الثورة وعلَمُ الثورة وتجار الثورة
24 رجب 1436
منذر الأسعد

كان لإقصاء عَلَم الثورة السورية من مقر  المؤتمر الصحافي بين رئيس الائتلاف ومدّعي المعارضة لؤي حسين أصداء كبيرة وواسعة،عبّرت عن نفسها في تصريحات رموز من المعارضة السياسية والعسكرية، ومن خلال اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي، التي ضجّت بتعليقات السوريين التي اتخذت اتجاهات كثيرة فلم تنحصر بين من يهوّن من الموضوع باعتباره أمراً شكلياً، وبين من يعتبره تفريطاً مجانياً برمز الثورة.. فهناك الذين يعارضون العصابة الأسدية جذرياً،لكنهم يرفضون العلَم الثوري – علم الاستقلال- مثلما يرفضون علَم النظام.. والاعتبارات ها هنا تتراوح بين الرفض المبدئي القاطع لفكرة بقاء سوريا دولة لأنها جزء من مشروع خلافة إسلامية كبرى- وهذا لا يقتصر على داعش كما يظن بعض الناس-، وثمة من ينبذ علم الاستقلال لأن اعتماده رسمياً تمت في حقبة الانتداب الفرنسي البغيض!!

 

 

ليست قطعة قماش
المفارقة الأولى في المشهد تأتي من أن لؤي حسين –رئيس تيار بناء الدولة- يرفض علم الثورة،ويتمسك براية النظام الأسدي استناداً إلى زعمٍ عجيب يصح وصفه بأنه حق يراد به باطل، هو أن العلم للوطن وليس للنظام!! وكأن حسين يحدثنا عن دولة حرة مستقلة يتمتع شعبها بحريته وكرامته،وليس عن نظام طائفي أقلوي فرض على السوريين كل شيء على مدى نصف قرن من القهر الممنهج!!

 

 

ولو كانت قيادة الائتلاف تعبّر عن شريحة واسعة من السوريين الثائرين-وليس عن الجميع كما تزعم!!- لوجب عليها الاحتياط أصلاً في قبول لؤي حسين شريكاً!! فهذا الذي بقي أربع سنوات يلبس رداء المعارضة في الداخل،كان أقرب إلى العصابة الحاكمة مليون مرة أكثر من قربه من المعارضة الثورية.. ولا يخفى على سوري أن كل من تسمح له مخابرات النظام بادعاء المعارضة تحت سلطتها،ليس سوى عميل مخابراتي بلا أدنى ريب.

 

 

فكيف يقبل رئيس الائتلاف بإقصاء علم اتفقت غالبية السوريين ضمناً على رفعه منذ بداية ثورتهم على الطاغية؟
المفارقة الأشد هولاً تدخل في العمق،فلؤي حسين جاء يطالب بضمانات للعلويين من المحاسبة بعد إزاحة الطاغية..

 

وهذا يؤجج مشاعر الغضب لدى أبعد عن السوريين عن الطائفية، ذلك أن 99% من الطائفة هي من يقود أعمال القتل والتعذيب المنهجي  والنهب المنظم والتدمير الوحشي لسوريا دفاعاً عن القاتل الأكبر..

 

ثم أليس من الخيانة الفادحة قبول حسين كأنه يمثل طائفته في الثورة. مع أنها العدو الأول للشعب السوري باعتبارها الخزان الأول للشبيحة القتلة،وتجاهل أفراد قلائل جداً من الطائفة كانوا الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فتمردوا منذ البدء على النظام وحاولوا –بلا جدوى- إنقاذ طائفتهم من مصيرها الأسود بدعوتها إلى التمرد على التبعية لهولاكو العصر؟ وبعض هؤلاء كانوا في طليعة أعضاء الائتلاف نفسه؟
تبعية الائتلاف تقتله

 

لا نفشي سرًّا إذا قلنا: إن المعضلة الأولى للمعارضة السورية في الخارج  تتلخص في تبعية تياراتها وقواها إلى بلدان أخرى،لها حساباتها ومصالحها،وهو ما أدى إلى شلل هذه المعارضة وعجزها عن الاندماج في هيئة موحدة تعبّر عن ضمير ملايين السوريين الشرفاء،وتقود العمل السياسي والعسكري والإغاثي بما يخدم الثورة وأهلها.

 

أما الآن فإن الائتلاف يطلق الرصاص بنفسه على قدميه،بهذه الممارسات المشبوهة،والتي تأتي تنفيذاً لتوجيهات أجنبية،أكثرها تأثيراً يأتي من العدو الأول للسوريين بعد الطاغية: الولايات المتحدة الأمريكية.فهي منعت تسليح الثوار لإبقاء الطاغية حارس الاحتلال الصهيوني للجولان، ولا تخفي حرصها على إقامة نظام جديد- إذا اضطرت بسقوط الطاغية- يخضع لسيطرة الأقليات المعادية للثورة مع حصة أكبر للعلويين تحديداً!!

 

 

ذلكم كان هو السيناريو الذي حاول أوباما تمريره قبل سنتين ونصف سنة تقريباً، بتنصيب مجلس عسكري أقلوي بزعامة وزير دفاع النظام سابقاً العلوي علي حبيب،لولا رفض نتنياهو الشرس لفكرة إزاحة بشار !!

 

 

لكل ما سلف بيانه من حقائق،يبقى الائتلاف ديكوراً لتمرير الخطط الأمريكية على حساب دماء السوريين وعذاباتهم الفظيعة.فهو لا يسيطر على أي قطعة من الأرض المحررة، وليس له سلطة فعلية على فصائل الثوار من الجيش الحر إلى الفصائل الإسلامية سواءٌ المصنفة معتدلةً منها، وتلك المتهمة بالتطرف والإرهاب  اتهاماً صادقاً أو مختلقاً..