق في طائفة الأسد ذروته،بعد مهلك أكثر من 130 ألف عسكري وتهرب كثير من أبناء الطائفة من الالتحاق بعصابات الجيش الأسدي المنهار معنوياً.. وفاقم من هذا التدهور صراع أركان الأجهزة القمعية بين الراضين بالتبعية المطلقة لإيران حتى في الميدان العسكري، وبين خصومهم الذين شعروا أن مصيرهم مهدد نتيجة الهيمنة الصفوية المباشرة { تصفية اثنين من كبار رموز المخابرات: رستم غزالة ولحق به بعد أيام علي مملوك على الأرجح- صفع عنصر من الحرس الثوري الإيراني ضابطاً كبيراً في جيش الطاغية بريف دمشق- حماية حياة مرتزقة نصر الله في الزبداني على حساب حياة ضباط وجنود أسديين....-}..

 

 

مجمل تلك الصورة، مصحوباً ببوادر تململ صريح لدى شارع نصر الله في لبنان،وفي ظل الهزائم العسكرية لحلف المماتعة، أشعل النار الكامنة من خلال مهاترات إعلامية علنية بين التابعين لخامنئي مباشرة، والمستفيدين من النظام أكثر.
هل تعني هذه المعطيات، الركون إلى الأحلام المغرية بأن سقوط الطاغية تحصيل حاصل، وأن ذلك يعني - تلقائياً- انتصار الشعب السوري؟

 

 

لا يجيب بـ "نعم" عن هذا السؤال أي إنسان لديه الحد الأدنى من إدراك حجم المؤامرة الأممية على سوريا وشعبها الشجاع.. ففي الكواليس  تتصارع القوى الكبرى على تجيير السقوط الوشيك لفائدة أنصابها الذين تهيئهم للقفز على حصاد أضخم تضحيات قدّمها شعب يريد التحرر من الاستبداد في العصر الحديث كله.

 

 

لعل السيناريو الأشد خطورة،هو تنظيم تلك القوى المتربصة بالثورة،انقلاباً على بشار لإنقاذ النظام العفن،الأمر الذي قد يخدع بعض السُّذَّج، ويعيد التمزق السابق إلى سيرته الأولى- لا قدَّر الله-والبديل الأسوأ هو تقسيم البلد المطروح علانيةً { دعا "مركز أورشليم لدراسة المجتمع والدولة" الذي يديره دوري غولد، كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، إلى إقناع الغرب بتبني تقسيم سوريا.وفي ورقة تقدير موقف نشرها المركز، حذر  من أن بقاء سوريا بدون تقسيم يعني تحويلها إلى قوة سنية كبيرة!!.. وهذا يذكِّرنا بصفاقة وزير الخارجية الروسي في بدايات الثورة السورية عندما قال: لن نسمح لأهل السنة بأن يحكموا سوريا!!}..

 

 

هنا، تتجلى المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق قادة الثوار في الداخل، فسوريا الآن على مفترق طرق حاسم: إما الحياة وإما الردى..
إذا رجعوا إلى ضمائرهم وحكَّموا شرع ربهم الذي يحرّم القتال بين أهل التوحيد،وبخاصة في ظل هجمة الأعداء وتكالبهم،فكل صراع بينهم اليوم هو فتنة قد يهلك المشترك فيخسر الدنيا والآخرة.

 

 

أما إذا كانوا على مستوى تلك المهمة التاريخية الجسيمة،فإنهم سوف يسعون إلى استكمال النصر بإذن الله،وبعد ذلك يمكنهم تنظيم اختلافاتهم بالحوار الشرعي الهادئ بين أناس يبحثون عن الحق،لا زعماء يبحثون عن مناصب زائلة –ربما لا يحصلون عليها!!-
وأظن أنهم أذكى –وأورع إن شاء الله- من أن يغفلوا عن رهان داعش على أن تتفرد مع الطاغية في ابتلاع الشام وتمزيق أوصاله!!